ترامب رئيساً لأميركا… ما التداعيات على المنطقة؟
العميد د. أمين محمد حطيط
في تحليل استراتيجي أجريناه لمسار المعركة الانتخابية الأميركية توصّلنا قبل يومين من إجرائها إلى ترجيح فوز ترامب الجمهوري على كلينتون الديمقراطية، والآن صدق توقعنا وأصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة القوة العسكرية الأكبر في هذا العالم، والقوة الكونية الأولى التي طمح صنّاع القرار فيها من جمهوريين وديمقراطيين وخلال ربع قرن مضى، طمحوا إلى إقامة نظام عالمي أحادي القطبية يكرّس أميركا قائدة حاكمة منفردة للعالم كله دون منازع.
لقد اعتمدت أميركا في ظلّ الجمهوريين استراتيجية القوة الصلبة التي ترجمتها حروباً أربعاً في منطقة الشرق الأوسط حصدت مئات الآلاف من القتلى والمصابين وأهدرت بلايين الدولارات خسائر نتيجة التدمير الذي حلّ بالدول التي استهدفها الحريق الأميركي للمنطقة، ولكن رغم كلّ ذلك لم تتوصّل أميركا إلى إرساء نظامها الأحادي بالقوة، فانقلبت الى استراتيجية القوة الناعمة التي وضعتها موضع الممارسة العملية والتطبيق الميداني لما يقارب العقد من الزمن وأنتجت عبرها الفتن والقتل والدمار والتشريد في أكثر من دولة من الدول العربية، ولكنها عجزت في نهاية المطاف عن تحقيق أهداف عدوانها وتلاقت استراتيجية القوة الناعمة الذكية مع استراتيجية القوة الصلبة وبعد ربع قرن من العمل المتتابع بهما، تلاقتا عند نتيجة واحدة هي الإخفاق وعجز أميركا عن حكم العالم منفردة وعجزها عن تثبيت النظام العالمي الأحادي القطبية؟
وفي تحليل موضوعي لسبب العجز يصل الباحث إلى حقيقة يجب أن يجاهر بها، ويرى أنّ المقاومة التي تشكّلت في منطقة الشرق الأوسط كانت هي السبب الرئيس لمنع أميركا من فرض إرادتها، ومهما قيل في المقاومة ووصفها بالإرهاب على لسان هذا أو ذاك، فإنّ المقاومة تبقى مقاومة الشعوب والتعبير عن إرادة هذه الشعوب بالحرية والسيادة والاستقلال، دونما اعتداء على أحد، ولكن دون تقبّل اعتداء أحد، بينما يبقى الإرهاب سلوكاً إجرامياً لا أخلاقياً ولا مشروعاً يتمثل بالعدوان على الحقوق المشروعة للغير تستعمله القوى والكيانات التي لا تملك حقاً مشروعاً في مطلب أو مصلحة. ولذلك اعتمدت أميركا الإرهاب لتواجه به المقاومة في إطار ما أُسمي ربيع أو ثورات مزعومة في البلاد العربية.
وعجز الإرهاب عن إسقاط المقاومة وتمكنت المقاومة من الصمود أولاً ثم الانتقال الى موقع الهجوم وامتلاك زمام المبادرة في الميدان ووضع قطار تحرير سورية والعراق على السكة الآمنة الصحيحة.
في ظلّ هذا الواقع انتخب الأميركيون رئيساً لهم كان ترشحه في البداية بمثابة المزحة، ولكن بعد 18 شهراً أصبح وجوده كرئيس للولايات المتحدة الأميركية حقيقة واقعة يجب التعامل معها والنظر الى تداعياتها على ملفات رئيسة في المنطقة ورثها من سلفه الديمقراطي. وهنا يطرح السؤال الكبير كيف سيتصرف ترامب حيال أهمّ الملفات والقضايا في الشرق الأوسط؟ وهل استعراضاته الانتخابية ستكون هي السياسة التي سيعتمدها ميدانياً وعملياً في السياسة الرسمية الأميركية؟
قبل استعراض أهمّ الملفات نرى أن نذكّر أنّ القرار الأميركي ليس قرار فرد واحد، وأنّ الحكم في أميركا هو حكم مؤسسات رسمية ولوبيات أدوات ضغط سياسية ومالية تبرز كارتلات شركات النفط والسلاح والمال إضافة الى اللوبي اليهودي الصهيوني في طليعتها. وإذا كانت استعراضات ترامب في المهرجانات الانتخابية ثمرة فكره الفردي الأحادي وميوله وغرائزه الشخصية فإنّ قراراته وسياساته كرئيس لأميركا لن تكون كذلك، بل ستكون محكومة بعناصر ثلاثة تضاف الى رغباته ونهجه وخياراته، أولها اتجاه المؤسسات المعنية بصنع القرار والثاني اتجاه لوبيات الضغط المتحكمة بقرار الكونغرس والثالث طبيعة الواقع الخارجي والميدان الذي يتحرك به، وهنا وإذا كنا نتحدّث عن أزمات وملفات المنطقة فإنّ على ترامب أن يأخذ بالاعتبار واقع الشرق الأوسط والقوى المتحركة والعاملة فيه.
وبعد هذا التوضيح نستعرض تداعيات رئاسة ترامب على 3 ملفات أساسية في الشرق الأوسط متحرّكة أو مشتعلة الآن كالتالي:
1 ـ الوضع السوري العراقي والعدوان الأميركي الإرهابي على المنطقة.
لو أخذنا ما كان يقول به ترامب في بدء معركته الانتخابية وقارنّاه بما انتهى به المطاف من مواقف لوجدنا تحوّلاً كبيراً وجذرياً في موقف ترامب من الحرب الدائرة على الأرض السورية والعراقية. فقد بدأ ترامب مواقفه بإبداء لوم أوباما على ضعفه وتراخيه في حسم المواجهة في سورية عسكرياً، وأعلن استعداده للقيام باجتياح عسكري شامل لسورية يحاكي اجتياح بوش الجمهوري أيضاً للعراق، ثم انتهى إلى حصر اهتمامه في نقطتين الأولى إقامة مناطق آمنة في سورية، والثانية حرب جدية ضدّ داعش بالتفاهم مع روسيا من دون أن يستبعد الحديث مع الرئيس الأسد أيضاً.
واليوم وقد أصبح ترامب رئيساً نرى أنّ فكرة الاجتياح فكرة ساقطة على أصلها، لأنّ عقدة العراق لما تزل في الذهن الأميركي ماثلة، أما مناطق آمنة فإنها تستلزم حظراً جوياً وقوى عسكرية تحميها والسؤال من أين يكون ذلك؟ وكيف ينفَّذ؟ لأنّ ذلك بحاجة الى قوة عسكرية كافية وملائمة وقبول من المحيط بها. وهو أمر متعذّر دون الاصطدام بسورية ومحور المقاومة وروسيا ايضاً. ولا نعتقد أنّ سياسة الانكفاء الظاهر التي تحكم خيارات ترامب، معطوفة على قدرات معسكر الدفاع عن سورية ستقوده إلى عمل عسكري ومواجهة ميدانية مع هذا المعسكر.
لذلك لا نرى منطقياً أن تبادر أميركا في ظلّ ترامب الى العمل العسكري وقد يكون السعي إلى التفاهم مع روسيا ومحور المقاومة لبلورة مخرج يقود الى الإجهاز على داعش ومثيلاتها هو السلوك الأرجح الذي سيقود خلال العام 2017 الى حلّ سياسي تنتجه الإنجازات العسكرية لمعسكر الدفاع عن سورية من دون أن تبدو أميركا مهزومة فيه.
2 ـ الملف النووي الإيراني ومصيره.
وعد ترامب خلال حملته بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. وهذا ما جعله المرشح المفضل لدى إسرائيل وحمل اللوبي الصهيوني على خوض معركته لإنجاحه، واليوم وقد صار رئيساً فهل يفعلها؟ ومَن سيماشيه؟
يمكن لترامب أن يخرج من اتفاق كان طرفاً فيه مع آخرين شركاء، ولكن هل ترامب قادر على فرض قراره على شركائه في الاتفاق في مجموعة 5+1 ثم هل ترامب قادر على استصدار قرار من مجلس الأمن لإلغاء قرار سابق حول الاتفاق؟
برأينا الجواب لا وإنّ جلّ ما يمكن ترامب فعله هو المماطلة في التنفيذ أو التجميد الظرفي والسعي إلى تفاوض جديد.
وإذا فعل أيّاً مما ذكرنا فإنّ إيران ستكون طليقة اليدين في العودة إلى ما قبل الاتفاق. وهنا ستكون أميركا أمام خيارين العمل العسكري او العودة الى الاتفاق والحلّ السلمي. ولا نتصوّر أنّ العالم عامة واميركا خاصة بهذا الصدد ويتقبّل العمل العسكري او إضاعة الوقت في تفاوض جديد.
لذلك نرى أنّ الموقف من الاتفاق النووي الإيراني لن يكون أسوأ مما كان عليه الموقف مع أوباما، أيّ تجميد ومماطلة وتسويف في التنفيذ، ولن يجد ترامب دولياً من يجاريه في سعيه للإلغاء… وسيرى أنّ العالم تغيّر وأنّ اميركا ليست قائدة العالم بشكل منفرد.
3 ـ القضية الفلسطينية
في هذا الموضوع لا نعتقد أنّ ترامب سيحدث جديداً على السياسات الأميركية السابقة ولن يكون في دعمه لـ إسرائيل وتالياً في عمله ضدّ العرب والفلسطينيين أسوأ ممن سبقوه، كما أننا لا ننتظر منه مطلقاً شيئاً إيجابياً لمصلحة الشعب المشرّد والقضية التي تشكل عاراً على الإنسانية. ولهذا نرى أنّ من يتطلّع الى ترامب ليعطيه شيئاً في فلسطين أو يضغط على إسرائيل لتترك جزئية من حق اغتصبته انما هو واهم. ولا نرى سبيلاً في المجال الفلسطيني إلا المقاومة التي بها وحدها تنتزع الحقوق السليبة وغيرها لا أثر ولا محلّ له.
وفي الخلاصة نقول رغم كلّ ما يتصل بترامب والجدل حول سياساته، فإننا نرى أنّ قوتنا هي التي تفرض سياسات الآخرين وتصرفاتهم حيالنا، فالقوي هو مَن يفرض حقه ويحميه او ينتزعه إنْ اغتصب، ولا أمل للضعيف يراهن عليه في عدالة الآخرين عموماً والأميركيين خصوصاً.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية