أميركانيا من بطة عرجاء إلى… «نيو ستايل» قيد التشكيل!

محمد ح. الحاج

منذ أشهر والقول المتداول إنّ الادارة الأميركية بطة عرجاء، وهذا يحصل في أميركا كلّ أربع سنوات، أيّ السنة الأخيرة من فترة كلّ رئيس، اللافت أنّ مصطلح البطة العرجاء يعني ارتباك السياسات، وقرارات الرئيس والمجلسيْن، والتي تصبح محكومة للدعاية والمكاسب الانتخابية، وقد تأتي متناقضة ومعاكسة للخطط السياسية الموضوعة مسبقاً، في أميركا وحدها هذا مسموح.

منذ أشهر والحال في أميركا أشبه بصراع الديكة، استعراضات لافتة ومناظرات كلامية لم تخل من الكلمات القاسية أو التشهير والتهديد، والوصف الشخصي المتبادل بين طرفي السباق، وأما الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته فهو المحكوم حزبياً بمساندة مرشح/ة الحزب بكلً وسيلة، تتجمّد القرارات التي تعارض المزاج العام في عملية استرضاء واستجداء للأصوات، وأكثر ما يصبح محكوماً بالعرج هو تفاصيل السياسة الخارجية، والعسكرية منها على وجه الخصوص.

منذ أشهر والضياع والتردّد يتحكم بمفاصل السياسة الأميركية، لدرجة لجأ معها الرئيس إلى إجراءات عسكرية سرية وعلى نطاق ضيّق حتى لا يستفز الرأي العام المعارض لانخراط الولايات المتحدة في الصراعات العسكرية، والتي تكون نتائجها خسائر بشرية تثير معارضي الحرب وهم من كلّ الأحزاب، ديمقراطيين وجمهوريين على حدّ سواء، الرئيس اوباما لجأ إلى إرسال مجموعات صغيرة تحت عناوين الخبرة والتدريب والإشراف على الأسلحة و… الكثير من الذرائع، إلى العراق وإلى سورية بدرجة أقلّ، بالنتيجة تكشف أنّ الوحدة العسكرية الأميركية التي دخلت الأراضي السورية توسّعت لتشكل قاعدة تضمّ الطائرات، الحوامات أو طائرات النقل، ثم لتتكشف النوايا الأميركية تجاه دير الزور ومنطقة الجزيرة العليا التي أرادتها منطقة إدارة ذاتية كردية تحت حمايتها وهذه كانت سبباً رئيساً في إثارة الحكومة التركية والدافع إلى تدخلها عسكرياً لقطع الطريق ومنع التواصل الكردي… هل يمكن تفسير الصمت الروسي واستطراداً السوري أنه موافقة على اعتراض المشروع الأميركي، وماذا عن مستقبل الوجود التركي، وهل هناك اتفاقات سرية تقضي بخروجه في زمن ما؟

حكومة الظلّ الأميركية…

لن تطول حالة عرج السياسة الأميركية بعد الانتخابات والنتيجة المذهلة التي فاجأت العالم خارج الولايات المتحدة، وبعضه، ومنهم العرب أصيبوا بخيبة الأمل طالما تخوّفوا من تصريحات المرشح الجمهوري الرئيس لاحقاً، ولم يكتم أغلبهم صدمته بهذه النتيجة بعد استطلاعات الرأي التي خرقها الجمهور وجعلها بلا طعم ولا لون، الاستطلاعات جاءت فاشلة، فالفارق البسيط الذي سجلته لصالح المرشحة الديمقراطية انقلب كبيراً لصالح المرشح الجمهوري، وبعض الذين دفعوا وموّلوا وأنفقوا وكانوا على ثقة من الفوز الديمقراطي ضربوا كفاً بكف وتنهّدوا بحسرة.. الأعراب أكبر الخاسرين، لكن، أوروبا قادرة على تجاوز النتائج، وربما تقوم حكومة الظلّ الأميركية بما يلزم لفرملة اندفاعة الرئيس الجمهوري والانسحاب من كثير من وعوده أو تهذيبها وخاصة في ما يتعلق بقانون «جاستا»، أو تمتين العلاقة والتنسيق والتعاون مع بوتين روسيا.

ما وعد به الرئيس الجديد كثير، ومتعدّد الجوانب على الأصعدة الداخلية، اجتماعياً، تخفيض ضرائب، توفير فرص عمل، منع الهجرة، وخارجياً التعاون مع بوتين لحلّ مشاكل المنطقة ومحاربة داعش، لكنه لم يعد خيراً تجاه كلّ من إيران والصين، والسؤال أين سينجح وأين سيفشل، وأين سيفرض عليه التكويع بضغوط من المجلسيْن أو حكومة الظلّ والجماعات التي تشكل أكثر من لوبي على ساحة ولاياته؟

قد ينجح ترامب على الصعيد الاجتماعي ويخفض الضرائب، ويوفر المزيد من فرص العمل إذا لجأ إلى منع الهجرة أو منع توظيف المهاجرين غير الشرعيين على الأقلّ، مع أنه حتى في هذا المجال سيواجه معارضة ليست سهلة التجاوز، وقد يلجأ كما قال إلى بناء جدار فولاذي على طول الحدود مع المكسيك، مع ذلك لن تتوقف الهجرة واختراق الحدود بوسائل أخرى، أنفاق، سلالم حبال… وسائل عديدة يبتدعها الإنسان لتجاوز العوائق الطبيعية والمصطنعة، وهكذا سيكون النجاح جزئياً وغير ذي جدوى، ولن تظهر نتائجه الهزيلة إلا بعد سنوات.

الأمر الأكثر صعوبة هو قدرة ترامب على تحقيق توجهاته في ما أعلنه بخصوص السياسة الخارجية، سواء لناحية إيجابيته الخطابية تجاه الرئيس بوتين أو حتى تجاه الرئيس الأسد والمشكلة السورية، أو موقفه السلبي من إيران وحديثه العدائي تجاه الصين، ويبقى أنّ رأيه الشخصي أمر منفصل تماماً عن قدرته على التطبيق لأسباب وظروف موضوعية تفرض نفسها وتقف إلى جانبها جهات أميركية داخلية أو حتى دولية لها وزنها وتأثيرها على السياسة الخارجية، اقتصادياً أو عسكرياً وينتفي وجود المجاملة والعواطف الشخصية في العلاقات الدولية.

منذ عقدين وأكثر تعمل الولايات المتحدة وحلفها الناتو على تطويق روسيا الاتحادية ودخول حديقتها الخلفية وقد نجحت، وهذا أمر تعرفه القيادة الروسية تماماً وتبني سياستها على هذا الأساس، ورأى العالم من جديد موقفاً روسياً فيه العزيمة والإصرار على استعادة الموقع الدولي الذي كان للاتحاد السوفياتي السابق، والذي فقدته روسيا الاتحادية لعقدين انفردت أميركا خلالهما بقيادة العالم، وقيل فيها وحيد القرن، اليوم تستعاد الندية وثنائية القوى على الساحة الدولية، ونشأ حلف قوي ما زال مجهولاً بالنسبة لكثير من دول العالم التي تعتقد أنّ الناتو هو القوة العظمى الوحيدة على الساحة… لكن «بريكس» حلف ذو شأن كبير بقواه العسكرية والاقتصادية، فهل تسمح الكارتلات الاحتكارية الأميركية للرئيس الجديد بتوثيق العلاقة مع الرئيس بوتين وروسيا بوجود الصين وإيران وجنوب أفريقيا، واستطراداً هل تسمح المؤسسة العسكرية الأميركية ومعها دول حلف الناتو بمهادنة روسيا وتخفيف الطوق والحصار عنها وتطبيق اتفاقيات قديمة تمّ تجاوزها بما يتعلق بالقوى الصاروخية والنووية والقواعد التي تتزايد ومنها في دول الجوار الروسي وليست لأغراض النزهة والفولكلور، ونرى في المقابل الانتشار الروسي الكثيف في المياه الدافئة وإنشاء القواعد البحرية والجوية والدفاع المستميت عن الدولة السورية لمنع وقوعها بين براثن الغرب أو تقسيمها وإضعافها وجعلها إمارات هامشية خدمة للعدو الصهيوني أولاً وبشكل ما لاستمرار وديمومة الأنظمة الرجعية في الخليج المحمية من قبل الإدارة الأميركية.

ترامب عندما أشاد بالرئيس الروسي كان يلعبها ورقة الجوكر، وعندما قال إنّ الرئيس الأسد أكثر ذكاء من أوباما وكلينتون إنما كان يسوّق نفسه شخصياً وأنه الأذكى، لكن ذلك لا يعني أنه سيتعامل مع الرئيس الأسد بمعزل عمن يصنع السياسة الأميركية ويضع خططها فعلاً، ولا حتى مع الرئيس بوتين أيضاً، وتظلّ تصريحات ترامب مجرد كلمات مرشح استنفذت غايتها وستذهب طي النسيان.

ترامب لن يستطيع الانقلاب على الاتفاق مع إيران ولا إلغاءه، هذا ما قاله الرئيس روحاني مستنداً إلى أنّ الاتفاق ليس مع الولايات المتحدة لوحدها بل مع الدول الست الكبار وأقرّته الأمم المتحدة، قد يساوم على بعض ما فيه فإنْ رفضت الحكومة الإيرانية الاستجابة فإنه لن يستفيد من مناورته، لأنّ هناك أوساطاً في الكونغرس الأميركي لن توافق على الإلغاء.

في الشأن الصيني، وسواء كان الرئيس الجديد معجباً بالقيادة الصينية أو بالدولة كلها أو غير معجب فإنه لن يكون بمقدوره تجاوز هذه القوة الصاعدة والتي تقترب من أن تكون الأولى عالمياً على الصعيد الاقتصادي، وقد يتذكر ترامب أنّ ولاياته المتحدة مدينة للعملاق الصيني بالكثير مالياً، وأنّ قوته العسكرية لن تكون صاحبة الكلمة وحدها في منطقة بحر الصين والمحيط، فهناك القوة الصينية التي بدأت تستطيل أظافرها والتي لن تستمرّ في القمقم، الصين مارد بدأ الخروج من القمقم وقد لا تنتهي ولاية ترامب الأولى إلا والعالم خاضع لثلاثية القوى العسكرية، وللقوة الصينية أدواتها ومخالبها خارج الصين، وعلى ترامب أن يتذكّر كوريا الشمالية وأنّ حكومته أعجز من أن تعاقبها، فالتجويع لا يجدي والدولار غير معترف به هناك.

مفاجأة أوروبا والعالم ستكون سياسة الرئيس الجديد التي لن تتوافق ولن تنطبق على ما أعلنه، وحدهم الروس وحلفاؤهم يدركون حجم وقدرة ترامب على التغيير، ولم يبنوا على كلامه قصوراً وأحلاماً وردية، ووحدهم الفلسطينيون لن يدخلوا خارطة اهتمامات رئيس أميركا الجديد فهو لم يذكرهم حتى، كما ذكرهم أوباما، وإذ لم يحصدوا في ولايتي أوباما أيّ مكسب، فإنه جدير بهم التحسّب مما يخبّئه لهم المستقبل، لا سيما ما يخططه «ايباك» ورئيس وزراء الكيان الصهيوني نتن ياهو.

لم أتطرق في توقعاتي لموقف ترامب من دول الخليج فهو أعلنه وقد يطلق الـ «جاستا» دون مراعاة لمن يعارضونها في الداخل الأميركي، ولن أراهن على موقف له يفيد القضية السورية بشطريها العراقي والشامي، ويبقى أنّ علينا التذكر أنه رئيس تنفيذي ليس إلا…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى