تفاصيل صغيرة
تُرى؟ لماذا يقال عن الحبّ أنّه أعمى؟ ومن أين أتت عبارة «عين الحبّ عمياء»؟ وما أصل الأسطورة التي تشبّه إله الحبّ بملاك غير بصير، يحمل قوساً يوجّهه حيث يشاء، ويصيب به من يشاء؟
تقول الحكاية:في قديم الزمان، حيث لم يكن على الأرض بشر، كانت الفضائل والرذائل تطوف العالم معاً، وتشعر بالملل الشديد.
وذات يوم، وكحلّ لمشكلة الملل المستعصية، اقترح «الإبداع» لعبة «الغميّضة». أحبّ الجميع الفكرة، وصرخ «الجنون»: «أنا من سيُغمض عينيه ويبدأ العد،
وأنتم عليكم مباشرة الاختباء». فاتكّأ بمرفقيه على شجرة وبدأ العد: واحد، اثنان، ثلاثة… وبدأت الفضائل والرذائل الاختباء.
وجدت «الرقّة» مكاناً لنفسها فوق القمر، وأخفت «الخيانة نفسها في كومة قمامة، واختبأ «الولع» بين الغيوم، ومضى «الشوق» إلى باطن الأرض.
«الكذب» قال بصوت عال: «سأخفي نفسي تحت الحجارة. واستمرّ «الجنون» في العدّ: تسعة وسبعون، ثمانون…
وخلال ذلك، أتمّت الفضائل والرذائل كلّها تخفّيها، ما عدا «الحبّ»!
«الحبّ» كعادته لم يكن صاحب قرارٍ، وبالتالي لم يقرّر أين يختفي. فمِن الصعب إخفاء «الحبّ».
تابع «الجنون» العدّ: خمسة وتسعون، ستة وتسعون… وعندما وصل إلى المئة،
قفز «الحبّ» وسط كومة من الورد واختفى في داخلها.
فتح «الجنون» عينيه، وبدأ البحث صائحاً: «أنا آتٍ»!
كان «الكسل» أوّل من كُشِف، لأنه لم يبذل أيّ جهد في إخفاء نفسه. ثمّ ظهرت «الرقّة» المختفية فوق القمر، وبعدها خرج «الكذب» من تحت الحجارة مقطوع النفَس، وأشار إلى «الشوق» أن يرجع من باطن الأرض. وجد «الجنون» الفضائل والرذائل كلّها، ما عدا «الحبّ».
كاد «الجنون» أن يصاب بالإحباط واليأس في بحثه عن «الحبّ»، فاقترب «الحسد» وهمس في أذنه: «الحبّ مختفٍ داخل كومة الورد». التقط «الجنون» شوكة، وبدأ في طعن كومة الورد بشكل طائش، ولم يتوقّف إلا عندما سمع
صوت بكاء يمزّق القلوب.
ظهر «الحب» وهو يحجب عينيه بيديه، والدم يقطر من بين أصابعه.
صاح «الجنون» نادماً: «يا إلهى ماذا فعلت؟ ماذا أفعل كي أصحّح غلطتي بعدما جعلتك تفقد البصر؟».
أجابه «الحبّ»: لن تستطيع إعادة النظر إليّ، ولكن، ما زال هناك ما تستطيع فعله
لأجلي. كُن دليلي»!
وهذا ما حصل.
ومذاك، يسير الحبّ «أعمى»، يقوده الجنون. فلا تسدِ نصيحة لعاشق، ولا تحدّثه عن العقل!
وللحديث تتمة…
منى عبد الكريم