فنكلستاين كاشفاً الحقائق والوقائع ٢ سيفا «الهولوكوست» و«العداء للساميّة» ما عادا يخيفان

جورج كعدي

نتابع قراءة الكتاب الأحدث لليهوديّ الأميركيّ المناهض بشدّة للصهيونيّة ولـ«إسرائيل» نورمان فنكلستاين تحت عنوان Knowing too Much صدرت ترجمته العربية حديثاً تحت عنوان «التمادي في المعرفة» لدى «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر» ونخلص إلى حقائق ووقائع قيّمة يمكن اختزالها بنقاط أساسيّة، استناداً إلى ما ورد في الكتاب حرفيّاً بقلم المؤلّف وبلا أدنى تصرّف، من غير أن ننسى أنّ فنكلستاين مضطهد من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ويُحارب كأستاذ محاضر في العلوم السياسية في الجامعات الأميركية، وهو ممقوت بالتأكيد في «إسرائيل» التي يندّد على الدوام باعتداءاتها الوحشيّة ضدّ الشعب الفلسطينيّ.

هنا، في نقاط منتقاة، مزيد من الحقائق والوقائع حول الكيان الصهيونيّ بقلم فنكلستاين:

– وضع القادة الصهاينة نصب أعينهم تأسيس دولة يهوديّة بمعظمها، بحيث تحلّ مكان بلاد معظم سكّانها من غير اليهود، ولذلك كانت الطريقة الوحيدة لتحقيق هدفهم هي اتّباع سياسة التطهير العرقي على الطراز الاستعماري. قال المؤرّخ «الإسرائيليّ» البارز بيني موريس إن «التطهير العرقيّ كان حتميّاً، وهو من صلب الصهيونيّة». تحقّق معظم ذلك الهدف في هذا السياق وتحت غطاء من حرب العام 1948: أجبر نحو 750.000 من الفلسطينييّن على النزوح نتيجة المجازر وأعمال العنف الصهيونيّة، بينما بقي 150.000 في أمكنتهم. ارتكب جيل تأسيس الدولة بعد الحرب عدداً لا يُحصى من الأعمال الوحشيّة ضدّ النازحين الفلسطينيّين الذين كانوا غير مسلّحين بمعظمهم، والذين كانوا يسعون للعودة إلى ديارهم.

– يمثّل أرييل شارون تجسيداً للشرّ في المخيّلة الشعبيّة، وهو الذي نشأ على الحلم الصهيونيّ الذي تبنّاه جيل بن غوريون، كما شارك شخصيّاً في عدد كبير من المجازر. لكن الحقيقة هي أنّ بن غوريون «لم يكتفِ بإعجابه» بشارون، بل «قدّره بعمق»، وذلك بحسب ما قاله موشيه دايان، ولأنّ شارون «جسّد شخصية يهوديّ حلمه، أي رجل الاستقامة».

– قال المؤرّخ جوناثان سارنا متأسّفاً: «نشأ جيلي من اليهود الأميركيّين على رؤية المشروع الصهيونيّ من خلال نظّارات زهريّة اللون. أمّا الآن، فإنّ ذلك الحلم، الذي يرتبط مع الرؤية النبيلة لليهود الأميركيّين لأكثر ما يرتبط بالحقائق البشعة للشرق الأوسط، يرقد محطّماً وغير قابل للإصلاح». أمّا إذا كان ودّ اليهود الأميركيّين لـ«إسرائيل» قد شارف على نهايته فإنّ ذلك يعود إلى أنّهم باتوا يعرفون أكثر من اللازم.

– تراكمت حتى الذروة الأدلّة التي تضع «إسرائيل» تحت أضواء ساطعة. حاولت «إسرائيل» منذ وقت طويل تحويل الأنظار عن هذه الحقائق الساطعة التي تدينها والتخفيف منها، وذلك عندما شهرت السيفين التوأمين للهولوكوست ومعاداة السامية الجديدة. ادّعت «إسرائيل» أنّه لا يمكن تقييد اليهود بالمعايير الأخلاقيّة ـ القانونيّة التقليديّة بعد المعاناة الشديدة التي تحمّلوها خلال الحرب العالمية الثانية، وأنّ انتقاد السياسة «الإسرائيليّة» تقف وراءه دوافع كراهية اليهود التي لا تفتأ تظهر بين حين وآخر. لكنّ هذين السيفين لم يعودا مخيفين بعد الآن.

– ما إن دخل انتقاد «إسرائيل» مجال الرأي العام السائد حتى أصبحت تهمة المعاداة للساميّة أقلّ صدقيّة.

– الاستخدام الانتقائيّ للهولوكوست كسلاح أدّى في النهاية إلى فقدانه فاعليته. أظهرت استطلاعات الرأي في السنوات القليلة الماضية أنّ نسباً كبيراً تعتقد بأنّ «اليهود يكثرون من الحديث عن المحرقة». لكن، وللمفارقة، لجأ الذين يدافعون عن «إسرائيل» إلى استخدام تلك النتيجة للبرهنة عن انتشار ظاهرة معاداة الساميّة. وهو الأمر الذي يدفع الناس إلى الاعتقاد، وعن حقّ، بأنّ اليهود يكثرون بالفعل من الحديث عن معاداة الساميّة كذلك.

– أدّى تناقص قدرة «إسرائيل» على حماية نفسها من النقد المحقّ إلى تدهور موقفها الدوليّ. لكنّ ابتعاد اليهود الأميركيّين عن «إسرائيل» يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من هذه العمليّة الأوسع بكثير، من ذروتها.

– أوردت دراسة أجريت لصالح منظمات دعم يهوديّة: «يبدو بوضوح أنّ الطلاب الجامعيين اليهود هم أقلّ ارتباطاً بـ«إسرائيل» مما كانت الأجيال السابقة. ويمتلك عدد كبير منهم مشاعر متناقضة أو سلبيّة تجاه «إسرائيل»، وعلى الأخصّ في ما يتعلق بالنزاع الحاليّ… يبدو أن «إسرائيل» تخسر المعركة في أفئدة هذه المجموعة وعقولها».

– لم يكن ابن سعود مستعدّاً للتضحية بصادراته النفطيّة إلى أميركا على مذبح فلسطين، وذلك لأنّه كان يعتمد على حصصه المفروضة على أرباح الشركات النفطيّة الأميركيّة بنسبة 90 في المئة من مداخيل مملكته. أسرّ الملك السعوديّ إلى الموفدين الأميركيّين في العام 1946 بأنّه «يصعّد لهجته لأنّ الجميع يفعلون ذلك…، لكن فلسطين لن تؤثّر في النهاية على علاقاتي مع الأميركيين»… لم يكتفِ ابن سعود في الواقع بعدم إلغاء الامتيازات النفطيّة الأميركيّة، بل أنه سمح في أواخر العام 1949 لهذه الشركات النفطيّة بتوسيع عمليّاتها.

– لا يتوقّف المحافظون الجدد اليهود عن امتداح «إسرائيل» لأنّ ذلك يعزّز المصالح الأميركيّة، وبالتالي مصالحهم. لكن في ما يتعدّى ذلك، يمكننا القول إنّ ميل «إسرائيل» الغريزيّ إلى العنف وتفضيلها له على الديبلوماسيّة قد أثلج قلوب المحافظين الجدد. كانت تلك قصّة الغرام التي إن لم تحدث في السماء فهي سوف تحدث داخل دبّابة الميركافا.

– يتعيّن علينا أن نلاحظ أنّ «إسرائيل» ذاتها لا تفهم إلاّ لغة القوّة، ومثال ذلك أنّها لم تنسحب من سيناء التي احتلّتها إلاّ بعد قيام مصر بهجومها العسكريّ المفاجئ والمثير، والذي بدأت به حرب تشرين الأول من العام 1973، وكذلك لم تنسحب من المناطق اللبنانيّة التي احتلّتها إلاّ بعدما تبنّى حزب الله سياسة حرب العصابات. يعني ذلك أنّ «إسرائيل» لن تنسحب من الضفة الغربيّة وغزّة إلاّ إذا أجبرها الفلسطينيّون على ذلك. لكن القوّة هنا لا تعني القوّة العسكرية. يمكن للمقاومة المدنيّة أن تكون قوّة لا تقاوم بدورها.

– الحقيقة أنّ الدعم الذي يقدّمه اليهود الأميركيّون إلى «إسرائيل» هو دعم مجانيّ. ورغم الثقة الزائدة بالنفس التي يتظاهر بها اليهود الأميركيّون أثناء تقديم هذا الدعم اللامحدود لـ«إسرائيل»، فهم لا يدفعون أي ثمن شخصيّ طالما تنفّذ «إسرائيل» ما تطلبه منها واشنطن، بينما يدفع «الإسرائيليّون» الثمن الباهظ لحرب تبدو بلا نهاية، يمارس اليهود الأميركيّون التضحية بالجماعة في حين يتظاهرون بخدمتها.

– تتطابق المصالح الإقليميّة العريضة لواشنطن و«تل أبيب»، إلاّ أنّ استعمار «إسرائيل» للأراضي الفلسطينيّة هو أمر يعوق المصالح الأميركيّة فعلاً. أمّا إذا كانت الولايات المتحدة تمنح «إسرائيل» الدعم شبه الكامل في هذه المسألة المحليّة، فإنّ ذلك يعود إلى قسوة اللوبي اليهوديّ وفاعليته.

– يوحي أداء الجيش «الإسرائيليّ» الكارثيّ خلال الهجوم الذي شنّه على حزب الله عام 2006، والذي تعقّد أكثر بالعمليات الخاطفة في دبي، وضدّ أسطول الحرية عام 2010، بأنّ السطوة الحربيّة لـ«إسرائيل» قد دخلت مرحلة من الانحدار المتواصل.

– الأمر الذي ساهم في التقليل من وهج «إسرائيل» هو احتلالها المركز الرابع بين 140 بلداً، وتكراراً، من حيث العنف الأشدّ تجاه الأطفال. ولدى توسيع المؤشّر عام 2011 إلى 153 بلداً احتلّت «إسرائيل» المركز التاسع بين البلدان الأكثر عنفاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى