هل تستثمر روسيا الوقت الضائع في حلب؟
روزانا رمّال
لم تكن معركة حلب واحدة من الخطط العسكرية الواضحة المعالم لدى الجهة المقاتلة الى جانب النظام السوري والتي تتبنى فكرة مكافحة الإرهاب وإعادة المحافظة وأريافها لما كانت عليه من ست سنوات، إذ لطالما كانت حلب مكسباً او مطمعاً لأي جيش غازٍ، وهي اليوم واحدة من أكثر المحافظات التي عزّزت فكرة بقاء النظام بعد القدرة على التقدّم فيها بشكل مقبول منذ إعلان الفصائل الإرهابية الحرب في سورية.
أكثر المعارك غرابة هي تلك التي تدور فيها وأكثرها تعقيداً بالأروقة الدبلوماسية التي عزمت على تأييد الهدن فيها وفسخها مرات ومرات، الارتباك واضح على كل الأطراف فهي معضلة جدّية للجميع.
تتكشّف الحقائق وتبرز أكثر مكامن القلق الموجود فيها، فالحضور الغربي والخليجي تمحور في تلك النقطة، والتحشيد الإعلامي والشعبي ركز على أهمية الاحتفاظ بحلب قبل أن يعلن بقاء الأسد رسمياً على سدة الرئاسة لفترة غير معروفة، فالهزيمة الأكيدة هناك هي هزيمة للكل.
لم تبدأ المعركة مرة واحدة بشكل منتظم، ولم تستمر العمليات بالتوازي مع السياسة بشكل منسجم هي الأخرى. لا المفاوضين استطاعوا السيطرة على الارض ولا الارض هدأت مع الهدن الممنوحة من روسيا وأميركا ظاهرياً على أنها مقدمة لحل سياسي يستجلب الحلول.
الحديث عن سلام في تلك المنطقة أصبح بعيداً بدون استكمال المعارك العسكرية، لكن هناك شيئاً أساسياً يحيط بالأزمة هناك. فالاتفاق الروسي الأميركي في سورية وحلب تحديداً الذي كان من المفترض أن يكون تنسيقاً من أجل وقف إطلاق النار والانتقال للسياسة، تكشف أنه اتفاق من نوع آخر وهو اتفاق على إدارة المعارك العسكرية في حلب توقيتاً وإخراجاً.
لا شيء يؤكد على أنّ الخلاف بين إدارتي اوباما وبوتين على سورية واضح، فهذا ينسفه تقبّل الأميركي للوجود الروسي من دون ردّ فعل بحجم الخطوة، لا يمكن لتصريحات عن اختلاف أن توضع كمؤشر على أنّ الإدارتين لا تجتمعان على أرضية ما. فالمباحثات الكثيفة احدثت تقدّماً في طبيعة التفكير النمطي الغربي السائد وفي طبيعة إدارة المعارك ايضاً والأميركيون اليوم يقبلون على مفاوضة الروس انطلاقاً من قناعة كاملة أنّ واحداً من أشكال الاتفاق بينهما هو تقبّل الوجود الروسي في سورية لسنوات طويلة، وهو الامر نفسه الذي تقبّلته «إسرائيل»، بشكل أو بآخر.
يدرك الكلّ مدى أهمية التركيز الروسي على ترسيخ نفوذ موسكو في سورية لاعتبارات استراتيجية واقتصادية وسياسية ايضاً. فالأزمة السورية أثرت بشكل مباشر على تعزيز دور روسيا في كلّ العالم حتى باتت لروسيا قدرة التأثير على الانتخابات الأميركية. وهذا ما لم يكن وارداً في السنوات الأربع الماضية.
المعركة في حلب حظيت بنوع جديد من إدارة الميدان فلم تعلن روسيا يوماً انها بصدد شنّ عملية عسكرية كبرى وموسّعة، وهي قادرة على ذلك بشكل منهجي، بل بقيت تقوم بعمليات محددة تساند فيها الجيش السوري وحزب الله والوجود الإيراني بين ميدان واستخبارات. بقيت المعركة في حلب حرباً لمعارك أخذت طابع «التجزئة» وليس طابع الهجوم المتتابع، فباتت عناوين المعارك بحلب وأريافها فيها تنفذ بين أسابيع وأشهر بعناوين عريضة مثل معركة الراموسة والكاستيلو وغيرها من المحطات الاساسية.
التكتيك الروسي هذا ليس إلا ترجمة لاتفاق مع أميركا في إدارة هذه الحرب هناك. ويبدو انّ روسيا التي تعطي في كلّ مرة فرصة للهدنة تدرك جيداً مدى الإحراج الذي تسبّبت فيه معركة من نوع حاسم في حلب، وقد أدركت أخيراً عجز واشنطن عن السيطرة على حلفائها بما يعني إرضاءهم من جهة وعدم نية واشنطن ببذل جهود اكبر تاركة الخيار لحلفائها لخوض كلّ ما يعتبر استراتيجياً لهم واساسياً مثل المعارك التي تقودها تركيا الآن تناغماً مع ما يجري بالعراق وتحديداً الموصل.
فتح عملية الموصل التي كان من المفترض أن تستبدل بعمليات مشتركة بين روسيا وأميركا شمال سورية في الرقة تحديداً، أظهرت خطة اميركية واضحة تؤجل فيها معركة الحسم السوري من دون أن تتكلف ضغوطاً على حلفائها أكثر.
تقول روسيا اليوم إنها تتقدّم نحو عملية كبرى في حلب وترسل أسلحة قادرة على تغيير ميزان اللعبة برمتها الى الارض السورية بوقت أسرع. وكلّ هذا بالتوازي مع انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، وهو ما يعني انشغال العالم به بالأيام المقبلة والتحضّر للتعامل مع نوع جديد من الرؤساء، فدونالد ترامب أثار قلق المجتمع الدولي بأسره.
ستستفيد واشنطن من هذا الوقت الضائع الذي لن يحسب على إدارة أوباما خياراً خاطئاً يكلّف فيه حزبه أثماناً باهظة، فخسارة مرشحته أصلاً تمّت. وهنا بات المستقبل أمام بوتين وترامب هو سيد المشهد وبات أوباما بحكم رئيس تصريف الأعمال الحالي.
العمليات الروسية ستتكثف بالأيام المقبلة ضمن سياسة قد لا تكون عفوية من الطرفين، فالتوقيت مدروس بشكل لافت وقادر على إحداث تحوّلات في الميدان من حلب حتى الموصل بدون تحميل الإدارة الجديدة تبعات ولا حتى الإدارة الحالية.
يقول لافروف يبدو أنّ الغرب متحمّس لقتال داعش وليس متحمّساً لقتال النصرة أو يتستر عليها، وإذا كانت موسكو مستعدة للحسم اليوم أكثر من ايّ وقت مضى واستهداف حلفاء أميركا على الارض، فإنها تدرك تماماً انّ هذا الوقت هو الوقت الأنسب منذ ست سنوات.