التأسيس مناسبة للمراجعة والتذكير وليست للاحتفال!

محمد ح. الحاج

تصادفُنا الذكرى الرابعة والثمانين لتأسيس حزبنا السوري القومي الاجتماعي والأمة في حال من الفوضى والتردّي والمعاناة من حرب دولية تستهدف وجودها وتقسيم المقسّم فيها وتحويلها إمارات دينية مذهبية أو طائفية إمعاناً في التقسيم وخدمة للمشروع الصهيوني الذي يدعمه العالم دون استثناء ويقف الغرب والكثير من الأعراب حارساً له.

هل ننتظر يوم السادس عشر من تشرين الثاني كل عام لنحصي السنوات التي انقضت من عمر النهضة، أم لنحتفل وكأنها مناسبة سعيدة فقط لا بدّ من إحيائها..! أم أننا مطالبون بغير ذلك من فعل المراجعة والنقد الذاتي ومعرفة ما حققناه عبر عام مضافاً لما تحقق في سنوات مضت، ونقد التقصير ومعالجة الأخطاء والعمل على استدراكها وتجاوزها!

سعاده وضع خطة نظامية ودقيقة لمواجهة خطة منظمة ودقيقة هي الخطة الصهيونية، ووضع لخطته أسساً صالحة ومتكاملة لبناء أمة تستعيد وحدتها وتحقق مبادئها الكفيلة بهزيمة الخطة النظامية الصهيونية، ولم يهمل الشأن العربي فقال بإقامة جبهة تتكفل بالدفاع عن المصالح العربية بوجه الأطماع من أية جهة أتت.

الأسس المتينة التي وضعها سعاده، كان من واجبنا البناء عليها، وهذا ما بدأه الأسلاف منذ لحظة التأسيس وكانوا مدركين ما ينتظرهم من مقاومة القوى المناهضة لاستعادة الوحدة والتقدم الى الأمام والفلاح في مشروعنا النهضوي الكبير، سواء من أدوات الداخل أو من القوى الدولية التي لم تدّخر جهداً في استخدام الأدوات الداخلية وتحريضها ودفعها نحو المزيد من فرض الشرذمة والتشتت على قوى شعبنا وأمتنا في كل كياناتها التي صنعها الغرب وفرض لها حدوداً مصطنعة، وقالوا هذه إمارة هاشمية ولاحقا مملكة، وهذا لبنان الصغير ولاحقاً لبنان الكبير جمهورية وأمة مستقلة، وهذه جمهورية هاتاي ولاحقاً ولاية تركية – اللواء السليب، والعراق فصلوه عن الشام بحدود وخطوط حمراء وثقافة مغايرة بعد أن فصلوا عنه الكوت.. لتصبح أمارة الكويت .. وهكذا.

فكرة النهضة وبنيانها الذي لم يكتمل واجهتْها العواصف المدمرة منذ لحظة النشوء وإعلان التأسيس عام 1932 في لبنان، إذ بدأت مرحلة الحرب الحقيقية التي أعلنتها قوة الاستعمار المنتدبة وأدواته الداخلية فكانت الملاحقات والسجون والمطاردات التي انتهت إلى جريمة تصفية الزعيم المؤسس واعتقدوا أنهم قضوا على النهضة الفكرة .. وكانوا واهمين.

المؤمنون بانتمائهم إلى فكر النهضة التي حققت لهم صحة الانتماء تابعوا مسيرتهم، جهاراً تارة، وسراً تارة أخرى، على مساحة الشام ولبنان، وفلسطين والأردن، وكان النصف الثاني من القرن العشرين مساحة شاسعة تحقق فيها القليل برغم الملاحقات والمنع واستمرار التحريض الخارجي وتشويه فكر النهضة ووصمه بكل الصفات السيئة وبضمنها التبعية والعمالة لبعض دول الغرب، ومشاريعه في المنطقة، وحتى للصهيونية برغم أن أساس فكر النهضة يقوم على العداء المطلق للمشروع الصهيوني وعدم الاعتراف بأي حق لليهود في الأرض الفلسطينية أو سواها.

تنفّس أبناء النهضة قليلاً بعد الحركة التصحيحية التي حصلت في الشام وبتاريخ التأسيس نفسه يوم السادس عشر من تشرين الثاني العام 1970، ويبدو أنه لم يكن مصادفة، إذ لم يكن للصدفة حساب في فكر الرئيس الراحل الخالد حافظ الأسد، بعض المقرّبين أكدوا وهذا أمر طبيعي لقائد بهذه المواصفات أن يطلع على الأفكار والآراء والخطط التي تخصّ دولة يقودها وشعب يعمل لمصلحته… وقد تأكد هذا الاتجاه يوم اتجه لتوثيق العلاقة بين أجزاء الشعب في الأمة الواحدة فكان التنسيق مع الأردن ولبنان، توحيد المناهج التعليمية وفتح الحدود وتوفير احتياجات الكيانين مما تملكه الجمهورية ولا يتوفر عندهما من نفط ومياه وكهرباء وحبوب، ولم يكن الطريق سهلاً فقد أثار هذا السلوك جنون الأغراب والأعراب، فكانت الضغوط والإغراءات لهدم كل ذلك فابتعد الاردن، وتحرك الانعزاليون في لبنان، هدموا وحدة المناهج التربوية، وفعلوا كل ما هو مطلوب منهم لتشويش العلاقات الطبيعية مع الوطن الأم، وهذا كله ساهم في عرقلة تحقيق استكمال البنيان النهضوي الذي جاء توجه الأسد داعماً ومحققاً لأهم جانب فيه وهو استعادة الرابط الشعبي العائلي في الكيانات الثلاثة تمهيداً للوحدة.

البناء النهضوي الداخلي شابه الكثير من الخلل والعقبات ووضع بعضهم العصي في عجلات مسير النهضة، إما لغايات شخصية أنانية حذّر منها المؤسس، وإما لخلافات إدارية واختلافات في الأولويات ووجهات نظر في متابعة المسيرة لتحقيق أهداف التأسيس، ومن العدل استذكار ما حققته قيادات تاريخية من أبناء النهضة القومية الاجتماعية على طريق الصراع لتسجل النهضة مزيداً من الانتشار وإيمان أبناء الأمة بأفكار النهضة وإدراكهم حقيقتهم وهويتهم والانطلاق إلى رحاب الانتماء القومي والعمل لتوسعته وانتصاره على الأفكار الظلامية المغلقة.

رغم الحصار والتضييق على أبناء النهضة في كل الكيانات، ورغم الإمكانات القليلة المتاحة، والتمويل الذاتي فإنه يسجل للنهضة القومية الاجتماعية موقفها العملي الفاعل في الدفاع عن قلب الأمة الشام بوجه عدوان عالمي، لا دولي فقط، ومن كل الجهات وعبر كل الحدود، حتى حدود الكيانات التي تمّ فصلها لتكون بوابات عبور للعدوان. القوميون الاجتماعيون بتشكيلهم المقاتل نسور الزوبعة شهدت لهم الساحات، وحققوا الانتصارات، بذلوا أغلى ما يملكون فأدوا الأمانة وردوا وديعة الأمة… الدماء التي روت ثرى الجزء الأغلى من تراب الوطن الكبير، ونالوا تقدير واحتضان أبناء شعبهم بعد إدراكهم الحقيقة التي كانت مغيّبة إلى حين وما زالوا يتابعون مهامهم، تتضاعف أعدادهم، وينضوي الشباب تحت راية الزوبعة وشعارهم: نموت لتحيا سوريانا… ونحن المنتصرون.

تحية إلى روح الزعيم المؤسس، وتحية إلى كل شرفاء الأمة العاملين لانتصارها وارتفاع بنيان النهضة، والتحية الأعظم لنسورنا البواسل، ولجيشنا الوطني السوري البطل.

وعدا علينا حق، الوقوف خلفهم ودعمهم حتى تحقيق النصر وهزيمة التخلف والتكفير والظلامية عن ربوعنا وإلى الأبد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى