تركيا «الإخوانية» في ظل الاستبداد والعثمنة
رشيد قويدر
تركيا الأطلسي، تركيا أردوغان «الديمقراطية»، والأممية الإخوانية، التي عصفت بالإعلام الحر، كانت بدأت مبكرا بكمّ الأفواه، إستهداف المجموعات الإعلامية المهنية الحرفية، مقدمةً لتنظيف الساحة السياسية أمام «حزب العدالة والتنمية»، حين بدأت هذه المراكز الإعلامية بفضح الفساد المتمثل بهذا الحزب وتدهور علاقات تركيا مع دول الجوار ودعم الإرهاب العالمي المستورد.
عمليات أمنية واسعة دفعت زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كليتشدار أوغلو للقول: «إنه لا يمكن الحديث عن وجود الديمقراطية في دولة تسعى فيها الحكومة لإخراس الإعلام. والحكومة تخذل تركيا وتحط من سمعتها في العالم». تواصلت التعليقات من الأحزاب المعارضة والمجموعات الإعلامية، عبرت عنها ملك ايبيك، صاحبة مجموعة «أكين ايبيك» بآية قرآنية على موقع «تويتر»: «فقالوا على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين»، حين لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في دولة لا تنعم بإعلام حر. وكذلك، تصريحات قيادة «حزب الشعوب الديمقراطي». لا أحد يصدق أن هذه الأحزاب تقدم دعماً مالياً لــ «منظمة فتح الله غولن» المقيم في الولايات المتحدة. وسبق أن تتلمذ في مدرسته رجب طيب أردوغان، نفسه. والنتيجة، أردوغان ذاته، يضيق ذرعاً بالقانون الذي أوصله إلى سدّة الرئاسة، أو يتنكر لها، نحو قانون جديد يحيله إلى سلطان عثماني، واضعاً تركيا ذاتها، على مفترق طرق، في ظل الإستبداد الذي يتعاظم ويتدحرج ككرة الثلج والبطش، بعيداً عن فضاءات التعددية الحقيقية.
تساؤلات مصيرية حول الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، يزداد منسوب البطش، بوشم المستقبل بموشور الظلام، بمنطق الحزب الواحد الأوحد وفرض هيمنته على كامل الحياة، ما يذكرنا بــِ «مرسي وأخونة مصر» التي فشلت، هل هذا هو دين وديدن «الإخوان المسلمين»! وجماعة الإسلام السياسي الراديكالي إستخدام الديمقراطية كحصان طروادة ولمرةٍ واحدة فقط؟ ومحاولة ترويض الناس للإذعان للغوغاء والدهماء من بسطاء الشرائح الإجتماعية الرّثة، مع مواجهة العنف والرضوخ لسلطة حزبه وبديلها إتهامات «خائن.. متآمر» وإجراءات قهرية زجرية إستبدادية، لا يطيق النقد، يحمله الدم نحو مسألتين: ـ «أمجاد» العثمنة التي أكل الدهر عليها وشرب وولاؤه للغرب الأطلسي، الذي رفض عضويته عقوداً في الإتحاد الأوروبي، الأول: يدفعه إلى ترجمات وملاحق لسايكس ـ بيكو، ما دفعه إلى احتضان مجموعات المرتزقة من شتّى أصقاع الأرض الأربعة، جيوش جديدة من الإنكشارية، لكن تحت علم أسود وباسم الدين. ورهانات بائسة على حليفه السيد الأميركي، بمحاولات مستميتة ودموية لتفتيت الدولة القطرية مذهبياً وإثنياً، المهمة التي يتورّط بها الكيان الصهيوني منذ الأيام الأولى لنشوئه.
يتورط أردوغان في الدم العربي السوري والعراقي، من رأسه حتى أخمص قدميّه، بما ترتكبه عصابات التكفير الوافدة من البوابات التركية إلى سورية والعراق. فظاعات وجرائم حرب ضدّ الإنسانية، هي أدوات تنفيذ أهداف الولايات المتحدة و«إسرائيل»، بالمعنى الوافي للكلمة المثقلة بالجرائم والعدوان. هنا ينتظر أردوغان العسل من الدبور، من الاستثمار بالإرهاب ومن الولايات المتحدة.
