سورية وإيران في بعبدا: تأكيد خيار الشراكة في الحرب على الإرهاب الحكومة ثلاثينية موسَّعة: من مرحلة تحديد الحصص إلى توزيع الحقائب

image_0_1

كتب المحرّر السياسي

في منافسة تشبه تلك التي شهدتها الانتخابات الأميركية عام 2000 وحملت الرئيس جورج بوش إلى البيت الأبيض، رغم عدم حصوله على تصويت أغلبية الناخبين، بعدما فاز بتصويت المجمع الانتخابي الذي يعود له انتخاب الرئيس الأميركي وفقاً للدستور، والذي يضمّ ممثلين للولايات الخمسين وفقاً لتوزيع مقاعدها على مجلسَيْ النواب والكونغرس والعدد ذاته الذي تتمثل فيه من النواب والشيوخ، مضافاً إليهم ثلاثة مندوبين لولاية نيويورك. وهكذا يتشكل المجمع من 435 مندوباً هو عدد أعضاء النواب ذاته الذين يمثلون الولايات بنسب السكان، و100 يمثلون عدد الشيوخ الذين يمثلون الولايات بالتساوي باثنين لكلّ ولاية و3 لنيويورك فيكون العدد الإجمالي 538 مندوباً يفوز بالرئاسة من ينال تصويت أغلبيتهم المطلقة، أيّ 270 صوتاً من المندوبين الذين تنتخبهم الولايات، وفقاً لتصويتها لأيّ من الحزبين بأغلبية أصوات المقترعين في كلّ ولاية، بحيث يفوز بكامل عدد مندوبي الولاية الحزب الذي ينال أغلبية أصوات مقترعيها ولو بفارق ضئيل، وغالباً تختار الولايات عدداً من مندوبيها في الاقتراع المسبق الذي بدأ قبل يومين، وينتج قرابة المئة مندوب من المجمع، ينتمون إلى فئة الوجوه النافذة من نواب سابقين وحكام سابقين وصناع رأي عام ويتمتعون بقدر من الاستقلالية في تصويتهم الذي قد يجيء معاكساً لما ستختاره الولاية بتصويت مقترعيها، فيصير لهؤلاء الذين يطلق عليهم تسمية كبار الناخبين الكلمة الفصل في الرئاسة عندما يتقارب تصويت الولايات لكلّ من المرشحين، كما هو الحال بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.

ما بين ترامب وكلينتون من فوارق تصويتية في الناخبين، وفقاً لاستطلاعات الرأي، لا يعكس حقيقة المسار الانتخابي، فقد يفوز ترامب بأغلبية الناخبين في مجموع الولايات رغم إعلان الشرطة الفدرالية تبرئة كلينتون عملياً من ارتكابات جرمية في القضية المعروفة بقضية البريد الإلكتروني الشخصي الذي استخدمته بديلاً للبريد الرسمي المفترض أن تحصر فيه مراسلاتها يوم كانت وزيرة للخارجية. وفي المقابل تبدو كلينتون مهيأة للحصول على تصويت أغلبية الناخبين الكبار الذين توضحت هوية تصويت أغلبهم، وفقاً لمصادر متابعة في واشنطن، مقابل تأرجح ست ولايات في توجّه مندوبيها، ما يعني يوماً انتخابياً ساخناً مليئاً بالمفاجآت، رغم الأرجحية لحساب كلينتون.

السياسة التي حركت قضية البريد الإلكتروني لكلينتون في الأسبوع الانتخابي الأخير هي السياسة التي برأتها، وهي السياسة التي ستمنحها الفوز بتصويت كبار الناخبين لصالحها، لتقيّدها بالسياسة التي يرسمها صناع القرار الحقيقيون الممسكون بمفاصل الأمن والدبلوماسية، والذين تقيّد الرئيس باراك أوباما وإدارته بما رسموا حتى فاز، وجدّد ولاية ثانية. وهذا يعني أنّ الهوامش التي بشّرت كلينتون بها بعض حلفاء واشنطن إذا دخلت البيت الأبيض قد سقطت لصالح مواصلة سياسات أوباما، مادام هذا هو طريق البيت الأبيض وتفادي الفضائح التي كادت تقضي على آمالها بالفوز.

في لبنان كان قصر بعبدا على موعد مع نموذج سيصير مألوفاً مع تكريس سياسة الانكفاء الأميركي والسعودي، عن السطوة على السياسة اللبنانية، كما قال المشهد الرئاسي اللبناني يوم ولادته، وكما قالت زيارات التهنئة السورية والإيرانية التي حملها من الرئيسين بشار الأسد وحسن روحاني الوزيران منصور عزام ومحمد جواد ظريف.

الحكومة الجديدة تسير بطريق سلس، وفقاً لمصادر متابعة بعد حسم الحصص السياسية بالذهاب لحكومة ثلاثينية تضمّ جميع القوى، وفقاً لمعادلة لكلّ تمثيل بثلاثة نواب وما دون بوزير واحد، وتتمثل القوى الأخرى نسبياً بأحجامها النيابية، ما أسهم بحلّ عقدة التمثيل المسيحي عموماً، والقواتي خصوصاً، بحيث رست حصة القوات على ثلاثة وزراء بينهم وزير دولة ووزارة خدمات، مقابل حجز الحقيبتين السيادتين المسيحيتين للتيار الوطني الحر، وحسم توزير القوميين والمردة والكتائب والأمير طلال إرسلان على أن يقايض الرئيس سعد الحريري مقعد الوزير السابق فيصل كرامي بمقعد لوزير شيعي من كتلته، أو يعتبره مشتركاً مع حزب الله وحركة أمل، بمثل ما يرغب بتقديم توزير كرامي كحاصل تعاون معهما تمهيداً للتحالف الانتخابي معه، بينما بقيت الحقائب مجرد مسودات متضاربة كما بورصة الأسماء التي لم يحسم منها أكثر من النصف، وفقاً للمصادر ذاتها، ليجري تركيب «البازل» السياسي والطائفي للأسماء والحقائب على مسودات مختلفة يحملها الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية نهاية الأسبوع.

سورية وإيران في بعبدا

منذ اللحظة الأولى لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية توالت سلسلة الاتصالات الهاتفية المهنئة من الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس السوري بشار الأسد الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الى مستشار الإمام السيد علي الخامنئي علي أكبر ولايتي، وتكاملت يوم أمس مفاعيل هذه الاتصالات بحضور مباشر في لبنان لوزير شؤون الرئاسة السورية منصور عزام إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كأول وأرفع مسؤولين من دولتين حليفتين يزوران قصر بعبدا ويباركان للرئيس الجديد.

للزيارتين المنسقتين دلالات سياسية تتعلق بموقع لبنان في صراع المنطقة، وعاطفية تجاه شخص العماد عون، وما يمثله على رأس الدولة في هذه اللحظة الحساسة في تاريخ لبنان والمنطقة وذروة المعركة المحتدمة في الإقليم.

أن يكون أعضاء حلف المقاومة أول الحاضرين إلى أحد عواصم محور المقاومة بعد انتخاب الرئيس إذا اتبع بحضور روسي مؤثر في الأيام المقبلة كما تردّد، يؤكد أنّ انتخاب عون جعل لبنان في موقع استراتيجي أكثر وضوحاً تجاه الصراع في المنطقة وجعل عون محطّ آمال سياسية واستراتيجية في المرحلة المقبلة من قبل الدولتين المعنيتين في الصراع الكبير، ما سيفتح صفحات أكثر اتساعاً في مسار علاقة لبنان الرسمي مع سورية وإيران، إنْ لجهة اصطفاف لبنان في محور العداء لـ«إسرائيل» ورفض التطبيع الذي جنحت إليه معظم الأنظمة العربية، وإنْ في التصدي للإرهاب ومعالجة أزمة النازحين السوريين في لبنان، وإنْ لجهة فتح الآفاق لمرحلة اقتصادية جديدة مع إيران ما بعد توقيع الاتفاق النووي والتعاون في ملف استخراج النفط وغيره.

الموفد السوري: صفحة علاقتنا مستمرّة

وقد نقل مبعوث الرئيس السوري منصور عزام رسالة تهنئة من الرئيس الأسد إلى الرئيس عون في حضور السفير علي عبد الكريم علي، ولفت عزام رداً على سؤال إلى أنه «لم تكن هناك صفحة قديمة في العلاقات اللبنانية – السورية كي تكون هناك صفحة جديدة. هي صفحة مستمرة في علاقات متواصلة ومتوازنة. والعنوان الرئيس لها المصلحة المشتركة للبلدين والأمن والاستقرار. وما دام لدينا عدو واحد هو «إسرائيل» والإرهاب، فنحن مشتركون تماماً في تحديد هذا العدو، وهذا هو المطلب النهائي لاستقرار بلدينا». وعما إذا كانت سورية ستهنّئ الرئيس الحريري على توليه رئاسة الحكومة، قال: «عندما يتمّ تشكيل الحكومة اللبنانية، سيكون كلّ شيء في حينه».

أما الوزير الإيراني الذي يشارك اليوم في المؤتمر الاقتصادي الذي سيعقد في بيروت، فقد أكد من بعبدا «حرص بلاده على توثيق عرى التعاون مع لبنان»، منوّهاً «بما ورد في خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس عون يوم تسلّمه سلطاته الدستورية».

في المقابل حمّل عون ظريف تحياته إلى السيد خامنئي والرئيس روحاني، مؤكداً «أهمية تعاون الدول لمحاربة الإرهاب»، مشيراً الى أنّ «لبنان ماضٍ في مواجهته للتنظيمات الإرهابية التي اعتدت على أرضه وشعبه».

وتمّ خلال اللقاء التداول في المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وفي الوضع في سورية، حيث أكد الرئيس عون أن «لا بديل عن الحلّ السياسي في سورية الذي من شأنه أن يعيد الاستقرار الى المنطقة ويضع حداً لمأساة النازحين السوريين في لبنان».

ويلتقي الوزير ظريف اليوم الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، كما يزور رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام في المصيطبة، ثم رئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ «البناء» أنّ «زيارة ظريف إلى الحريري اليوم تؤكد أنّ إيران حريصة على مخاطبة الخصوصيات اللبنانية وإخراجها من معادلة النزاع ربطاً بالعناوين الخارجية، كما أنّ الزيارة هي بداية تجسير أعمق نحو العلاقة مع الحريري، لكنها تحتاج الى مزيد من الوقت لكي تتوضح».

ورفضت مصادر قيادية في تيار المستقبل تحميل زيارة ظريف إلى لبنان أكثر مما تحتمل، معتبرة أنها زيارة بروتوكولية لتهنئة رئيس الجمهورية، أما زيارته المرتقبة للرئيس الحريري فهي بروتوكولية أيضاً كرئيس مكلف تشكيل الحكومة ولا تحمل أبعاداً سياسية، لكنها أشارت لـ«البناء» الى «إيجابيات للزيارة من الناحية الاقتصادية»، مرحبة بإيران إذا أرادت الاستثمار في لبنان، ومن الطبيعي حينها أن يلتقي الوزير الإيراني بالحريري، حيث سيكون فريق عمله على رأس الإدارة الاقتصادية في لبنان.

وعن زيارة الموفد السوري الى بعبدا رأت مصادر «المستقبل» أنها إحراج لرئيس الجمهورية، لكن عون هو رئيس الجمهورية وأدرى بتحديد طبيعة الزيارات الخارجية.

علاقة حزب الله و«المستقبل»؟

إلى ذلك، لفتت المصادر نفسها أنّ «رسائل الغزل السياسي بين حزب الله وتيار المستقبل خلال جلسة المشاورات لم تكن الأولى من نوعها، بل هناك حوار قائم منذ أكثر من سنة بين الفريقين برعاية الرئيس بري في المجلس النيابي ولا يمكن استنتاج أبعاد سياسية وبناء نظريات على كلمات ملاطفة من الحريري باتجاه السيد نصرالله، لكن انتخاب رئيس وفتح صفحة جديدة بين جميع الأطراف والانطلاق الى مرحلة جديدة عنوانها حلّ الأزمات في لبنان وبناء المؤسسات وتعزيز منطق الدولة لا يلغي أنّ تيار المستقبل والدولة اللبنانية يجب أن يغضا النظر عن تدخل حزب الله في سورية وأنّ خروجه من سورية وجعل السلاح في إمرة الدولة هو الذي يحقق الاستقرار».

بينما قالت مصادر في 8 آذار لـ «البناء» أنّ «العلاقة بين حزب الله والمستقبل تتجه نحو الإيجابية وتفرضها التطورات والمستجدات»، متوقعة أن تنعكس هذه الإيجابية سرعة في تأليف الحكومة التي قد تولد بين عيدي الاستقلال والميلاد.

وكان ظريف قد التقى وزير الخارجية جبران باسيل في قصر بسترس وعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً، أكد باسيل خلاله «أننا معنيون سوياً بمواجهة الإرهاب الذي يتغلغل في المنطقة، كذلك تربطنا علاقات سياسية تترجم في المحافل الدولية، حيث نتبادل الدعم السياسي»، وأشار الى أنّ «لبنان وإيران يواجهان الخطر الإسرائيلي العنصري والخطر الداعشي».

بينما أكد ظريف أننا نواجه تحديات مشتركة، ونحن نعتقد أنّ الخطر الذي يمثله الكيان الصهيوني هو خطر يستهدف كلّ شعوب المنطقة والعالم.

وتابع: «إضافة إلى التحديات المشتركة التي تجمعنا، نحن نعتقد أنّ هناك آفاقاً واسعة من المصالح لا سيما على مستوى العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري».

… والسفراء الخليجيون يعودون

على صعيد آخر، برز اللقاء بين الرئيس الحريري وسفراء دول مجلس التعاون الخليجي كأول لقاء بعد الموقف التصعيدي الذي اتخذوه ضدّ لبنان على خلفية موقفه من حرب اليمن ومن التباين السعودي ـ الإيراني في المؤتمرات العربية والإسلامية، وأكد الحريري بعد اللقاء أنّ «تولي العماد عون سدة رئاسة الجمهورية والحكومة الجاري تشكيلها يمثلان فرصة لتجديد التأكيد على هوية لبنان العربية ولإعادة الزخم والحرارة لعلاقات لبنان بأشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي».

من جهته، أكد سفير الكويت عبد العال القناعي، «وقوف دولنا قاطبة الى جانب لبنان الشقيق في كلّ ما من شأنه أن يؤدّي إلى ازدهاره وتقدّمه وأمنه واستقراره».

وقال مصدر دبلوماسي سابق لـ «البناء» إنّ «التوافق الدولي والإقليمي على حماية الاستقرار في لبنان موجود منذ اندلاع الحرب السورية، رغم الأحداث الأمنية التي حصلت لأن لا مصلحة لأيّ طرف خارجي بعودة الحرب والفوضى الى لبنان». ولفت المصدر إلى أهمية زيارة ظريف لبنان، معتبراً أنّ هدفها «إظهار أنّ إيران مهتمة بالاستقرار في لبنان وأنها تبارك الاتفاق الذي حصل بين اللبنانيين على انتخاب رئيس، والذي بدوره يثبت هذا الاستقرار فضلاً عن رسائل تريد إيران إيصالها بأنّ انتخاب عون رئيساً يشكل ربحاً سياسياً لحليفها حزب الله».

ولفت الى أنّ «تضمين برناج لقاءات ظريف زيارة الى الحريري تأكيد على أنّ إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية وتريد فتح صفحة جديدة مع الأطراف حتى التي تعتبر نفسها خصماً لإيران»، موضحاً أنّ «الاستقرار في لبنان نقطة تقاطع للمصالح الإيرانية السعودية، وبيّن أنّ المواقف التصعيدية للمملكة العربية السعودية ضدّ لبنان في الآونة الأخيرة لم تكن لصالح السعودية واكشتفت لاحقاً أنها سياسة خاطئة، لذلك عادت الآن لتعدّل سياستها بعد التسوية الرئاسية واستلحقت نفسها بزيارة للوزير السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان الى لبنان».

ويرى المصدر أنّ «سفراء دول الخليج يحاولون من خلال زيارتهم للرئيس المكلف إظهار أنهم موجودون على الساحة اللبنانية ويدعمون استقرار لبنان السياسي والاقتصادي ويرون أنّ التسوية الرئاسية فرصة لتوظيف أموالهم واستثماراتهم في لبنان».

وأكد الدبلوماسي السابق أنّ «هناك اتفاقاً غير معلن بين السعودية وإيران على فصل الملف اللبناني عن الملفات الخلافية في المنطقة، لكن لا يعني ذلك الاتفاق بينهما على الملفات الأخرى، فالخلاف مستمرّ في اليمن وسورية والعراق، كما أنّ التقارب الإيراني السعودي له شروطه الأبعد من الاتفاق على الاستقرار في لبنان، بل يتعلق بترتيبات واتفاقات على ملفات المنطقة، تدخل فيها الولايات المتحدة، لا سيما أمن الخليج والنفط والنفوذ في المنطقة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى