فوز ترامب… انتصار لليمين فهل يتعظ العرب؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
انتهت الانتخابات الأميركية الأكثر ابتذالاً ونشراً للفضائح والمؤامرات والغسيل الوسخ، بفوز المرشح الجمهوري الملياردير دونالد ترامب، الذي وصفه الإعلام الأميركي بالإنسان السفيه، لكي يصبح السفيه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. وقبل الحديث عن ترامب وبرامجه وسياساته الداخلية والخارجية، لا بدّ من القول أنّ سياسة الولايات المتحدة الأميركية، منذ تسيّدها للعالم، قائمة على نشر الفتن والحروب بين البلدان العربية وبين أبناء الشعب الواحد، من أجل تفكيك نسيجه المجتمعي وتدميره بيد أبنائه. والسياسة الأميركية، تقوم على أساس مصلحة أميركا أولاً ولو على حساب أمن واستقرار دول أخرى. وأميركا، كما عبّر قادتها أكثر من مرة وآخرهم أوباما، بأن ليس لها صداقات دائمة، بل مصالح دائمة في المنطقة.
ولعله من المفيد وضع القارئ في حقائق الأمور، بأنّ من يصنع السياسة الأميركية ليس الرئيس، بل «الكونغرس» و«البنتاغون» ومراكز البحث الاستراتيجي. ومن يتحكم في مفاصل الحكم الرئيسية، هي الكارتيلات الاحتكارية العسكرية والمالية. والرئيس هو أداة تنفيذية بيد تلك الكارتيلات الاحتكارية المسيطرة على السياسة والاقتصاد والإعلام والتجارة والمؤسسات المالية والمصرفية.
فوز ترامب، ليس بالمفاجئ أو الخارق للتوقعات، فهذا الرجل عزف على الوتر الحساس للمجتمع الأميركي، الذي ضاق ذرعاً بسياسة أوباما والديمقراطيين، في دعمها ووقوفها الى جانب قوى التطرف والإسلام السياسي، على حساب رفاهية المواطن الأميركي ونموّه الاقتصادي وبرنامج ترامب الأكثر «شوفينية» وتعصّباً لـ«الأميركي الأبيض»، كما إنه الأكثر عنصرية ضدّ المهاجرين من الملوّنين والعرب والمسلمين أو المتأسلمين.
فوزه، سيشكل كابوساً وإرباكاً لحلفاء أميركا من دول الخليج العربي، على وجه التحديد، التي أغدقت أموال التبرّعات بملايين الدولارات على صناديق مرتبطة بالمرشحة كلينتون، لكي تفوز في الانتخابات. ويشكل فوزها ضمانة لها بهذه الرشاوى المالية، بعدم تغيير سياساتها تجاه الخليج وسورية والعراق واليمن، لأنّ منافسها الجمهوري ترامب، ضدّ قوى الإسلام السياسي وضدّ «داعش» وقوى التطرف ويدعو إلى ضربها بقوة!
أما بالنسبة لنا كفلسطينيين، فلن يكون هناك تغيير استراتيجي في السياسة الخارجية الأميركية، فترامب على الرغم من تطرفه وفهلويته، فهو سيكشف عن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية، من دون مكياج ولا رتوش وأوهام الجزر، تلك الأوهام التي عاش عليها العرب والفلسطينيون، حيث أنّ تطبيلهم وتزميرهم وترويجهم لأوباما، وصل حدّ القناعة بأنّ السياسة الأميركية وصلت لحظة التغيير الإستراتيجي مع «إسرائيل» وبأنّ «الخليفة» أوباما يتجه لرسم علاقات استراتيجية مع العالم العربي والإسلامي وسيمنح الفلسطينيين دولة على «حدود الرابع من حزيران1967»، لكي نكتشف بأنّ ذلك لم يكن أكثر من شعارات رنانة واسطوانة مشروخة وحمل كاذب. وليتمخض الجبل، في النهاية، ويلد أقلّ من فأر، فقد انتهت الولايتان الأولى والثانية لأوباما، دون أن يحقق وعده بإقامة الدولة الفلسطينية، حيث وجدنا الأمور انتهت لكي يكون أوباما أكثر الرؤساء الأميركيين ولاء ودعماً لـ«إسرائيل» وتنكّراً للحقوق الفلسطينية، حتى أنه كان أكثر تطرفاً من «الإسرائيليين» أنفسهم.
فوز ترامب إذاً، هو نتاج لتحوّلات على المستوى العالمي منذ فترة، حيث صعدت قوى اليمين في أكثر من بلد ودولة، كارتدادات على ما يحدث في المنطقة العربية والإقليم، حيث قوى التطرف والإرهاب والهجرات الواسعة من تلك البلدان لدول أوروبا وأميركا وما يتركه ذلك من تأثيرات على واقعها الاقتصادي والاجتماعي وأمنها واستقرارها ونسيجها المجتمعي، دفع بها نحو هذه النزعات والانكفاء على الذات.
ونحن لسنوات خلت، كنا نعتقد بأنّ قوى اليسار في صعود كبير، تسجل انتصارات كبرى على صعيد أوروبا ودول أميركا اللاتينية، لكن لاحظنا منذ فترة، بأنّ هناك انقلابات كبرى بفضل الرأسمالية المتعولمة والمتوحشة وسطوتها ونفوذها، قادت إلى تراجع وسقوط أنظمة يسارية في أكثر من بلد ودولة، لكي يأتي انتصار ترامب في الانتخابات الأميركية، ليدشن عصر قوى اليمين والتطرف، هذا اليمين المتطرف الذي يقود دولة الاحتلال «الإسرائيلي». وكذلك، هذا اليمين، هو من صوّت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي سيقودها نحو المزيد من الانكفاء والتفكك.
بانتصار ترامب في أميركا، سيتصاعد ويتقوّى حلف اليمين، تيريزا ماي في بريطانيا وربما مارين لوبان في فرنسا وستنضمّ إليهم مروحة واسعة من القوى المحسوبة على هذا التيار، في العديد من الدول مثل هولندا والدنمارك وبولندا وغيرها.
على الصعيد الداخلي، سيعمل ترامب على تعزيز وتقوية الإقتصاد الأميركي وتوفير نوع من العدالة الاجتماعية للطبقات الشعبية. وربما سياساته ستقود الى تفكك الطبقة الوسطى، التي تشكل عصب الحزب الديمقراطي. وكذلك، ستشهد الولايات المتحدة حالة من تصاعد قضايا العنصرية والتنابذ الوطني وميل الولايات الغنية للاستقلال والتصدّع الطبقي والمواجهات النقابية والإفلاسات المالية وفضائح الاختلاس والرشى وانهيارات البورصة.
وعلى الصعيد الخارجي، سنشهد بداية تراجع أميركي نحو الانكفاء الداخلي، دون أن يعني ذلك تخلي أميركا عن مصالحها ونفوذها في المنطقة. لكنها لن تقف إلى جانب قوى الإسلام السياسي والتطرف، فهي ترى بانّ تلك القوى والحركات، تشكل خطراً على نقاء مجتمعاتها وعلى أمنها واستقرارها مستقبلاً. ولذلك، فالعلاقات الأميركية مع حلفائها التقليديين من عربان الخليج، ستصاب بشرخ ليس بالبسيط. وربما هذا سيوقف الاندفاعات الخليجية والتركية نحو مواصلة دعمها وتمويلها وتسليحها للجماعات الإرهابية والتكفيرية، في سورية والعراق ومواصلة حرب ما يسمّى بـ «التحالف» العربي ضد اليمن.
لكن على الصعيد الفلسطيني، سنرى مواقف أميركية أكثر سفوراً ووقاحة، تجاه حقوق شعبنا وقضيتنا وأكثر دعماً ومساندة لـ«إسرائيل»، في كلّ ما تقوم به من إجراءات وممارسات قمعية وإذلالية وعنصرية بحق شعبنا الفلسطيني، من عقوبات جماعية وتطهير عرقي و«تغوّل و«توحش» استيطاني ورفض لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
طبعاً لن تشهد السياسة الخارجية الأميركية انعطافة حادة، فقد شهدنا كيف جرى احتلال العراق في عهد بوش الإبن. وعندما خلفه كلينتون، لم نلحظ تغيّراً استراتيجياً في السياسة الأميركية، فالحزبان متفقان على أنّ مصالح أميركا اولاً، وأن لا صداقات دائمة لأميركا في المنطقة، بل مصالح دائمة. ولذلك، علينا أن نستيقظ من الوهم عرباً وفلسطينيين وألا نستمرّ في سياسة وعقدة «الإرتعاش» السياسي المستديمة في التعامل مع أميركا، بل علينا ان نستعيد عناصر قوتنا ونتجاوز خلافاتنا ونوحد صفوفنا. وكفلسطينيين، علينا أن ننهي انقسامنا ونستعيد وحدتنا الوطنية ونرسم استراتيجيتنا الموحدة، وفق برنامج كفاحي ونضالي مشترك، يمكننا من الصمود والمقاومة. وكعرب، يجب علينا أن ننبذ عوامل فرقتنا واحترابنا المذهبي والطائفي، لكي نستطيع مواجهة ما يُحاك ضدّ أمتنا من مشاريع تآمرية علينا، تستهدفنا كجغرافيا وثروات وجيوش وأنظمة حكم وهوية.
Quds.45 gmail.com