قلم يعقوب مراد برسم الاغتيال… أية قوانين أوروبية تحمي الإنسان!
هاني الحلبي
«أعتذر يا صديقي عن الغياب، فقد تعرّضت اليوم لاعتداء من دواعش السويد. ضربوني ضرباً مبرّحاً أدخلني المشفى وما زلت قيد العلاج. ولسخرية الدهر كأنه عيدية لمناسبة ميلادي».. هكذا رد على سؤالي عنه زميلي مؤسس ورئيس مركز التوازن الإعلامي balans الصديق الكاتب السوري المعروف يعقوب مراد المقيم في السويد، عندما هاتفته للتنسيق حول نصه لـ «آخر الكلام» في جريدة «البناء»…
هنّأته بالسلامة وشدّدت عزمه وأوصيته بنفسه. وقلت سأهتمّ بما يلزم.
استفسرتُ ألم تدّعِ على أحد؟ أجاب على مَن أدّعي؟ ولماذا؟ في اعتداءات سابقة استهدفت مكتبي من معارضين سوريين في السويد اقتحموا المكتب وخلعوا الخزائن وسرقوا ما وصلت إليه أيديهم وعاثوا فيه تكسيراً وتخريباً وسحبوا السكاكين عليّ وهدّدوني بالقتل. ورغم توفّر القرائن كلها لإدانة المعتدين، فلم تنصفني المحاكم السويدية.
بعد أشهر من الجلسات والتأجيلات المتكررة لسبب وسبب، نعود لحلقة مفرغة، تستهلك القوت والمال وتثبت أنهم قبضوا على الضحية بجرمها المشهود ويبقى القتلة طلقاء وبلا عقاب على الدوام.
صدّقني يا أخي ترحّمت على محاكم بلادنا، التي جدّدت لها الرحمة مضاعفة محاكمُ السويد..
ويتابع مراد: كيف لإنسان سلاحُه قلم وذخيرته حبُّه لبلده وعمله لخيره ولمساعدة مواطنيه، أن يواجه سكاكين طلاب الحرية الخليجية العربية الأوروبية وهي تهدّده بالقتل بكلّ حرية وشهامة معارضة..
يبدو يا صديقي يعقوب وأنت في بلدان التقدم الاسكندينافي الأرقى بين دول العالم المعاصر بمقاييس الحضارة الراهنة، ممنوع أن تكتب ضدّ خونة بلادك من موظفين دبلوماسيين ومواطنين كانوا بلا وجدان بحق ماء العاصي والفرات وبردى ولم يحملوا الوفاء لتراب حلب وحمص وياسمين دمشق فباعوا نفوسهم وضمائرهم بثلثين من تنك البترودولار.. ممنوع أن تكتب عن تسامح الرئيس، فهذا يخدش الصورة النمطية المروّجة عن ديكتاتور طاغية، لكنه يرفّ جفنه لجريح في مشفى ولطفل سوري فقدَ أباه، فهل يرفّ جفن الطغاة عندما يحرقون مئات اليمنيين في صالة كبرى تحوّلت تنوراً للشواء؟
ممنوع أن تكتب عن شهامة جندي سوري، يضحّي بجسده أشلاء ليحمي به تلميذة مدرسة أرادت أن تمسك لعبتها وهي تدخل، فعصفها انفجار وأوقع عليها بوابة المدخل. فالجنود «المتوحّشون» لا يأبهون للأطفال ولا للعبهم، فكيف تنسف بكلمتك كلَّ ما روّجوه منذ سنوات حتى أسقط في أيديهم كذب ما سوّقوا؟
ممنوع أن تكتب كلمة حق في رجل حق، سماحة المفتي الجليل الشيخ أحمد بدر الدين حسون، صوت إسلام سوري حقيقي، وها أنت المسيحي مسلم، أكثر من خليفة مزعوم يريد إسلام جئناكم بالذبح صراطاً حنيفاً لدين الله، فكيف تكابر بوجه الميديا الكاسحة لتجدّد روحاً في إسلام يريدون طمره فلا يبقى منه سوى المسوخ التي تقاد قطعاناً إلى هرمجدون الشام في آخر الأزمنة بيوم الكريهة في حلب؟
وها أنت بما أصابك من رضوض وأوجاع، هل نادم على ما فعلت؟
وما زال لديك متّسع، قبل أن تبيع كلّ ما تملك في جرمانا ومحردة وغيرهما، لتوزّع أثمانها على معوزي بلادك بما فيها ريوع كتبك، التي ستوقع آخرها في معرض بيروت هذا العام؟
أنت تنوي وغيرك ينوي وشتان بين النيتين!
فيمكنك أن تعيد الحساب إن أردت، فها هم لاجئون من بلادك إلى بلاد العم سام يكيدون لك وينوون عليك، وبينهم الكثيرون من القتلة الذين تسرّبوا إلى أوروبا لتحقيق عدلهم، فأنصفوك باعتداء!
صديقي يعقوب، منذ أول أيلول أهديتني نصوصاً جميلة للنشر في جريدة «البناء» – صفحة تواصل أعطت لوناً للصفحة ونفحة حلوة من رفعة إنسانية وسمة وطنية سورية عريقة في الحب. ومع إعادة تبويب «البناء» انتقلت مساهمتك إلى الصفحة الأخيرة، التي أُعدِّها، وكذلك بقي خط الضوء لامعاً مع زملاء كثر ينيرون.
وأتساءل ما هذا الحلم السويدي من حقوق وواجبات الذي يعيشه الواهمون أنهم إلى النعيم قادمون ليحجّوا سيراً بالأقدام وعبر الحدود والغابات ويعرّضون أنفسهم لتهلكات ليعيشوا في نعيم السويد وغيره من غيتوات أوروبا، وبعد سنوات يتمّ إلقاؤهم كعبء مهمل على أرصفة المدن بعد حرق مخيماتهم، ويسيرون طوابير لتناول وجبة الصباح كسرة خبز وقطعة جبنة وكوباً ساخناً وطابوراً آخر أمام المغسلة وغيره أمام المرحاض، وغيره أمام مطبخ الغداء وكذلك في كل شأن ليبقى يوم اللاجئ دوراناً في طوابير ذلّ وتشرّد وتشتت نفسي وإذلال. جماعات مسلوخة عن هوائها وترابها بلا قبور تعيش قيد الموت المتسلسل؟
ما هذا الحلم الذي يصادر قلماً نذر حبره لسورياه وأوجاعها ونذر أملاكه دواء وعزاء في بلاء أهلها ليحيا حبَّها فعلاً و»لمسة دفا» على جسوم يلفّها صقيع الغربة السورية في دنيا عربية خليجية نبضها رنين الأصفر قبل مصادرته باسم السيد «جاستا»، ودفق الأسود قبل وضع اليد الصهيونية عليه باسم السيد ترامب لقاء حماية العربان.
وما قيمة محاكمهم في تأخير سير العدالة وإنصاف معتدى عليه مسالم، يكاد يدير خده الأيمن بعد الأيسر تلافياً لشرور جاهلين؟
قيم فارغة، بل ملأى بالعداون والهمجية القوطية مما قبل قرونهم الوسطى.. بخاصة أنّ قرن العنصرية المغالية بنقاء عنصرها يُطلُّ برأسه فيتنافس المقامرون على دماء الشعوب.. قيم ملأى بالعدوان علينا اتفاقات ووعوداً عدوانية تبيع فلسطين لقاء مصالح دعم مالي وقروض لدولهم في حروبهم وها هي تكرّر الصفقات نفسها، لكننا اليوم أصبح لدينا جيوش ومقاومة بحق، لتفعل إرادتنا فعلها القومي في معارك تقرير المصير!
بالروح الجديدة التي أطلقتها القومية السورية على يد المؤسس سعاده وأضاءت الهلال الخصيب كله ومنه للعالم، لم نعد ميداناً للتّقاص وللبيع وللرهن ولدفع الثمن وللاحتلال والاغتصاب.. نحن أمة في عصر قيامتها!
صبراً وافعلوا… «إنكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ»!
باحث وناشر موقع حرمون haramoon.org/ar
وموقع السوق alssouk.net