الوقت الضائع… والمسرحية الانتخابية
د. سلوى الخليل الأمين
نتباهى بوطننا الجميل لبنان المزيّن بالشعارات الرنانة عبر العصور، فهو بلد الحب والجمال والعشق الإلهي، إذ حباه الله بطبيعة خلابة، وغنى في الثقافة والفكر، وأبدع على مر التاريخ فنانين وكتاباً وشعراء عظاماً حلقت يراعاتهم عبر العالم العربي والغربي، حاملة هذا الوطن الصغير إلى المساحات العالمية العريضة. إبداعات متنقلة مزهوّة بنبضات العقول، رفعته إلى مراقي اللمعات السماوية التي تشع ضياء ونهضة مشرقة عبر كل الزمن المتبدل والمتغير باستمرار، لذا أطلق عليه الوصف المكتمل بعبارات : لبنان وطن الإشعاع والنور.
أين نحن اليوم من النور والإشعاع في ظل حكم يترجرج يمنة ويسرة، ويحدق إلى مرايا المسارات المتقلبة على الدوام، إذ لا يجد له ممراً أو مستقراً، في حين نرى أبناءه صماً بكماً لا يدرون ماذا يفعلون، فإراداتهم وضعت في صقيع ثلاجات صنعت خارج لبنان، لذا هم الصامتون دائماً وأبداً، المتفرّجون على مسارات الانتخابات الوهمية التي تطلق باسمهم، وتوقع عنهم، وتعيّن وكلاء في مجلس النواب لا يمثلون الشعب المسكين الذي يستغبوه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد والتمديد، حتى إذا حدث ما ينذر بأخطار الدروب، تذرعوا بالمعوقات المستجدة، فمدّدوا لأنفسهم من دون سؤاله رأيه!
نحن اليوم في ظلال هجمة لا تحمد عقباها على مقام رئاسة الجمهورية لاختيار رئيس جديد للبلاد ما زال اسمه طي الكتمان، حتى يقضي الآخرون أمراً كان فاعلاً أو مفعولا. ساعتئذ يشعل الضوء الأخضر الذي يسمح بمرور الإسم المتفق عليه خارجياً، ويعلن للجميع صاحب الحظ السعيد الذي سيكون رئيس جمهورية لبنان المقبل! إلاّ إذا حدث ما لم يكن في الحسبان من حسابات التضادّ بين الأفرقاء المتناحرين داخلياً وخارجياً، ساعتئذ يكون الفراغ الرئاسي سيّد الموقف!
هنا تتجلّى عملية الديموقراطية الزائفة التي يرسمها نواب الأمة في أذهان الناس، حيث يتم تركيز الصورة على النحو المطلوب، وإظهارها في عملية انتخابات مكشوفة المضامين والمعايير، بات الشعب برمته لا يصدق مجرياتها، المخوّلة زوراً وبهتاناً اختيار من هو صالح لقيادة السفينة التي بدأت في الغرق!
السؤال المهم الذي يجول في الأذهان، والذي هو مدار بحث ولغط بين الناس واللغط بجميع اتجاهاتهم وارتباطاتهم الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية التي اختلطت مفاهيمها بالضغوط المعيشية المضنية التي يئن منها المواطن، والتي لم يحسن المسؤولون إدارتها وإيجاد الحلول الوطنية الصائبة لها. كيف للمواطن الاستمرار في وطن أصبح مواطنوه تحت خط الفقر الأدنى، إذ باتت سائر القطاعات الشعبية في الشارع تطالب بإعتاقها من حيتان المال وجهابذة الإقطاع السياسي والاقتصادي، الذين يأكلون تعب الفقير والموظف والعامل، ويفرغون الوطن من قدراته الشبابية عبر خطط مركزة ومحضرة سلفاً غايتها خطف الوطن من أبنائه الخلص الأوفياء، بهدف إغراقه في الجحيم من خلال توجهات خارجية واضحة وصريحة لا تنظر إلى مصالح الناس وطرائق عيشهم بل إلى المواقع السياسية المطرزة باتجاهات ومعايير مختلفة، هدفها الأوحد تنفيذ الخطط الآتية من خلف الحدود، بلا أي اعتبار لمصالح الناس وطرائق عيشهم، رغم أن الناس هم الشعب الذي يمثل الوطن والأرض والسيادة والكرامة والحرية، وهذا الأمر يدركه المسؤول حتماً، فالشعب في النظم الديموقراطية هو مصدر السلطات.
لكن أين الشعب اللبناني مما يحصل اليوم على الساحة اللبنانية، فالترشيحات لمقام رئاسة الجمهورية قائمة على قدم وساق! كل فريق يعلن أن لديه مرشحاً، ومن لديه الطموح اللامعقول يقدم ترشيحه بغض النظر عن تاريخ مظلم لا يقبل به العديد من اللبنانيين، إضافة إلى كتل نيابية تتبنى مرشح في العلن، وفي السر تطعن في الظهر. أضف إلى ذلك المرشحون الدائمون الذين تطرح أسماؤهم بشكل دائم إظهاراً لتحريك اللعبة الديموقراطية الخفية والضبابية في الوقت نفسه. هذه المسرحيات الهزلية في الوقت الضائع يسخر منها معظم المواطنين الذين على يقين من أن كلمة السر تأتي من خلف الحدود، وأن ما يدور في كواليس السياسيين ليس سوى بازارات تهدف إلى تأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم بالتي هي أحسن.
يبقى الشعب في ساحات طرابلس والبقاع في المنقلب الآخر، ففي طرابلس زجّوه في حرب «داعش والغبراء»، مستغلين الفقر المدقع الذي حوّل الشبّان إلى عصابات إرهابية تكفيرية، وبلحظة فتية انتهى سريان الدم السابح في الحارات كافة، ودارت القبل بين الناس العزل الأبرياء، ودخل الجيش مظفراً، وهرب أركان المحاور تحت نظر اللبنانيين بمختلف فئاتهم وتطلعاتهم وإنتماءتهم، الذين أصبحوا على بيّنة من تلك المسرحية المركبة، المحّركة بأصابع بهلوانية خفية، ترسم مسارات الدروب في ليالي الغفلة، بغض النظر عن استفتاء إرادتهم حول من يستحق مركز الرئاسة، التي يجب أن يكون مستحقها عالماً بأحوال الناس وفقرهم، وممتلكاً الإرادة الصلبة لبناء وطن قوي بمثقفيه وفنانيه وموظفيه الأكفاء واقتصادييه الأنقياء وإعلامييه الأحرار ونوابه المستحقين وكالة الناس، كي لا يدفع هذا الوطن في الوقت الضائع… الثمن الصعب.