من بيروت إلى دمشق
يوسف موصللي
قال لك أحدهم، إنك تشبهين بيروت، أما أنا فأقول لك، ومن بيروت، إنك لا تشبهين إلاّ دمشق. قد يقول البعض كيف لك أن تشابه بين حبيبتين أنتِ ودمشق وأنتَ بعيد عنهما في آن واحد! ذلك يعود إلى ذاكرة حية حفرت فيها روح دمشق مثل خطوط منحنية عميقة وشفافة في ذاكرتي، بتأنٍّ وجمال وأناقة. يا عزيزتي، دمشق هي الشقيقة الأكبر لجميلتين. نعم كلتاهما جميلة، لكن الكبرى تتمتع بشخصيتها التاريخية وألقها الحضاري. بلى، بيروت هي عقدة وصل وملتقى العالمين الغربي والشرقي، لكن دمشق هي الجوهر لكل ما هو شرقي وكل ما بني عليه أي غربي. في بيروت العديد من الناس والثقافات التي تأتي وتذهب، ثم تعود إلى أوطانها. أما دمشق فمن يدخلها لا يخرج إلّا حاملاً هويتها الدمشقية. بيروت مشهورة بحريتها ومساحتها الفكرية الواسعة، تلك التي لطالما عبّر الدمشقيون من خلالها وتنفسوا فيها. لكن تبقى بيروت هي الناشر الفذّ ودمشق الكاتب بحروف من ذهب. بيروت هي واحة من الطيران الإنساني والثقافي والفني والإبداعي، واحة يحلو للمرء أن يستمتع بهوائها ونسماتها العليلة، هي أغصان مثمرة لشجرة حلقاتها بالآلاف واسمها دمشق. يا جميلتي، بيروت هي الفتاة المدللة التي لطالما تألّقت وسطع نجمها عالياً، تشبه القمر بجمالها، لكن ألا يأخذ القمر ألقه من شمس لا تغيب؟ دمشق هي من يعتني ويحمي ويبعث الدفء والألق عبر جبال لبنان، فتسطع بيروت عاكسة جمالها الداخلي، جمالها الدمشقي. لعلّك تشبهين فعلاً بيروت، فالجمال هو تعريف لك ولها، لكن قلبك كان وسيبقى قلباً دمشقيّاً. والدمشقيّ يعشق جمال بيروت، لكن لطالما استهوته الأعماق، أعماق الجمال والألق والقوة والحكمة. حبيبتي، سأدبّر لنا موعداً قريباً، أنا وأنت ودمشق في حاراتها وأزقتها، والموعد ليس بهدف التعارف فمن لا يعرف من ومن لا يعشق من؟! هو اجتماع لثالوثي المقدس . أنتِ وأنا ودمشق مدينتنا.