مختصر مفيد ترامب والامتحان الذي يعنينا
ليس خافياً على أحد أن الحرب الكبرى لصناعة شرق أوسط جديد يخدم المصالح الإسرائيلية ويحفظ أمن إسرائيل وتفوقها، هي تلك التي تدور رحاها في سورية وقد أسندت قيادتها للسعودية، بعدما تولّتها قطر وتركيا في زمن الرهان على الأخوان المسلمين من مصر إلى تونس فسورية، وأن جيش هذه الحرب الرسمي هو تنظيم القاعدة بمتفرعاتها من النصرة إلى داعش. كما ليس خافياً أن واشنطن هي عاصمة قرار هذه الحرب، ولا أن الطريق الفعلي لضمان مصالح إسرائيل وأمنها وتفوقها يمر من مستقبل هذه الحرب.
ليس خافياً أن الانتقال الأميركي للتفاهم مع روسيا في سورية، لا يأتي لتلاقي الأهداف، بل يأتي ثمرة للتسليم الأميركي بالفشل في الحرب، والسعي لتخفيض الخسائر عبر التفاوض، وحفظ المصالح بالتموضع تحت عنوان حرب أخرى هي الحرب على الإرهاب، الذي بات خطراً على مستقبل الغرب ووحدة مجتمعاته وأمنه. لكن قيمة الحرب عليه أنها تضمن تغطية سلسة لإعلان الفشل الأميركي في الحرب على سورية، كما تضمن تحقيقاً لمصالح أميركية تحت باب التفاوض على شروط هذه الحرب.
تتأرجح أميركا بين حدَّين هما السير في حربها القديمة بتشجيع سعودي وإسرائيلي، والتموضع تحت سقف التسويات مع روسيا، والحرب على الإرهاب والتسليم بسورية تحت سقف دستورها، وحلّ سياسي، وجيش موحّد قوي، ورئيس منتخب، تمهيداً لانتخابات رئاسية ونيابية، والرئاسة الأميركية الجديدة جاءت بخطاب متعدد الوجوه، فمن جهة خطاب متجذّر في دعم إسرائيل، ومن جهة تشكيك بالحروب الأميركية في سورية والعراق وليبيا ودعوة لإعادة النظر بها، ومن جهة إعلان عزم على التفاهم مع روسيا وعزم مشابه لتزخيم الحرب على الإرهاب بعد اتهام الإدارات السابقة بتصنيعه ودعمه.
الامتحان الحقيقي للإدارة الأميركية الجديدة هو في سياستها الفعلية في سورية، حيث اختبار النيات والمقاصد، وفي سورية فرصة خروج أميركا من مأزق التورط في حروب الاستنزاف وتشجيع التسويات والسير في الحرب على الإرهاب وبناء علاقات روسية أميركية جديدة عنوانها الحوار والشراكة، والفوز على المرشحة هيلاري كلينتون التي كانت موضع الدعم من جميع قوى مواصلة الحرب على سورية والتعاون مع الإرهاب ما يمنح الرئيس الجديد دونالد ترامب بداية مناسبة.
الرهان على رئيس أميركي جيد ورئيس أميركي سيئ وقوع في الوهم. المهم هو قياس الخطوات التي يرسمها الرئيس الأميركي لإدارته في مقاربة الحرب الرئيسية التي تستهدف بلادنا، وهي اليوم الحرب على سورية، والكل ينتظر وعندها تكون الأحكام في مكانها…
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.