نحو فتح كوّة في جدار النظام المقفل…
د. زهير فياض
ليس من المنطقي، تحميل «العهد الجديد» في لبنان أكثر من قدرته على التحمّل، ولا ينبغي أن ننتظر منه عجائب أو إنجازات خارقة للطبيعة، ذلك أنّ المشكلة المستفحلة في لبنان هي مشكلة بنيوية أولاً، لها علاقة بطبيعة النظام السياسي نفسه، وهي ثانياً وقبل كلّ شيء إشكالية ثقافية لها علاقة بمستوى تطور المجتمع ذاته من النواحي الثقافية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية، أيّ مستوى وعيه لحقيقته، لهويته، لدوره ولآفاق تطوره المستقبلية…
أما المشكلة البنيوية للنظام السياسي اللبناني فقد خبرناها منذ نشوء الكيان نفسه، أيّ منذ العام 1920 يوم أعلن الجنرال غورو قيام لبنان الكبير، ومروراً بلبنان الميثاق العهد الاستقلالي آنذاك وصولاً الى الطائف… وقد عبّرت هذه المشكلة البنيوية عن ذاتها في مراحل تاريخية عدة، ولعلّ تعبيراتها الأشدّ مأساوية كانت في العام 1975 وما تبعها من حرب أهلية طاحنة لم تبقِ ولم تذرْ، وصولاً إلى اتفاق الطائف أو ما سُمّي الجمهورية الثانية ، والتي شكلت مرتكزاً أو مفصلاً كان من الممكن التأسيس عليه لرسم المسارات المستقبلية للكينونة «اللبنانية»، إذ إنّ اتفاق الطائف شكّل منصة انطلاق لمسارات تقاطعت فيها مصالح وصراعات مزمنة في بقعة ضيقة جغرافياً كادت أن تختنق فيها أحلام اللبنانيين، ولكنها بقيت مفتوحة بالمعنى الاستراتيجي على أفق إقليمي ودولي في قلب منطقة مشتعلة تشكلُ حالياً المختبر الحقيقي لشكل وجوهر النظام العالمي الذي لم يتشكّل بعد…
نحن الآن إذاً، أمام فرصة قد تكون «تاريخية» تتمثل بوجود رئيس يطرح شعاراً لعهده «التغيير والإصلاح» فرصة إذا ما تمّ التقاطها، قد نستطيع فتح كوّة في جدار هذا النظام اللبناني المغلق طائفياً ومذهبياً والذي بات يدور في حلقاتٍ مفرغة تتوالدُ فراغاً وعجزاً ومراوحةً في دائرةٍ عبثية تضيع فيها جهود وإنجازات وطموحات استثنائية لدورٍ لطالما كنا نحلم أن يلعبه لبنان ليس فقط على المستوى المحلي، بل على مستوى المحيط أيضاً في جعله فعلاً لا قولاً «نطاق ضمان للفكر الحر» الرائد الناهض بكلّ بيئته ومحيطه.
ثمة أمل اليوم يلوحُ في الأفق بالقدرة على كسر «التابو» الطائفي والمذهبي الذي يشلّ الدولة الكيان، والقدرة على فتح نوافذ هي موجودة أصلاً في جدار نظام الطائف، عنيت نافذة «الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية»، ونافذة «القانون الانتخابي العصري القائم على النسبية» المعطوف على أوسع ترسيمات ممكنة للدائرة الانتخابية، إضافة إلى نافذة محاربة الفساد و»البغاء السياسي» المستفحل منذ إدارة الطائف الى يومنا هذا… كلّ هذه النوافذ تشكل اليوم مخارج ممكنة لواقع سيّئ، وتشكل تطبيقاً أميناً لدستور الطائف، وما كان يمكن أن يكون عليه مشهد «الجمهورية الثانية» بعد الطائف والتي سارت مع الأسف – في مسارات سلبية انحدارية أدّت إلى تعميق المأزق «البنيوي» للدولة والنظام.
إضافة إلى هذه العناوين الدستورية والميثاقية ذات الطابع الداخلي بامتياز ، هناك تحدّي المواءمة بين لبنان ــ المقاومة ولبنان ــ الدولة، أيّ تجسيد واقعي وحقيقي لمعادلة الشعب والجيش والمقاومة في مواجهة الاحتلال والإرهاب وتحدياتهما الآنية والمستقبلية…
كلّ هذا، يتطلّب من القوى الحية في لبنان أن تقوم بدورها النضالي الحقيقي، وعلى كلّ المستويات، وأن تضع نصب أعينها تحقيق هذه الأهداف في السياسة والثقافة والتربية والاقتصاد والمقاومة لتحقيق التغيير المنشود في الوعي الشعبي أولاً، كأساس للتغيير في فلسفة الدولة والنظام ثانياً.
كلّ هذه العناوين مجتمعة، تشكل عناوين واقعية، إذا ما توفّرت لتحقيقها الإرادة الصلبة نستطيع فتح كوّة في جدار النظام الطائفي «المغلق»، وقد تمكِّنُنا من الولوج إلى «الجمهورية الثالثة» المدنية الديمقراطية القوية العادلة الموعودة…
عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي