حزب الله ليس استعراضياً…
روزانا رمّال
ليست «إسرائيل» تلك التي تتأهّب لاستباحة الاراضي العربية ونهب الثروات الشرق أوسطية تجهد للتفوق سياسياً عسكرياً لعقود من دون أن تلقى جدوى لسياساتها وركيزة لإنشاء دولة يهودية في جوار عربي آمن..
ليست «إسرائيل» تلك التي تحشد القوى الغربية الإقليمية من أجل وضع الحجر الأساس للشرق الاوسط الجديد بعمل مكثف مؤلف من 16 سنة متتالية من دون أن تحصل على نتيجة حسية واحدة لخياراتها العمودية الدراماتيكية بدعم الارهاب وتقوية الجماعات المسلحة بالمنطقة لتنفيذ مخططات لحسابها، وصولاً الى المجاهرة بدعم جماعات مسلحة على الحدود مع سورية من أجل إسقاط النظام فيها..
لم يتردد مسؤولون «إسرائيليون» أمثال بنيامين نتنياهو وداني يعالون من اعتبار جبهة النصرة مثلاً صديقة لـ «إسرائيل». لم تعش «إسرائيل» لحظة واحدة من الإرباك بعدما غزت التنظيمات المتطرفة كل العالم من دون استهداف الكيان العبري في مؤشر على تحييدها من الصراع الدولي «لسبب ما» كأنها تُقر بايحاءات التلاقي والتعاون مع كل التنظيمات الارهابية باعتبارها مستخدمة لحماية أمنها بإشغال أعدائها..
تروّى حزب الله قبل لحظة دخوله ارض المعركة السورية فقرأ المشهد بعين مغايرة لتلك التي أوحت لسورية استكمالاً لما جرى في مصر وتونس ليتبين بالنسبة لقيادتيه السياسية العسكرية أنه مشروع متكامل لاستهداف «حزب الله» بطريقة أو بأخرى. في الواقع ليس هناك من مبرر لدخول الميدان بالنسبة لمقاتلي الحزب من دون ان يكون الداعي متعلقاً مباشرة بمصيرهم، ليس حزب الله الذي يضحّي بواقع سياسي محلي متشنّج يخوض غمار تجربة بدقة التجربة السورية بعد ما كان له في أحداث 7 ايار في لبنان من دون أن يكون المبرر حياة أو موتاً بالنسبة اليه.
في السياسة يتحدّث اللاعبون عن مصالح في الحالة السورية. يعرف حزب الله ان النظام السوري يؤمن بالنسبة اليه نصف المصلحة ونصف الخيار والطريق الى الاستمرار بالنهج الذي أطلق على اساسه مشروع حزب الله في لبنان. فهو راكم القدرات التي يتمتع فيها الخبرات التراكمية التي استفاد منها منذ لحظة التحرير عام 2000 دون رجعة.
لا يريد حزب الله هدر ما تمّ جمعه من إنجازات بخسارة الحليف السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد. ولا تريد «إسرائيل» بالمقابل الاستسلام لهذه «المتلازمة» التي يفرضها حزب الله مع الدولة السوريو فيتحكمان على أساسها بمصيرها، كان من المفترض أن تتخلّص «إسرائيل» من نفوذ حزب امتدّ «أكثر من اللزوم» بالمعنى المعهود لحركات القوى المقاتلة حول العالم. لم يسبق أن تخطت هذه الحركات حدود البلدان التي تنتمي اليها. لم يسبق أن أنشئت تحالفات سياسية طويلة الأمد مع دول من دون المرور بالدولة. كل هذا واقع أسر الكيان «الإسرائيلي» منذ خطيئة وزير الحرب آنذاك الذي اعتزل السياسة ايهود باراك على ما وصفها أحد المعلقين «الإسرائيليين».
إذا كانت خطيئة إيهود باراك الانسحاب من جنوب لبنان، فإن الخيار بالنسبة إليه كان حينها محدود التداعيات عملاً بالقراءة «الإسرائيلية» التي رأت في الانسحاب من الجنوب انكفاء للعمليات رخاء يمنح لحزب الله ويتكفل بالتخلص من الروح المقاتلة المتجذرة بين ابنائه اضافة الى فقدان الحيلة من التصدي لعمليات الحزب التي تكثفت ضمن الشريط الحدودي بالأيام الأخيرة قبل الانسحاب.
تشاهد «إسرائيل» اليوم بصمت ما آلت إليه الأمور، تدرك جيداً ان مشروع إسقاط سورية ولّى الى غير رجعة منذ إعلان حلفاء الاسد عدم تخلّيهم عنه. تدرك «إسرائيل» ايضا ان الامور لم تعد كما كانت. المفارقة ان العملية على سورية وقبلها حرب تموز عام 2006 كانت تهدف الى التخلص من حزب الله وسحقه كما عملت لسنوات. الهدف الاكبر هو سحق الحزب، الخطة الاولى حرب مباشرة اما الثانية فإغراقه بأتون الطائفية. هي حرب بالوكالة كما حصل.
ليست «إسرائيل» تلك التي تجهد لتحقق انجازا واحدا تضيفه الى سجلها الأمني دون نتيجة، ليست «إسرائيل» تلك التي يحتشد العالم لأجلها. يهاجم سورية للتخلص منها ومن حزب الله فتستعر الحرب اقليمياً من جهة لتتوقف عند حدود توقيع اتفاق إيراني غربي تاريخي.
الامور تتعقد تدريجياً لتصل الى مرحلة الحضور الروسي الذي لا يمكن التعاطي معه، كما كان الموقف من دونه عرضاً عسكرياً لحزب الله في القصير السورية بمدرعات ودبابات، من دون تحديد عناوين ولا إعلان.
عرضه «رسالة»، فحزب الله ليس استعراضياً.
«كلهم» عرفوا ذلك..
يبدو الحزب منظماً اكثر من اي وقت مضى، متعافياً أكثر من أي وقت مضى، منتصراً أقرب من أي وقت مضى.
كان من المفترض ان تحد الحرب على سورية من نفوذ حزب الله فسحقه من الوجود ليتبين أن الحرب على سورية افتتحت جزءاً آخر من الحروب بدأ في اليمن، تعزز في العراق، فإذ بحزب الله ينتشر بدل الانكماش فيخرج من الحدود اللبنانية.
يشبه حزب الله اليوم بالنسبة لـ «إسرائيل» خلايا تتفشى من دون علاج، لا شفاء حتى ينتشر هذا الحزب من دون آفاق ليقضي عليها..
يسأل أنصار حزب الله عن تلك الدبابات في سورية «من سيمنع الحزب من استخدام خيار بري، من هذا النوع فيدخل شوارع الجليل الأعلى والجولان، بل أبعد من هذا.. القدس المحتلة مثلاً في أي حرب مقبلة؟».