قالت له

قالت له: أنا اعتزلت الغرام.

فقال لها: اعتزال الغرام كترك التدخين، أسهل عمل نقوم به في الحياة، فأنا نفسي فعلت ذلك مئة مرّة.

قالت له: اعتزلت الغرام، لكنني لم أغادر ثوب الغزل، ولا أنوثتي ولا أنوي ذلك، لكنني خارج ضفاف الكلام، لا فعل عندي إلّا بقرار العقل. فقف إن كنت جادّاً بقولك إنك رغبت بي، واستعد في صحن محكمتي وتهيّب أسئلتي.

فقال لها: لم يعرف أحد وقوعه في الغرام إلّا عندما يبدأ بصوغ كلمات يثبت بها لنفسه قبل الآخرين أنه لم يقع في الغرام. فهاتي أسئلة عدم وقوعك ودعيني أقع لأنّ الرجل الذي يصرّ على المرأة أنها وقعت في غرامه، ما زال في صفوف الحضانة في مدرسة الحب. فلك عنك حق الإنكار وعليّ من ذاتي التأكيد.

فقالت له: الأمر عندك غرور بثوب تواضع، وأنا في حال رفضِ كلّ أكاذيب الأيام الأولى. وأبحث عن سرّ حبّ لا يتغيّر بتغيّر الأحوال. فلم أجد إلّا حبّاً تأكله أيام. وسؤالي: إلى متى تبقى ترى جمالي ساحراً بعدما تعتاده عيناك، ولا تغطي على وجوده موجة غضب؟ ولا يكون الغضب نتاج بداية عتاب دافئ فيصير صراخاً وضجيجاً بعدما كان لا ينتهي إلّا بالقبلات؟

فقال لها: ما دامت أسرارك التي أرغب اكتشافها وأشتهيه، ما زال فيها ما لم تره عيناي أو تلمسه يداي، أو أتنفس عطره. فإن كان في يدك التحوّل إلى إمرأة أخرى كل يوم تخفي أكثر ممّا تظهر. كما كان في يد شهرزاد أن تتوقف عن الكلام المباح مع طلوع الصباح، فلك العمر مسرحاً لاكتشافاتي لأنّ الحب هو انتباه الاكتشاف.

فقالت: إذاً، الحبّ من بعيد هو الحبّ العنيد، وحبٌّ لا يُطال لا يفرّقه المحال، فانصرف وتعال بعد زمن انتهاء الرجال.

ومضت تقول: غرام الرجال و كبرياء النساء لا تنقصهما إلا الأرض الثابتة، وهي أرض لا نعرفها ما دام العمر رحلة قصيرة. فلعلّها حكمة الخالق بمخلوق مصنوع من تراب، لكنّ خميرته من قلق.

قالت له: ما الفرق بين الحبّ والاحترام؟

فقال لها: الحب هو ما تريدين إعطاءه والاحترام. هو ما يجب عليك أن تعطيه، واحترام بلا حب سخاء أكثر من حبّ بلا احترام. أمّا أجمل الحبّ فهو ما تخطّى عطاؤه التلقائي حدود التوقع والعطاء. كلمة تصير أفعالاً بمستوى عظمتها، وكلّما وقعت الأفعال بعيدة عن الأقوال، فقد الحبّ بريقه مهما كان صادقاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى