«غضب الفرات» وقود فوز كلينتون!؟
نظام مارديني
لا يمكن قراءة إطلاق «غضب الفرات» لتحرير الرقة بعيداً عن بازار الانتخابات الأميركية التي ختمت فصولها التراجيدية أمس، بفوز هيلاري كلينتون لما لهذه المعركة الإعلامية من أهمية استراتيجية للحزب الديمقراطي، على الصعد المحلية والإقليمية والدولية.
حظي الإعلان عن معركة الرقة بتأييد عواصم القرار الدولية والإقليمية، وتذمّر تركيا التي كانت تسعى ليكون لها دور في هذه المعركة التي تتنافس اليوم على كسب مناطق سيطرة «داعش» من الموصل إلى حلب والرقة وحتى «الباب» بالقرب من الحدود التركية. فقوات التحالف التابعة لواشنطن تريد كسب أراضٍ على ضفتي الحدود السورية العراقية، والكرد يتمدّدون في شمال العراق وريف الرقة، في حين تسعى واشنطن لإحراز نصر في الموصل، ضاغطة على بغداد لتحجيم دور الحشد الشعبي في تحريرها، ولو بغضّ الطرف عن الدور التركي المتأرجح بين رفض بغداد وتأييد أربيل!
المسألة أن الإدارة الأميركية تتعامل معنا وكأننا بلا ذاكرة. وهي تواصل حملاتها الإعلامية والعسكرية في أكثر من منطقة، في سورية والعراق، على خلفية تقليعة جديدة من الأكاذيب المفضوحة.
تدرك واشنطن أن تحرير الرقة لا يمكن تحقيقه بقوات محلية لا يتجاوز تعدادها عشرة آلاف عنصر رغم الإعلان عن مشاركة 30 ألف مقاتل ، فهل يُراد من «قوات سوريا الديمقراطية» التي قوامها مقاتلين أكراد، ان تكون وقودها لتحقيق أهداف أميركية منها ترتيب العلاقة مع أنقرة ومنع أي مواجهة بين «درع الفرات» و«قوات سوريا الديمقراطية»؟
أيضاً كيف يُراد تحرير الرقة من تنظيم «داعش»، وهو مدعوم جيداً من الولايات المتحدة وحلفائها، كما كتركيا التي غزت الأراضي السورية والعراقية بحجة محاربة هذا التنظيم الإرهابي، بينما يعيش في جلباب السلطان أردوغان؟
كيف استطاعت واشنطن التوفيق بين وجود أكراد كعمود فقري في «قوات سوريا الديمقراطية»، وبين إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس، أن «وحدات الحماية الشعبية الكردية» لن تشارك في عملية تحرير الرقة! وقد جاء هذا التصريح عشية اللقاء الذي جمع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، جوزف دانفورد، ونظيره التركي، خلوصي أكار، في أنقرة.
نقاط عديدة يمكن اختصارها من خلال الإعلان الأميركي عن معركة تحرير الرقة، وهي:
أولاً، رسالة إلى الداخل الأميركي عشية الانتخابات الرئاسية والتي يُراد منها أن عهد الرئيس باراك أوباما الديمقراطي ، حقق نصراً على الإرهاب، وتجيير هذا النصر إلى المرشحة الديمقراطية كلينتون.
ثانياً، الضغط على الدولة السورية من خلال القول إن لحلفائها دوراً في مستقبل سورية، ولذلك تأتي معركة الرقة كتمهيد لتقسيمات حقيقية جغرافياً وعرقياً وطائفياً، تأكيداً لعمليات الميدان التي تشهد عمليات تقسيم غير عادية. وواشنطن مصمّمة على التدخّل في التركيبات الإثنية والطائفية في كل من سورية والعراق.
ثالثاً، السماح لعناصر «داعش» بالانسحاب من ريف الرقة والتجمّع قرب مطار دير الزور في مواجهة الجيش السوري.
رابعاً، إن بقاء «داعش» أكثر من ضروري، أميركياً، في الوقت الحاضر رغم المعلومات التي تتحدث عن «اهتزازات بنيوية» داخل التنظيم بعد إطلاق معركة الموصل.
الكل يُقرّ بأن معركة الرقة، ستكون معقدة جداً، لأن تحرير المدينة يعني بداية النهاية على مستوى الديناميكية العسكرية، والى حد كبير على مستوى الديناميكية الايديولوجية، ولا أحد، غير الجيش السوري، يمتلك أي رؤية لكيفية إدارة تلك العمليات المعقدة، وإن كان هناك مَن لا يزال يرى أن زوال «داعش» في الظروف الهشة، والضائعة، التي تعيشها المنطقة، قد يفضي الى نشوء ظواهر أكثر جنوناً وأكثر همجية!