مشاورات كلاسيكية… الحقائق في الغرف المغلقة

هتاف دهام

ترجح دفة ميزان الرئيس المكلف سعد الحريري الحكومة الثلاثينية. يريد الشيخ سعد التأليف سريعاً. لا داعي لوضع عراقيل في دواليب التشكيلات الوزارية. الحكومة هي حكومة إجراء الانتخابات. والحديث أنها ستتعهّد بإرسال قانون جديد للمجلس ليس إلا استهزاء.

اليوم الأول من الاستشارات النيابية في ساحة النجمة أمس كان أقلّ من عادي. خصّص رئيس المجلس النيابي نبيه بري صالون النواب لاستشارات رئيس التيار الأزرق مع الكتل النيابية.

لم يُفتح صالون مكتب رئيس المجلس إلا مرة واحدة للرئيس الراحل رفيق الحريري عندما كلف تشكيل الحكومة. أجرى الرئيس فؤاد السنيورة مشاوراته في 2008 في صالون النواب على غرار الحريري اليوم وفي العام 2009. بيد أنّ الرئيسين تمام سلام ونجيب ميقاتي أجريا مشاورات التأليف في مكتب لجنة الإدارة والعدل في مبنى مكاتب النواب.

لا إجراءات أمنية مشدّدة. كلّ ما في الأمر أنّ الهندسة الداخلية في بهو المجلس اختلفت. صُمّم ديكور جديد موقت ينتهي اليوم لإدلاء رؤساء الكتل النيابية بمواقفهم وتصريحاتهم بعد خروجهم من الاجتماع بالحريري. التمايز سببه ضيق غرفة الصحافة وزحمة المصوّرين والنقل المباشر.

كلّ ذلك لا يعني أنّ مشاورات الرئيس المكلف اليوم وأمس ستفضي إلى نتيجة في الـ 24 ساعة المقبلة. ليست المشاورات أكثر من بروتوكولية، إنها لعبة كلاسيكية. الحقائق على فظاعتها، خارج جدران المجلس. لا تقال إلا في الغرف المظلمة المغلقة.

أجرى الحريري أمس مشاورات مع الرئيس بري والرئيسين سلام والسنيورة، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري. لم يحضر الرئيس نجيب ميقاتي. اكتفى بلقاء أول أمس خلال زيارات الرئيس المكلف لرؤساء الحكومات السابقين.

اجتمع الحريري بـ 10 كتل نيابية والنائب محمد الصفدي موعده كان محدّداً اليوم يريد الأخير تمضية عطلة نهاية أسبوع هادئة، لا يعكرها لقاء سياسي يطغى عليه طابع المجاملات السياسية التقليدية.

التقى الرئيس المكلف كتلة التحرير والتنمية عند 2:15 ليخرج عند 2:30 غامزاً الصحافيين «انشا الله خير»، لينصرف الى break دام نحو ساعة ونصف الساعة.

الفترة الفاصلة عند موعد 4:30 لنواب التيار الوطني الحر كانت استراحة للصحافيين أيضاً لتناول الغداء في أماكن قريبة من ساحة النجمة. وسط بيروت شبه خال من المطاعم والمقاهي، باستثناء مطعمين اثنين مموّلين من رجل أعمال سعودي كراسي وطاولات من دون بشر إلا نادراً.

بعيداً عن هذه الشكليات والفولكلور المألوف في مناسبات كهذه، لم ترشح أية صورة دقيقة للحقائب الوزارية غير السيادية. لم يضع الرئيس المكلف جدولاً أمامه بالوزارات الأساسية والثانوية و«الدولة».

لم يحمل ورقة وقلماً ليطلب من رؤساء الكتل التي التقاها أن تسمّي الحقيبة التي تريد، لشطبها من الجدول كي لا يضع مكون آخر عينه عليها. الأفرقاء جميعهم يريدون أن يتمثلوا، ربما نكون أمام حكومة من 64 وزيراً على حدّ تعبير بعض النواب ساخراً مما يجري.

انتهت لعبة المجاملات المتبادلة بين الأطراف. انتهى الكلام المنمّق. دخل العهد في سبر غور النيات. هذه المرحلة ستظهر وجود عقبات بغضّ النظر عن حجمها.

يؤكد الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف أهمية السرعة وليس التسرّع في التشكيل. لكن ماذا عن التعقيدات التي ظهرت في أفخاخ السنيورة والمداورة؟ ماذا عن سيادية «القوات»؟ لماذا غمزت من قناة الحصة البرتقالية؟ ماذا عن الثلث المعطل؟ كيف سيركب في لعبة الضمانات؟ ماذا عن الاصطفافات السياسية؟ ماذا عن البيان الوزاري؟ هل سيكون خطاب قسم الرئيس عون، عموداً فقرياً له؟

في الحكومة الثلاثينية، ستكون حصة رئيس الجمهورية مع كتلته 9 وزراء. حصة رئيس الحكومة مع كتلته ستكون أيضاً 9 وزراء، لكن، كيف ستتوزع مشاركة المكونات السياسية الأخرى الحليفة لـ بعبدا والحليفة لـ السراي؟ هل ستفك هذه العراقيل ونذهب الى تشكيل، ربما لا يكون خلال أسابيع قليلة لكنه لا يكون خلال أسابيع كثيرة؟

يؤكد المطلعون على مفاوضات المشاركة القواتية في الحصص أن معراب تهدف من رفع السقف، انتزاع وزارة كالصحة أو الأشغال. هذا ما ألمح إليه النائب جورج عدوان من المجلس النيابي أمس.

شدّد «العدوان» على أنّ القوات طالبت بأن يكون لديها وزارة سيادية، ومن حق القوات وفقاً للقواعد أن يكون لديها وزارة سيادية، وأن يكون لديها وزارة من وزارات الخدمات الأساسية، ويكون لديها وزارة من الوزارات التي يعتبرونها متوسطة لتكون فاعلة».

كانت تصريحات الكتل النيابية بعد لقائها الرئيس الحريري أكثر من روتينية. وحده اللقاء الغريب بين النائب عاصم قانصوه والرئيس المكلف شغل الصحافيين بما دار بينهما. طالب أبو جاسم بوزارة الشؤون الاجتماعية إذا كان لحزبه موقع في الحكومة نظراً لما يمكن أن تؤمّنه كتلة البعث للنازحين السوريين. اعتبر البعض الأمر تهكّماً، فيما اعتبر آخرون أنّ كتلة البعث جدية بمطالبتها بحقيبة، وملف النازحين لن يحلّ بمعزل عن الدولة السورية.

وفيما وعد الحريري حزب الكتائب بحصة في الحكومة ربما تكون لصالح الوزيرالمستقيل ألان حكيم. أعلن عدوان «من يريد ممارسة المعارضة أو التعطيل، الباب مفتوح له ان يكون خارجها، وطالب على غرار التيار الوطني الحر بحكومة من 24 وزيراً، لكن المفارقة أنّ الرئيس المكلف لن يسمح بفرملة قطار تشكيل حكومته. إرضاء الجميع رغبة أو إكراهاً سيعمل لأجله. يصرّ على الثلاثينية لتسير حكومته الأولى بسلام، تمهيداً للحكومة الثانية بعد الانتخابات النيابية الربيع المقبل.

أكد البرتقاليون والزرق والزيتيون أهمية المداورة في الحقائب السيادية. لكن كلام المنابر تمحوه جلسات الصالونات الضيقة، وانْ كان منى عين الرئيس فؤاد السنيورة أن تعود وزارة المال الى أحضانه وزير تحت جناحيه . يتطلع إلى سحب بساط وزارة الداخلية من تحت قدمي الوزير نهاد المشنوق المقرّب من حزب الله والرئيس عون.

وفق المعلومات سيبقى توزيع الوزارات السيادية الأربعة على ما كان عليه في الحكومة السلامية. أما النائب وليد جنبلاط فتقدّم بالحدّ الأدنى من المطالب، ودعا إلى التقاط الاشارة التاريخية المتمثلة بانتخاب العماد عون رئيساً وتكليف الحريري بتشكيل الحكومة.

استشارات اليوم الأول انتهت، لكن خلاف رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية مع رئيس الجمهورية لم ينته. غاب بيك بنشعي عن استشارات قصر بعبدا، لكنه حضر إلى استشارات ساحة النجمة. لغاية الآن لم تحصل أية مصارحة، كما قال، بيننا وبين الرئيس عون، وإذا حصلت تعود الأمور إلى طبيعتها، والموقف الوطني ملتزمون به.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى