أميركا ستتغيّر بعد الانتخابات
ناصر قنديل
– أياً كان الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو على الأرجح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، عبر فارق ضئيل في المجمع الانتخابي لمندوبي الولايات، أو عبر انتقال التصويت إلى مجلس النواب بسبب عجز أيّ من المرشحين عن نيل الأغلبية المطلقة لأصوات المندوبين، حيث سيختلط نابل الحزبين بحابلهما، ويمنح المجلس بأغلبيته من النواب الجمهوريين الفوز للمرشحة الديمقراطية، فإنّ أميركا جديدة ستكون بعد الانتخابات الرئاسية هذه المرة.
– فوز كلينتون سيعني فوز نموذج الرئيس الذي لا يراه الحزب الديمقراطي شبيهاً به، فهي مثال للفساد السياسي والطبقة التقليدية لمحامي الشركات والتعيّش على المال السياسي والخليجي خصوصاً، وسيكون أضعف العهود الديمقراطية حيث لا خيارات ولا فرص لانتعاش ونمو اقتصادي بحماية وتوسيع فرص بسبب التملق للرساميل وكبريات الشركات، ولا انطلاق للرساميل بسبب القلق من الطبيعة الديمقراطية للعهد وعدم الثقة بالتطمينات. وفي السياسة الخارجية لا فرص لحروب، فقد المجتمع الأهلية لها وفقد الجيش القدرة عليها، ولا صناعة تسويات حيث المتطرفون من الحلفاء يتولون إمساك قرار البيت الأبيض بالرشى، فلا مبادرات تلجم تطرفهم، وحيث الخصوم لا يثقون بالرئيس الأميركي ويتفادون مدّ اليد لملاقاته في منتصف الطريق، فتقول الحروب كلمتها موضعياً، وتفرض التسويات حصادها في الميدان.
– ترث كلينتون عهد رئيس ديمقراطي مثقف وسياسي وفصيح وصاحب كاريسما ويمتلك شجاعة الإقدام على التسويات، والقدرة على امتلاك ثقة الخصوم ومقاومة ضغوط الحلفاء المتطرفين، في زمن تكسر رماح القدرة على صناعة الحرب، وفي حزب هو بالأصل حزب السياسة وليس حزب الحرب، فالرئيس باراك أوباما سيخيّم بظلاله على عهد كلينتون ككابوس مقيم، تُقاس مواقفها وخطاباتها وسياساتها بما فعل وما قال، وستكون كلينتون فرصة أوباما للحصول على إنصاف لم يحظَ به وهو في الرئاسة بسبب المزايدات، وسيكتشف الديمقراطيون حقيقة أنهم جاؤوا برئيس جمهوري بثوب حزبهم، دون أن يمنح الحزب الجمهوري دعمه لهذا الرئيس بل يجهد لتدفيع الحزب الديمقراطي فواتير فشل الرئيس المحسوب من جلدتهم.
– في حال فوز دونالد ترامب ستكون أميركا على موعد رؤية بشاعتها الحقيقية بلا ماكياج وهي تخرج من غرفة النوم، حيث الخطاب الفجّ والفظ ليس غريباً ولا هو اللامألوف. هو الخطاب الشعبي التقليدي للأميركيبن البيض، الذي يصلح لفشة الخلق والتندّر، لكنه لا يصلح لقيادة الدولة، وسيكون معه الأميركيون على موعد الفوضى العارمة في السياستين الداخلية والخارجية، وحيث يطرب صوت ترامب قواعد جمهورية مهووسة بالتطرف، ستصاب نخب الحزب بالدهشة والذهول والخجل، أما في السياسة الخارجية، حيث لا حروب بالتأكيد، فسيحبط الجمهوريون الذين سيرون رئيساً مسالماً قياساً بما تعوّدوا برؤساء من صلب حزبهم، ولا يمحض الديمقراطيون تأييدهم لأنهم سيرون غول المال يلتهم وجبات طعامهم في مؤسسات الإعانة الاجتماعية للمهمّشين والعاطلين عن العمل، ويرون اضمحلال الطبقة الوسطى التي تشكل العمود الفقري لقوة حزبهم ووجودهم، وسيشهد الأميركيون بحزبيهما انفلات العصبيات العنصرية، أعراقاً وديانات وولايات، دون ضوابط، وخروج ما كان يتسلّى به الجمهوريون بخجل في بيوتهم ليصير سياسة رسمية تهدّد وحدة البلاد، بينما سيجد الديمقراطيون أنهم أمام خطر نزوح البيض من حزبهم إلى بلاط الرئيس الجمهوري، ويشهدون تفكك الولايات التي كانت تدين لهم بالولاء، وهي الولايات المختلطة دينياً وعرقياً وتعرّض تماسكها للاهتزاز، وبالتالي إصابة قاعدتهم الحزبية بارتجاج في المخّ، وفقدان للذاكرة الجمعية.
– سيحكم باراك أوباما العهد الجديد بصفته ظلّ رئيس أميركي يكتب معه نهاية عهد الرؤساء الكبار، ويكتب له ربما أنه آخر رؤساء أميركا القوية الموحّدة، وستتصدّر السياسة الداخلية الاهتمام، ليس للعجز عن إحداث فارق في السياسة الخارجية وحسب، بل لظهور كلّ الأمراض الأميركية الكامنة إلى السطح دفعة واحدة، وصولاً لخروج الأحزاب من جلدها بوجه رئيسها، فبرني ساندرز النموذج الذي يشبه الديمقراطيين خان آمالهم بالانسحاب لحساب كلينتون، وفقد صدقية المناضل، وأخلاقية الفارس، وسقطت معه قيمة ثقافته وفصاحته وفقدت الكلمات مفعولها، وترك الحزب وراءه للتفكك بلا أمل، بينما كلٌّ من جيب بوش وتيد كروز النموذج الجمهوري الذي يشبه حزبه، فقد بدا واحدهما كقزم يواجه عملاقاً قادراً على اجتياحه، في منازلاته مع ترامب، ففقد الجمهوريون خليفة تقود حزبهم من الفوضى التي سيحدثها ترامب، وهكذا ستصعد قضايا العنصرية، والتنابذ الوطني، وميل الولايات الغنية للاستقلال، والتصدّع الطبقي، والمواجهات النقابية، والإفلاسات المالية، وفضائح الاختلاس والرشى، وانهيارات البورصة.
– أميركا على موعد مع التاريخ، وانتخاباتها الرئاسية يوم فاصل في حياتها بين مرحلتين: الأمة العظيمة والدولة العظمى، إلى الأمة المأزومة والدولة الأزمة، بفوز كلينتون أو ترامب سيكون ثمّة فائز واحد اسمه باراك أوباما ليخلده الأميركيون كآخر رؤساء أمتهم العظيمة ودولتهم العظمى.