لمَ «فُوِّز» ترامب؟
محمد شريف الجيوسي
فاز دولاند ترامب بمنصب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأميركية، التي تعتبر إحدى الدول الأعظم في العالم، رغم تراجع أهميتها الملحوظ في الأعوام الأخيرة وصعود دول أخرى.
لكن ثمة أسئلة تستحق الإجابة، من بينها، هل الرئيس الأميركي هو من يرسم الاستراتيجيات الأميركية، أم أنّ هذه الاستراتيجيات ترسمها وتعمل على رسمها، مؤسسات راسخة عميقة الجذور، كمؤسسات رأس المال واللوبي الصهيوني والحركة الماسونية، حيث يستحيل تولي هذا المنصب دون دعمها أو، على الأقلّ، قبولها. وليس معنى ذلك، أنّ من لا يفوز بهذا المنصب هو خارج هذه المعادلة، فمن يصل من المرشحين للمراحل النهائية، انتهاءً بوصول اثنين، هم من ضمن هذه المعادلة، وثمة ضمانات لبقائهم ضمنها.
الأمر الآخر، لا بدّ من أنّ لكلّ مرشح للرئاسة رؤيته الخاصة، التي تميّزه عن سواه، بل تميّز كلّ رئيس أميركي عن سابقه ولاحقه. لكن هذه التمايزات، تنحصر في إطار تحقيق الإستراتيجيات المرسومة وليس خارج معادلة تحقيقها وفي إطار البدائل الحاكمة لها.
من هنا، كان أول قرار اتخذه أوباما، هو إغلاق معتقل غوانتانامو الرهيب، لكن المعتقل ما زال موجوداً رغم مرور 8 سنوات إلا شهرين على توقيع قرار إغلاقه. ورأينا إدارته تتوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن سورية، لكن اعتبارات أميركية حاكمة، حالت دون تنفيذه، كما حالت اعتبارات أخرى دون إغلاق معتقل غوانتانامو.
ويحدث أنّ يبدو الرئيس الأميركي متفرّداً وله قلب أسد، باتخاذه قرارات مخالفة لمجلسي الشيوخ والنواب، كما صنع بوش الإبن. ولو دققنا في خلفية اتخاذ تلك القرارات لوجدنا انها تحقق مصالح مؤسسات رأس المال ومطلوبة من قبلها وليس بالضرورة، أن تحقق الاستراتيجيات المرسومة مصالح الولايات المتحدة الأميركية، بمعنى الدولة وإنما مصالح وأطماع الجهات الحقيقية الحاكمة لها، من مؤسسات رأس مال عابرة للحدود والقارات والحركتين العالميتين الصهيونية والماسونية.
من هنا، رأينا حروباً وويلات شنّتها وتشنّها الولايات المتحدة، أضرّت بها كدولة وكمجتمعات، لكنها أفادت شركاتها الاحتكارية الكبرى العابرة للحدود، في مجالات الطاقة وصناعات السلاح والعتاد والطائرات والسيارات وحتى المخدرات والسينما وترويج ثقافة العنف والاستهلاك والانفلات الأخلاقي والتفكك الأسري، لدى المجتمعات الأخرى.
كما خدمت هذه الحروب، الشركات الرأسمالية في مجال شراء ذمم حكام ومسؤولي دول أخرى، وإنشاء ميليشيات وعصابات إرهابية محلية وعلى مستوى جهات الأرض الأربع، في بلدان تابعة أو متمردة عليها، لإثارة الفتن والانقسامات المذهبية والطائفية والإثنية، فضلاً عن ميليشيات أمنية أميركية، تعيث فساداً في البلدان التي تستقدمها وإشغال الجيوش الأميركية والأجهزة الأمنية في مهام تخدم المؤسسات والشركات الحاكمة الحقيقية للدولة الأميركية.
ورغم هذه الضوابط وكون الرئيس الأميركي عملياً، موظفا كبيرا عند مؤسسات رأس المال الأميركية. ورغم تحكّمها بالقرار وصلتها الوثيقة بالحركتين الماسونية والصهيونية، فإنّ للرئيس الأميركي مواصفات ناظمة، غالباً، كمعظم الرؤساء الأميركيين وأحياناً لغايات مرحلية كـ أوباما ، لكنها في كلّ الأحوال، تتطابق في الجوهر مع المواصفات الرئيسة وإن حاد عنها قتل، كنيدي مثلاً. ومن بعده قطعت الطريق أمام شقيقيه للحؤول دون وصول أيّ منهما للرئاسة.
بهذه المعاني، لن يكون هناك اختلاف كبير، بين المهزومة هيلاري كلينتون فيما لو فازت وبين دونالد ترامب، الفائز بالمنصب. ولكن لم فُوِّز الأخير وأسقطت هيلاري؟ علماً بأنّ الإثنين خادمان نجيبان لمعادلة الحكم الحقيقية، تلك هي لعبة التلهّي الديمقراطية الأميركية، التي تقف خلفها مؤسسات رأس المال وتحالفاتها.
فبعد فشل محاولات تطبيق الفوضى الخلاقة، التي بشرت بها الفاتنة رايس، أواخر عهد بوش الإبن، وفشل تنفيذ الاتفاق المنعقد مع مكتب الإرشاد «الإخواني» العالمي، بإيصال «الإسلام السياسي» إلى الحكم في كلّ من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، وإبقائه في السودان. وبعد ثبوت فشل الأنظمة التابعة و«الإسلام السياسي» في تحقيق حصتهم من استراتيجية المؤسسات الأميركية، بات لا بدّ من مراجعة استراتيجية، على الأقلّ في أساليب ووسائل تطبيق تلك الاستراتيجية، ما يستدعي مجيء إدارة جديدة، تحمل مبرّرات تبدو مقبولة، غايتها، في نهاية الأمر، تحقيق الاستراتيجية الأميركية لمؤسسات رأس المال وحلفائها.
من هنا، تأتي تصريحات ترامب مختلفة مع هيلاري وإدارة أوباما وهي ليست خارج نص مؤسسات رأس المال على أي حال تبدو عقلانية على صعيد السياسات الخارجية تجاه روسيا وسورية والخليج والتعاون الدولي. وتكشف أنّ هذه المؤسسات ستنحو، عبر البيت الأبيض والإدارة الأميركية، برئاسة ترامب، طريقاً جديدة في تنفيذ استراتيجياتها وليس نقضاً لها وإنما إعادة ترتيب للأولويات، فمن الواضح أنّ هذه المؤسسات تتوجه لإيلاء أميركا الجنوبية اهتمامها، لجهة إسقاط أنظمة خرجت عن الطوق ولم تعد حديقة واشنطن الخلفية. كما تودّ التفرّغ للصين وتلك المنطقة من العالم، التي تراجع فيها الدور الأميركي ونمت اقتصادياً بشكل يؤثر جذرياً على مؤسسات رأس المال الأميركية.
ليس منطقياً المراهنة على التغيير الاضطراري الأميركي، أو المبالغة بأهميته، لكن أيضاً، ينبغي فهمه بدقة والاستعداد لتداعياته. وفي آن، عدم تجاهل الحلفاء في أميركا الجنوبية وأقصى شرق آسيا، الذين ساندوا سورية ومحور المقاومة وحلفائه.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk