عشق الصباح
ذات شوق، والفجر يغسل وجهها بالندى، لوّحت بكفّيها تودّعه، وقلبها يركض خلفه، وعيناها تلاحقان خطواته الهدّارة. تريد أن تخبّأه «جوّا الرموش». يدها معلّقة في كفّيه. همست: «ما أضناني بالهجر أنا المسكونة فيك، لم أزل أتّكئ على وجع السنين الباقيات، ينزّ الجرح شوقاً وأنا أبحث عن كلمات تُبحر فتأخذني إلى شاطئ عينيك. أكتب بنزف الروح وما تعبت. كم حفرت اسمك على جذع شجر السنديان والدلب والتوت والتين. أتذكر على حواف كتف جبل الغار كم غنّينا: يا رايحين عا حلب، قلبي معاكم راح، يا محمّلين العنب تحت العنب تفاح؟ ها قد بعُدت المسافات وصارت أنجم الليل صديقة الحكايات، وأنا انتظرك في الشرفة البحرية.
قهوة المساء تذكّرني بضحكاتك، بلمسات يديك الخشنة. بعينيك المسكونتين باخضرار الزيتون ولهفات المُحبّ. كلماتك، همساتك تهفهف من حولي كالفراشات الحالمة، كنسمة بحرية برائحة النعناع البرّي. هناك أنت تحرس عيون الوطن، حيث التلال والسهول والبرد والريح والمطر وحرّ الشمس. وأنا هنا، للحزن والصبر وجمر اللوعة والانتظار المتلهّف لكفّيك تطوفان على وجهي، تنزلان على صدري المكتنز بنبيذ معتّق يا للدوالي الحانيات. المطر يدقّ على نوافذ بيتنا المشرف على حاكورة مزروعة بالتبغ والزيتون. نضجت ثمار غرسك وقد حان موسم القطاف. وحيدة في مساءات باردة أوجعني الشوق إليك. يجيء المطر، وأنت لا تجيء. يوجعني الحنين، أطوف مع خيالي في تلك البراري الواسعة. أبحث عن وجهك بين وجوه الأحبّة. كم أتشوّق إليك؟ أزليّ هذا العشق المتدفّق في الشرايين مع الدم والنبض، حباً لا يمكن أن يموت. تضيق الشرفة بأحلامي. في أيّ الجهات أنت، يأتيني عطرك مع كلّ نسمة هوى. تمطر سماء تشرين، والريح شرقية باردة وفي عينيّ دمع حبيس. أشعر بكفّيك تمرّان على ورد خدّي، تُلملم عن ثغري المتلهف زهر الجلنار. ينتفض جسدي المتعطش لحنانك ودفء حضنك. لامست يدي فنجان القهوة من دون أن أنتبه. ارتمى الفنجان في الحاكورة. ضحكت من تخيّلاتي الحالمة، ورتّلت بصوت كقصب ناي فيروز: أيها البهيّ الساكن جوّا شغاف الروح، متى تجيء؟ اشتقت إليك.
حسن ابراهيم الناصر