هل أنهى «داعش» ما أوكل اليه من مهام في خريطة «الشرق الأوسط الجديد»؟
حاتم الشلغمي – تونس
لم يعد خافياً على المتابعين للشأن السياسي أنّ التحالف القائم بين ثالوث الصهيونية العالمية والرجعية العربية والدين السياسي حامل مشروع «الربيع العربي» يرمي الى تحقيق أهداف مزدوجة ومتناقضة من جهة وأهداف استراتيجية ذات أولوية مطلقة من جهة أخرى، وهي أهداف راسخة في العقل الغربي بعامة، ودوائر القرار الأميركي بخاصة، يبقى مرماها الرئيس في الشرق الأوسط، والتي وصفها السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بمناسبة عيد الانتصار بـ»المسار»، بمعنى نسق الأدوات والتكتيكات والمخططات التي تخدم هذه الأهداف الرسمية.
لم يعد خافياً أيضاً أنّ انتصار المقاومة اللبنانية على الكيان الصهيوني، أداة الاشتباك الأولى في الشرق الأوسط، كان منعرجاً تاريخياً وحاسماً في تاريخ المنطقة في مواجهة المشاريع الغربية بعامة، وفي تاريخ الصراع العربي ـ «الاسرائيلي» بخاصة. فكان هذا الانتصار إعلاناً رسمياً صريحاً عن سقوط مشروع «الشرق الأوسط الجديد» أو بالأحرى نسخة منه الذي أفصحت عنه وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس من قلب تل أبيب و في أوج الحرب، قبل أن تبتلع غصّة الهزيمة التي لا تزال في حلق الإدارة الأميركية بنسختها «الأوباماوية».
ولا يخفى علينا جميعاً أنّ الدولة الوطنية السورية، حاضنة المقاومة وقلعة الصمود الأخيرة، تتعرّض لأسوأ نسخة من المشروع ذاته عبر فرض حرب ضروس تحالفت فيها كلّ المتناقضات، وتآزرت فيها أجهزة المخابرات المائة التي تدور في فلك وكالة المخابرات الأميركية ووُضعت في ميزانيتها مليارات الدولارات، ولكن الدولة السورية تنجح في كشف المؤامرة وتفكيكها، وتنجح في الصمود وينجح جيشها العربي في فرض معادلاته الى أن أوصل البلاد الى الانتخابات التي منح فيها ملايين السوريين داخل الجغرافيا السورية وخارجها ثقتهم في الرئيس بشّار الأسد الذي أصبح رمزاً أسطورياً لصخرة الصمود.
صمدت سورية، لكن حلف التآمر والعدوان لم ييأس، وما زال يراهن على إسقاطها، بل يتحدّى أخطاراً قد تهدّد وجوده بارتداد الخطر الإرهابي التكفيري الذي اكتنز خبرة قتالية عالية وفائض عنف كارثي حتماً أنه سينزل كالسجّيل على هذا الحلف وبلدانه التي صدّرت الإرهاب إلى سورية.
في هذا السياق لن نتحدّث عن «داعش» بما يعبّر عنه من عقلية وعقيدة، سياسية أو عسكرية. فلقد تحدث العديد من المقالات والحوارات عن هذا التنظيم كنسق وكحالة، بمعنى جيل جديد للإرهاب أو بالأحرى حفيد جيني لتنظيم «القاعدة»، التلميذ النجيب لوكالة المخابرات الأميركية، والذي كان أداة لحرب شاملة على الاتحاد السوفياتي، وإنشاء منطقة عازلة تحول دون الترابط الروسي ـ الصيني ـ الإيراني، والذي شكّل ذريعة لاحتلال افغانستان بدعوى «مكافحة الإرهاب» التي تعيدنا من جديد إلى المشهد في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية والعراق.
فالحلف الدولي «لمكافحة الإرهاب» الذي يقوده أوباما، والذي كان يُسمّى من قبل «أصدقاء سورية»، قدّم الغطاء السياسي والعسكري لتكوين كلّ أصناف الجماعات المسلحّة في سورية، وتغاضى عن عمليات التسفير والتسليح والشحن والتمويل، يريد هذا الحلف «مكافحة الإرهاب» بعد استنفاذ كلّ أشكال الاستثمار فيه، وأوباما الذي ما زال يغوص في مستنقع أفغانستان بدعوى محاربة «القاعدة» الإرهابية، يفتح تنظيم «طالبان» مكتباً على مقربة من قاعدة العيديد الأميركية العسكرية في قطر، وهي قطر نفسها التي يشكرها رئيس الوزراء اللبناني تمّام سلام «بكلّ قوة» على جهودها في الوساطة مع «داعش» في قضية اختطاف وأسر بواسل الجيش الوطني اللبناني في عرسال. أوباما الذي يريد مكافحة الارهاب وحليفه الرسمي المملكة السعودية التي تحتضن قواعد بلاده العسكرية كاحتضانها للعقيدة الوهابية التكفيرية، منطق «داعش» الأصلي، والذي يعلن عن إقدامه على إنشاء معسكرات تدريب لمن بايع «داعش» في يوم ليس ببعيد… الأمر الذي يجعلنا نتساءل: ما هو الإرهاب الذي يريد أوباما محاربته بالضبط؟ وهل انّ «داعش» العراق ليس «داعش» سورية منطقاً وعقلاً وعقيدة، لكي يتمّ وصفها بالقوى «المعتدلة» التي يجب دعمها في مقاتلة النظام في سورية سواء من جهة الشرق او الجنوب من جهة القنيطرة؟
اذن… لنفهم انطلاقاً من كلّ ما سبق من أسئلة ومن أحداث، أنّ «داعش» قد قام بما أوكل اليه من مهام وهي إنشاء منطقة عازلة تفصل إيران والعراق عن سورية وتثبيت خارطة كردستان العراق الوسيلة الاولى نحو تفتيت كامل البلاد والعبث بالبشر والارض والتاريخ والعقائد لتكريس ذريعة التدخل الأميركي في المنطقة، الذي بقدر ما يسعى الى «تقليم أظافر» داعش وإعادته الى الجغرافيا السورية، فهو أيضا يسعى جاهداً لفرض حرب ضروس على الجيش العربي السوري الذي يحارب الإرهاب بكلّ جدية منذ ما يقارب الأربع سنوات، ومن ثمّ الاستفراد بالمقاومة اللبنانية ذات العقيدة القتالية العالية التي تصنّف في العقل الأميركي بأنها «إرهابية» فقط لأنها تعادي «إسرائيل» التي تدخل على الخط ضمن السيناريو المتكامل لمحاصرة أضلع محور المقاومة من غزّة الى الموصل مروراً بالقنيطرة.
اذن… الحرب على الإرهاب تعدّ الحيلة الأميركية «الاسرائيلية» الجديدة القديمة التي تسعى لتنفيذ الاهداف الاستراتيجية الرئيسية، ألا وهي قتال دمشق ومحاولة إسقاط نظام الرئيس بشّار الاسد، الذي أسقط بفضل صموده وبسالة جيشه، كلّ المساعي الوحشية والمحاولات الإرهابية التي تريد تفتيت سورية وتفكيكها، وبالتالي تفكيك كامل محور المقاومة والممانعة.
بعدما تقهقر «داعش» ووصل بوحشيته الى الحدّ الأقصى الذي استوفى من خلاله أغلب المهام الاستراتيجية الموكلة اليه في الشرق الأوسط، الذي يبدو «جديدا» بفرض واقع الدم والمأساة على كلّ شعوبه، استنفر حلف العدوان على سورية نفسه في خضم سيناريو هوليودي قديم -جديد تحت مسمّى «محاربة الإرهاب»، الذريعة المؤكدة لفرض تدخّل جديد في سورية، أو شنّ عدوان عليها، يجب على محور المقاومة وحلفائه وضع خطوط حمراء وإعادة ترتيب الأوراق وتغيير قواعد اللعبة، ومنها قواعد الاشتباك التي تتيح له استباق ونسف كلّ ما يُحضّر له.