لماذا أسّس سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي؟

الرفيق غسان عقاد

كناقد قرأت في جريدة «الأخبار» عدد 3023 الأربعاء تشرين الثاني 2016، مقالة للدكتور علي حمية تحت عنوان «لو لم يؤسّس سعاده حزباً سياسياً»

نوافق د. حمية على الكثير مما جاء في مقاله، ونقدّر عالياً هذا الشغف في طلب المزيد من أبحاث سعاده الفلسفية والاجتماعية والأدبية… لو قدّر له أن يحيا لفترة أطول، أو لو أتاح له المنضوون إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وقتاً ليتفرّغ للكتابة والإنتاج الفكري للتوسع في شرح فلسفته الجديدة وأفكاره التحرّرية التي هي ليست حاجة للأمة السورية فحسب بل للعالم أجمع.

آه معبّرة خرجت أعماق قلب د. حمية يشعر بها كلّ مؤمن بفكر سعاده لكن الاختلاف بين آهاته وآهاتنا من أبناء مدرسة سعاده هو التباين بيننا وبين ما تمناه د. حمية حين قال: «يا ليت سعاده لم يؤسّس حزباً وتفرّغ للكتابة والتأليف كغيره من الفلاسفة الكبار».

أما آهاتنا نحن هي الآفات التي ما زالت تنحر بأمتنا بعد أربعة وثمانين عاماً على تأسيسه للحزب. قدّم خلالها القوميون الاجتماعيون وما زالوا وسيبقون يقدّمون أغلى ما يملكون حتى الدماء التي تجري في عروقهم، لنشر الوعي والدفاع عن الأمة التي آمن بها سعاده، أمة حية هادية العالم بها كلّ حق وخير وجمال.

أسّس سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي حزباً عقائدياً وليس سياسياً حتى أنه منع القوميين الاجتماعيين من التكلّم في السياسة وحصرها برئاسة الحزب، المجلس الأعلى ومجلس العمد، بعد تعريفه للسياسة بأنها فن لخدمة الأمة ومصالحها.

أسّس الحزب لأنّ منطلقات فكره هي الثوابت التي تصبّ بها المتحركات فتزيدها ثباتاً أليس هو من جعل أيام الشهر تصبّ في أيام الأسبوع لأنّ أيام الأسبوع ثابتة أما أيام الشهر فمتحركة «يوم الأربعاء الواقع فيه…»

ولينطلق من ثابت قال إنّ الحزب هو الدولة السورية المصغّرة، حدّد مفهوم الأمة وحدودها الجغرافية بعد سؤال طرحه على نفسه، من نحن؟ لينطلق من ثابت هو الأمة السورية. أسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي ليكون الإجابة الثابتة على السؤال الذي طرحه: «ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟» فكان الحزب هو المختبر والدواء الشافي لكلّ الأمراض الاجتماعية التي جلبت الويل على هذه الأمة، وهذا بشهادة كلّ من عرفوا الحزب أصدقاء أو أخصام.

ألم يقل سعاده إنّ أفضل ما قام به هو تأسيس الحزب السوي القومي الاجتماعي هو وضع دستور للحزب، ومما يعني أنّ التأسيس كان أفضل عمل قام به.

ألم يقل وهو ذاهب إلى الاغتيال «الإعدام» إنّ الجميع يموتون ولكن قليلين من يحظون بشرف الموت من أجل عقيدة».

ألم يقل أيضاً: «إني أموت أما حزبي فباقي».

آمن سعاده بالأعمال لتحقيق الأهداف، وأنّ العمل الفردي لا يصل إلى نتيجة مرجوّة إلا لصاحبه أما الأمة فبحاجة للعمل الجماعي المنظم كي تكون أمة حية تترك بصماتها في حركة التطور والتاريخ، فوضع فلسفته الجديدة المدرحية، أرفقها بالإنسان المجتمع الذي يتفاعل عمودياً وأفقياً بين المادة والروح، الإنسان والبيئة والإنسان والإنسان. فكانت الحاجة لتأسيس حزب نظامي مختبر لهذه التفاعلات.

ألم يقل سعاده: «إننا نعمل لأجيال لم تولد بعد»

فَمَنْ أجدى وأجدر بالعمل الجماعي من الحزب الذي أسّسه سعاده لتبقى شعلة أفكاره وفلسفته مضيئة تستقبل الأجيال بعد الأجيال في مدرسة الحياة.

سعاده الذي تعاقد معنا وتعاقدنا معه على قضية تساوي وجودنا، قد وعى بخطورتها منذ تأسيس الحزب. خطورتها على الدول المستعمرة أمتنا من خلال إيقاظ الوعي القومي في الأمة، وخطورتها على عملائهم داخل الأمة الذين أسماهم بيهود الداخل العابثين فساداً مستغلين الطائفية والمذهبية ليسرقوا خيرات الأمة، مستعبدين شعبنا بما يسرقونه من حق هذا الشعب.

كان يحاضر ويشرح العقيدة لتبقى راسخة في عقول الحاضرين لأنه كان يدرك أنّ المدونات ممكن إخفاؤها أو إتلافها من قبل المستعمر والمتسلط كما حدث بكتابه «نشوء الأمة السورية» الذي صادرته سلطات الانتداب الفرنسي ولم يُفرَج عنه حتى أيامنا هذه. فالعقل بما أنه الشرع الأعلى للإنسان كان يتوجه إليه سعاده فيقوم تلامذته بجمعها محاضرات وشروحات على قصاصات من الورق صارت في ما بعد كتباً ومجلدات.

كلّ هذا تمّ بفضل العمل الدؤوب والمنظم الذي قام به القوميون الاجتماعيون المنتمون للحزب السوري القومي الاجتماعي، ولولا الحزب لما كنا قادرين على الإطلاع على هذا الفكر الفلسفي العقائدي المناقبي.

في هذه المناسبة، في الذكرى الرابعة والثمانين على تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي قد رأيت لزاماً علىّ ومن واجبي أن أضيء ولو قليلاً من كثير على حاجة الأمة السورية لوجود الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان وما يزال وسيبقى شعلة منيرة وعلماً خفّاقاً ينادي بحياة سورية ليعرف العالم أنّ هذه الأمة لا ترضى القبر مكاناً لها تحت الشمس، وكنا نهتف بصوت واحد وأياد مرفوعة زاوية قائمة لتحي سورية وليحي سعاده.

منفذ عام منفذية نيجيريا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى