الحريري يناقش صيغة الـ24 مع عون… وعودة الثلاثينية للواجهة إصرار على الولادة خلال الأسبوع كي لا تصير قيصرية
كتب المحرّر السياسي
حرّك وزير الخارجية الأميركية جون كيري أقنية الدبلوماسية الأميركية لمنح الشهرين المقبلين قبل تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب ما يكفي من فرص لصناعة التفاهمات الدولية والإقليمية، التي تتناسب مع طروحات الرئيس المنتخب وتعبر عن مواقف بدأت قبل انتخابه، بدعم الرئيس باراك أوباما لمساعي كيري على جبهتَيْ التفاهم مع موسكو حول الحرب في سورية، والمبادرة لحل سياسي في اليمن، وحيث كان التعطيل الأبرز من داخل إدارة أوباما من الفريق المساند للمرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون.
جدّد كيري اتصالاته بوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف استئناف المحادثات في جنيف على مستوى الخبراء، بينما تستكمل الاستعدادات في حلب لعمل عسكري هادئ ينضج حسم حلب كلياً في عهدة الجيش السوري، وجعلها خارج كلّ مساومة بتوافق سوري روسي إيراني لا رجعة عنه، ولأنّ التوقيت غير مناسب سورياً قبل حسم حلب، توجه كيري نحو مسقط لردّ الاعتبار لمبادرته اليمنية، حيث سيلتقي وفداً قيادياً من أنصار الله.
في لبنان لا يزال التناوب بين صيغتين للحكومة واحدة بدزينتين من الحقائب تستبعد عدداً من القوى عن التمثيل الحكومي وتصطدم باعتراض رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله، وتريح القوات اللبنانية ويرغب بها رئيس الجمهورية من باب الرشاقة عارضاً التساهل في حصته لضمان توسيع التمثيل فيها، ويريدها رئيس الحكومة بذريعة تضييق الشهية على التوزير، بينما يريد عبرها توسيع شهية البطون الكبيرة على حساب الأفواه الصغيرة.
الصيغة الثانية الثلاثينية تتناسب مع صفة الحكومة المرتبطة بوضع قانون جديد للانتخاب، والسير نحو الانتخابات، فتتمثل كلّ القوى الموجودة على طاولة الحوار الوطني، بما يتيح قانوناً توافقياً يُرضي الجيمع ويتمتع بمشروعية تسبق شرعيته القانونية والدستورية، وقد عادت هذه الصيغة للواجهة مجدّداً مع تليين المطالب ومناشدة غير مباشرة من رئيس الجمهورية للأطراف لتخفيض سقوف طلباتها وتزويد الرئيس المكلف ببدائل وخيارات موازية تمكنه من التسريع بالتأليف الذي يعبّر تجاوب الأطراف معه كمطلب تعبيراً مباشراً عن صدقية كلامها عن رغبتها بإقلاع قوي للعهد مع الحكومة الأولى وترجمة للموافقة على مهمة الحكومة بالتحضير لقانون اتخابات وإجراء الانتخابات في موعدها، ما يستدعي ولادة القانون الجديد في مهلة أقصاها شهر شباط المقبل، وبالتالي نيل الحكومة الثقة في منتصف الشهر المقبل على أبعد تقدير، وإلا صارت الولادة القيصرية محفوفة بمخاطر التأخير، ومتى تخطّت الولادة موعد نهاية الأسبوع صارت المهل عرضة للتأجيل.
الحريري في بعبدا ولا صيغة نهائية
لم يقدّم الرئيس المكلّف سعد الحريري الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال لقائهما أمس، صيغة نهائية للحكومة، رغم ارتفاع منسوب التفاؤل، ما يجعل الرئيسين في سباق مع الوقت خلال الأيام الفاصلة لعيد الاستقلال الموعد الذي اتفق عليه الرؤساء الثلاثة بعد التكليف كحدٍ أقصى للتأليف الذي في حال طالت مدته الى ما بعد الثلاثاء المقبل يمكن أن يفتح المشهد الحكومي على احتمالات عدة أقلّها سوءاً تراجع الاندفاعة التي تولدت لدى الأطراف كافة منذ لحظة انتخاب عون رئيساً.
فبعد لقائه مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري السبت الماضي توجّه الحريري أمس الى بعبدا للقاء الرئيس عون لإطلاعه على حصيلة الاتصالات التي أجراها خلال الأيام الماضية مع الأطراف السياسية، تمهيداً لرفع صيغة التشكيلة الحكومية الجديدة وعرضها على رئيس الجمهورية. وأشار الحريري إلى أنه سيواصل اتصالاته بالمعنيين، ولا سيما أن أجواء إيجابية توافرت نتيجة هذه الاتصالات.
وقالت مصادر مستقبلية لـ «البناء» إن «مسألة تشكيل الحكومة قد تأخذ بعض الوقت، لكن الأمور مسهّلة ولا تعقيدات مستعصية أو غير قابلة للحل»، موضحة أن «هناك أكثر من صيغة يتم تداولها بين الرئيسين عون والحريري، لكن لم تتوصل المشاورات والاتصالات التي أجراها الحريري الى صيغة حكومية نهائية، وبالتالي الأمور تحتاج الى مزيدٍ من النقاش وتدوير الزوايا لاستيعاب مطالب كل الأطراف». وأشارت المصادر الى أن «شكل الحكومة لم يُحسم بعد، كما حقائب وأسماء عدة لم يحسم أمرها بانتظار حل العقد الأساسية».
وقالت مصادر في التيار الوطني الحر لـ «البناء» إن «الرئيس الحريري قدّم للرئيس عون صيغة أولية للحكومة لكن غير مكتملة لاطلاع رئيس الجمهورية على ما توصل إليه الرئيس المكلف مع الأطراف والعقد، التي مازالت تعترض إخراج التشكيلة النهائية الى العلن»، متوقعة أن تتضح الأمور خلال اليومين المقبلين، مؤكدة أن «مدة تشكيل الحكومة لن تطول وغير مسموح أن تتعدّى موعد عيد الاستقلال لا سيما وأن عهداً جديداً قد بدأ بعد انتخاب عون، وبالتالي نمط تشكيل الحكومات يختلف عن السابق. وصحيح أن الرئيس المكلف هو المولج تشكيل الحكومة، لكن يتم ذلك بالاتفاق مع رئيس الجمهورية الذي لن يسمح أن تطول مدة التأليف ويقدم التسهيلات كافة ولم يضع فيتوات على أحد». ولفتت المصادر إلى أن «رئيس الجمهورية سيحسم حصته وحصة التيار الحر فور الانتهاء من تلبية مطالب الأطراف، رغم حسم بعض الحقائب له»، موضحة أن «الدلع السياسي والشهية على التوزير يؤخران مسألة التأليف وليس أموراً جوهرية».
ورفضت المصادر الدخول في بورصة الأسماء، «لأن أغلب الوزارات تتغيّر أكثر من مرة في اليوم الواحد». لكنها أكدت «أن حقيبتي الدفاع والخارجية قد حسمتا لرئيس الجمهورية والتيار وهناك أسماء عدة مرشحة لوزارة الدفاع، بينما حسمت الخارجية للوزير جبران باسيل فضلاً عن حقائب خدمية لم تُحسم بعد».
وأضافت المصادر أن «العقدة تبقى في شكل الحكومة التي تخضع للتجاذبات بين 24 وزيراً والثلاثينية»، وأشارت الى أن «تصغير حجم الحكومة اقتراح جديد من رئيسي الجمهورية والحكومة ليس المقصود منه إقصاء أطراف معينة بل لتقليص العدد لتسهيل التأليف، ولكن ستبقى حكومة وحدة وطنية، فالوقت لم يستنزف لإخراج الحكومة الى النور قبل عيد الاستقلال». ولفتت المصادر الى أن العقدة ليست عند حزب القوات الذي لديه مطالب ويجب أن يتمثل بشكلٍ وازن وعادل، والحل بأن تُسند إليه وزارات خدمية بدلاً من السيادية، لكنها أوضحت أن «التفاهم بين التيار والقوات لم يبنَ على أن القوات بديل للتيار الذي لم يمُتْ لترثَهُ القوات، بل التفاهم بينهما كان خياراً واعياً فرضته الضرورات والخيارات السياسية لتعزيز الشراكة المسيحية في الوطن».
وعلمت «البناء» أن قائد فوج المغاوير السابق في الجيش العميد شامل روكز لن يكون في هذه الحكومة بل سيكون نائباً لكسروان – الفتوح مكان الرئيس عون، كما علمت أن «الوزير السابق فيصل كرامي سيكون مبدئياً من حصة رئيس الجمهورية، لكن لم يُحسم بعد بانتظار حسم الشكل والتوزيع النهائي للحكومة».
.. وصيغة الـ24 لا تلقى تجاوب بري
وفي غضون ذلك، أعلن المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب وزير المال علي حسن خليل أننا «سنشهد خلال أيام ولادة حكومة تعطي دفعاً لوضعنا الاقتصادي والمالي»، وغرّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «يبدو أن الأمور تحتاج الى مزيدٍ من التشاور».
وقالت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» إن «الأمور مسهّلة أمام تأليف الحكومة التي ستشكل في وقتٍ قريب رغم ما تشهده من عقبات أو عقد، لكنْ هناك تقدم هام وملموس قد حصل في الأيام القليلة الماضية»، ولفتت الى أن «الأمور لازالت في دائرة التوزيع السياسي العام ولم يتم الانتقال بشكلٍ مركز ومفصل على نوعية الحقائب والأسماء التي قد تتغيّر بين ليلة وضحاها أشبه بلعبة الشطرنج بالنسبة للقوى السياسية».
وعن عمل بعض الأطراف لتأخير تشكيل الحكومة لخلق مبررات قانونية لتأجيل الانتخابات النيابية المقبلة، لفتت المصادر الى أن «هذا الأمر سبق وحذّر منه رئيس المجلس، لكن لا مصلحة للرئيس عون ولا للرئيس المكلف بأن يسمحا بذلك، لأنهما أول المتضررين». وأكدت أن «لقاء بري – الحريري السبت الماضي كان إيجابياً ورئيس المجلس يعمل على تسهيل التأليف وليس عرقلته، كما يحاول البعض أن يوحي».
وأضافت أن «بري مصرّ على حكومة وحدة وطنية وأن يتمثّل الجميع فيها وأن صيغة 24 وزيراً غير واقعية ولم تلقَ تجاوب رئيس المجلس، لأن هذا العدد لا يستطيع استيعاب كل الاطراف»، موضحة أنه «إذا كان الهدف ترشيق حجم الحكومة، وفي الوقت نفسه تضمّ الأطراف كافة وتراعي التوازنات السياسية فلا مانع لدى بري بذلك».
وعن الانتخابات النيابية المقبلة وقانون الانتخاب، لفتت الى أن «رئيس المجلس أعلن رفضه لتأجيل الانتخابات وقال أيضاً إن قانون الستين نحر للعهد»، مشدّدة على أن «المجال متاح لإقرار قانون جديد للانتخابات عادل ومنصف لكن الأمر رهن نية الأطراف، خصوصاً أن هناك تقدّماً على هذا الصعيد والخلاف تم حصره بتقسيم الدوائر وبالنظام الأكثري أو النسبية أو المختلط».