فلين صانع سياسات ترامب
ناصر قنديل
– بسرعة بدأت تتوضح معالم الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعد موجات من التسريبات عن رموز هذه الإدارة، حاولت التركيز على النماذج الكريهة في الذاكرة الشرق أوسطية وفي طليعتها جون بولتون الذي شغل منصب ممثل جورج بوش في مجلس الأمن خلال حقبة الحروب التي خاضها وطرح بولتون كمرشح رئيسي لتولي وزارة الخارجية، وخلافاً للتوقعات يبدو ميت رومني المرشح الرئاسي الجمهوري السابق الأوفر حظاً لوزارة الخارجية، وأنّ السباق بينه وبين رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش، وفي وزارة الدفاع يدور التنافس بين السناتور السابقة كيلي ايوت والجنرال المتقاعد جوزيف كيلوج، والأسماء الأربعة تشبه شخص وسيرة نائب الرئيس مايكل بنس كشخصيات غير مثيرة للجدل تتسم بالمحافظة والتاريخ الهادئ سياسياً، والإنتماء لأفكار عريضة يتبناها الجمهوريون ما يجعلهم الأبعد عن صناعة السياسة في عهد ترامب والتحوّل إلى منفذين منضبطين وحرفيين للسياسات، ويبقى السؤال من سيصنع السياسة إذاً في عهد الرئيس ترامب؟
– في الأسماء التي أعلنها ترامب وفريقه يوم أمس جرى اختيار رئيس «سي أي آي» ووزير العدل، مايك بومبيو للمخابرات وجيف سنشيز للعدل، والإثنان يشبهان سائر الفريق بتاريخ جمهوري تقليدي وسيرة محافظة ومهنية، لكن بومبيو كان صقر لجنة التحقيقات في الكونغرس في قضية السفارة الأميركية في بنغازي، وحادث مقتل السفير وتحديد مسؤولية هيلاري كلينتون عن تسليم أسلحة كيميائية للجماعات الإرهابية في سورية، وسنشيز تميّز بملاحقة قضية المهاجرين وتنظيم صيغ قانونية تلائم رؤية ترامب لربط الملف بمكافحة الإرهاب، ويتركز اختيار ترامب لكلّ أركان الفريق على نماذج من سيناتورات الحزب الجمهوري الذين يحظون بسيرة شخصية لا تشبه سيرته وبمكانة ودرجة من الاحترام الاجتماعي والحرفية في المهام التي تولوها، وفي القدرة على إدارة ملفات عملهم، ويحملون كلّ في مجال مهمته ما يناسب الأفكار التي طرحها ترامب في حملته الانتخابية، تحت عناوين محافحة الإرهاب والهجرة، ويبقى السؤال عن صانع السياسة في عهد ترامب بعدما صار رئيساً؟
– يتقدّم اسم الجنرال مايكل فلين كمستشار للأمن القومي في عهد ترامب ليلعب دوراً في إدارة المخابرات والأمن من جهة والدبلوماسية والسياسة الخارجية من جهة مقابلة، في استعادة للدور الذي لعبته غونداليسا رايس في عهد جورج بوش الإبن، والجنرال فلين قائد سابق للقوات الخاصة في البنتاغون ورئيس سابق للمخابرات العسكرية، خرج من الخدمة بخلاف مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد انضمامه إلى إدارته رفضاً للحرب الأميركية في العراق انطلاقاً مما وفرته من بيئة مناسبة لنمو الإرهاب، وسجل تجاه الحرب في ليبيا تحفظاً مشابها، وكان محور خلافه مع إدارة أوباما تقديم اولوية إطاحة الرئيس السوري على أولوية الحرب على الإرهاب، وبالرغم من المعطيات التي زوّد بها الرئيس أوباما حول تجذّر بنية جبهة النصرة ومؤشرات ولادة داعش، عام 2014 قوبل بالتجاهل من الرئيس أوباما ما دفعه للاستقالة، واللافت في سيرة فلين تبنّيه من موقع التنافس مع روسيا على الأدوار الدعوة الصريحة للتعاون مع موسكو في مكافحة الإرهاب، ولا يخفي فلين علاقة صداقة تربطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من موقعيهما السابقين في الاستخبارات العسكرية لبلديهما.
– ليس صدفة أن يحمل ترامب أفكار فلين، وليس أن يؤيد فلين أفكار ترامب، ما يستدعي إعادة تقييم الكثيرين لفرضية أنّ وصول ترامب كان فلتة شوط انتخابية، علماً أنه لم يحصل على أغلبية أصوات الناخبين، وهي أغلبية كانت من حصة كلينتون، بينما جاء الفوز لحساب ترامب بأصوات المندوبين في المجمع الانتخابي، وهذه حالة فوز جورج بوش عام 2000، وقليلاً ما يكون الرئيس المنتخب قد فشل بحصاد أغلبية الناخبين بالتزامن مع حصوله على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي التي يعتبرها الدستور الأميركي شرطاً كافياً للفوز بالرئاسة، وهكذا أيضاً يجب فهم معنى فتح ملف التحقيق مع المرشحة هيلاري كلينتون في ملف بريدها الإلكتروني، قبل أيام من الانتخابات وتأثير ذلك على وضعها الانتخابي، كما يمكن فهم معنى خطاب ترامب غير المألوف والمتضمّن لمواقف تتخطى شجاعة شخص، فكرياً وسياسياً، من حجم الدعوة للتعاون مع روسيا، وقول كفى للسعودية، وضمان «إسرائيل» بالمال والسلاح، والخروج من الحرب في سورية واليمن نحو تسويات عنوانها أولوية الحرب على الإرهاب، وإعادة النظر بالعقيدة السياسية والأمنية لواشنطن لحصرها بمكافحة الإرهاب والمخاطر على الأمن الأميركي، والتخلي عن استراتيجيات تغيير الأنظمة بذريعة التسويق للديمقراطية بينما يسود الصمت المطبق على علاقة واشنطن بأشدّ الأنظمة تخلفاً وديكتاتورية في الرياض.
– مايكل فلين سرّ دونالد ترامب، عندما قال في حملته الإنتخابية، يخبرني أصدقائي من كبار الجنرالات أنّ إدارة أوباما استولدت داعش، وأنها دعمت الإرهاب وأن لا مبرّر لحرب تحت شعار إسقاط صدام حسين ومعمّر القذافي تكون نتيجتها تسليم البلدين للقاعدة، وعندما نبحث في سيرة فلين نجد هذه الاستنتاجات في التقارير التي رفعتها المخابرات العسكرية برئاسته، ورغم خروج رئيس هذه المخابرات، بقيت مؤسستها تبحث عن رجل يحمل أفكارها إلى البيت الأبيض فكانت مهمة فلين الوقوف وراء دونالد ترامب، وللتذكير فقط كان فلين والمخابرات العسكرية أصحاب نصيحة دائمة لأوباما للتدخل والضغط على تركيا والسعودية بسبب العلاقات المباشرة مع داعش والنصرة، وكان وراء خطاب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أمام هارفرد، والذي تضمّن هذه الاتهامات. وللتذكير ايضاً فإنّ القوات الخاصة في البنتاغون لا يقودها إلا جنرال قيادي صانع خيارات وقرارات، وجزء عضوي من مؤسسة القيادة، والمخابرات العسكرية الأميركية تتفوّق قدرة وشراكة في صنع القرار على «سي أي آي» خلافا للسائد والاعتقاد.