المشروع «الإسرائيلي» القديم الجديد، وبالتقصيب للدول القُطرية، يستهدف إقتلاع الفلسطينيين من أرض وطنهم، نحو مشروع الدويلات الديني المذهبي. حينها، يتخلص هذا الكيان من «الكابوس» الأساسي الصامد لأصحاب الأرض، جرّب هذا على إمتداد السنوات الأخيرة. ونتنياهو يلعب بالنار في المسجد الأقصى، هنا يغيب «الجهاد» الأردوغاني تماماً.
إنّ من يتابع هذه الأوضاع بدقتها أولاً بأول، لا بدّ أن يشعر بتطابق التوجهات بين أنقرة وتل أبيب، حيث لم تمسّ مراكز الأخيرة، رغم الهبّات الإعلامية والإهانات «الإسرائيلية» للسفير التركي لديها. ما فعله ليبرمان حينها، حيث لم تمسّ مراكز «إسرائيل» في تركيا وللطرفين سيد واحد في واشنطن.
جاءت المصالحة التركية «الإسرائيلية» لتشكل لطمةً للوعود العرقوبية الأردوغانية، بأنه لا مصالحة بين تركيا و«إسرائيل» قبل فك الحصار عن قطاع غزة. ووعود بإقامة ميناء بحري في غزة، حيث فصل أردوغان بين مصالحه ومصلحة الإنتماء الإخواني، لصالح الأطلسية ممثلةً بـ«الناتو». وحليف الإرهاب لا بد أن يتسلل الإرهاب العالمي إلى بيته، لم يسأل أحد «كتائب القسام» عمن دعمها ورعاها، في حين جاءت المصالحة مع تل أبيب، لتنهي النقاش المذهبي والطائفي، بما هو أشبه بسطل ماء بارد على رأس مخمور بالوعود.
إنّ سمة عدم الوفاء واللامنطق والغاية تبرّر الوسيلة، هي براغماتية أردوغان، في حين تمثل المصالحة الوطنية الفلسطينية الجامعة فرصة كبيرة وأقصر الطرق لرفع الحصار، بحلّ أزمة الخيار الأفضل في المشروع السياسي الفلسطيني الوطني.
بدأ أردوغان بالاستثمار في الإرهاب، الأول: بالمنظمات المصنفة إرهابياً في العالم «داعش، والنصرة»، بصرف النظر عن لعبة الأسماء والجوهر واحد. ومثيلاتها من الإسلام السياسي التكفيري الراديكالي، المصدرة إلى سورية والعراق. وصل الاستيراد إلى حدود العمق الصيني، في استيراد مثيله من «الحزب الإسلامي التركستاتي» أي «الإخوان المسلمين» في الصين، سلوك مكشوف أمام العالم، فالأولوية ليست محاربة الإرهاب، بل الإيغال عبر تحالفاته في نزيف الدم السوري البريء، الذي دفع الناس إلى الهجرة. وذاتهم هم الضحايا للإرهاب، تحولوا إلى مادة تجارية لإبتزاز أوروبا الغربية، تم الزّج بتركيا عبر توريط الجيش التركي خارج أراضيه، في مغامرات غير محسوبة مع جيرانه، الأمر الذي يضع تركيا أمام عواقب وخيمة وأزمات.
لقد تحوّلت تركيا، ذاتها، إلى مرتعٍ للإرهابيين وموئلاً لكلّ جماعات ومشارب الإسلام السياسي الراديكالي المذهبي وجماعات المرتزقة والانكشارية، باسم الإسلام.
يسير أردوغان بالمخططات الأميركية على قدم وساق، مع ربيبتها «إسرائيل»، التي لها الدور الأساسي في عملية تفكيك الدولة القُطرية العربية. فهي صاحبة المصلحة الأولى في خلق هذه الحالة وتداعياتها، لأنها تخدم أهداف الكيان الصهيوني ومخططاته تجاه الأرض واللاجئين الفلسطينيين. وخلق ميزان قوى إقليمي جديد، يصنف الشعوب إثنياً ومذهبياً ويقسم البلاد والعباد، في خدمة فكرة «الدولة اليهودية» المهيمنة على دويلات المذاهب في المنطقة، يتيح لها التهام ما تبقى في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة عام 1967.
وهذا يتطلب نكبات عربية جديدة وكبيرة، تغزوها «قيم» قوى التكفير المذهبي والطائفي والإثني، بما ينهي، أيضاً، الهدف الأساسي للنضال الوطني الفلسطيني، ممثلاً في استعادة الأرض وعودة اللاجئين إلى ديارهم، بلا تجنّ أو مبالغة، تجد بها «إسرائيل» ذاتها متفوّقة بالمعنى الدقيق للكلمة.