عندما يخشى الزعيم المنافسة من «داخل البيت»
روزانا رمّال
تتكشّف هواجس الزعماء أكثر وتعاطيهم مع ممارسة السلطة أو الاحتفاظ بها في كلّ لحظة يتقدّم فيها استحقاق يضعهم أمام اختيار «أفضل» مَن يمثلهم في مهمات رسمية بالبلاد، ليبدو أنّ إمكانية استبعاد الأفضل أو الأكثر نفوذاً وشعبوية أو حتى الأكثر استقلالاً مالياً حاضرة وبقوة.
يستعجل الشارع اللبناني لمتابعة أخبار التشكيلة الحكومية وتستعجل القوى الإقليمية والدولية لإثبات القدرة على ضبط الاستقرار في لبنان ويُراعي بعضها ضرورة إنجاح العهد. تبارك إيران مثلاً انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية بمقابل عودة الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة وتحرص أن تتشكّل حكومة سريعاً لتقديم النموذج اللبناني كواحد من دلائل إمكانية التوصل لمخارج للعقد بينها وبينها السعودية في ملفات أخرى كاليمن والعراق وسورية والبحرين.
يستقطع كل طرف محلي ودولي الجزء الذي يعنيه في فكرة التشكيل، لكن هذا كله غير ما يعني الزعيم بمساهمته في ولادة الحكومة، فحسابات من نوع آخر تحيط فيه داخل حزبه قد تحتاج لمعارك في بعض الأحيان تعرض الاستقرار الداخلي للحزب للخطر مع استعداد الزعيم الكامل لمواجهته!
لا تبدو معركة الأسماء عند زعيم التيار الوطني الحر الرئيس ميشال عون مثلاً مقلقة بالنسبة إليه، وقد يكون واحداً من قلائل الذين لم يعيشوا مخاوف المنافسة في تيار تأسس على فكرة أن زعيمه بحد ذاته «حالة» فبقيت صفة النضال تحيط مع القلق على مصيره خارج لبنان، ومن ثم مساندته لتحقيق حلم الرئاسة التي اعتبرها حقاً للمسيحيين في لبنان بتمثيلهم برئيس يتمتع بحيثية شعبية واسعة فبقي العماد عون «محور» الحدث في التيار ولا يزال.
هذا الأمر لا يعيشه رئيس التيار الوطني الحر الحالي جبران باسيل الذي من دون شك يجد نفسه بشكل تلقائي أمام منافسين مفترضين داخل التيار كبعض الأسماء الجاذبة في عيون اللبنانيين ليس لفكرة تصادم يخلقها باسيل، بل لما يحملون من تاريخ وطني كأن يكون مثلاً أحد الأسماء هو قائد المغاوير السابق العميد شامل روكز، وهو أيضاً صهر العماد ميشال عون، قد لا يجد الوزير باسيل في أسماء أخرى منافسة أو خطراً مستقبلياً لزعامات مفترضة، وبالتالي فانّ لهؤلاء الحظ الأكبر والأوفر في التقدّم سياسياً داخل التيار وفي اللعبة السياسية لطبيعة العمل المضني داخل الأحزاب. عاش باسيل في فترة سابقة منافسة مع النائب ألان عون ابن شقيقة الجنرال عون في معركة انتخابات رئاسة التيار، فنجح باستقطاب اهتمام الجنرال وكسب ثقته مجدّداً وتعيينه رئيساً للتيار.
هذا ما لا يحصل في حركة أمل، فالرئيس نبيه بري الذي يرفض مبدأ التوريث كأحد المتخرجين من مدرسة الإمام موسى الصدر التي حاربت التوريث لا يملك ايضاً ايّ قريب مرشح لرئاسة الحركة من بعده او بالحدّ الأدنى لم يؤهّل أيّاً ممن يستطيع القيام بالمهمة، لكن هذا لا يعني انّ الرئيس بري يذهب بعيداً باختيار أسماء نافذة شعبياً او مالياً داخل حركة امل لتتسلم مهمات رسمية أو حقائب وزارية يشتم منها بري رائحة نية زعامة مستقبلية تتولد.
يحيط بالرئيس بري فريق وفي وقادر على تمثيل موقفه في الحكومة بالطريقة الأمثل بالنسبة اليه، كمساعد مثل الوزير علي حسن خليل وهو وزير المالية أيضاً. لا يبدو على الوزير خليل أيّ إشكال سعي لاستقطاب جماهيري أو حتى شعبي، لا في طريقة إدارته للمعركة الانتخابية ولا في طريقة إدارته للمال الخاص، فهو ليس من المتمولين الكبار الذين تتقاطع معهم أرضية شعبية تشكل قلقاً من ان تصبح اسماً جاذباً للناس مستقبلاً. كل شيء تحت السيطرة بالنسبة للرئيس بري وإذا أراد تناول الموضوع من ناحية قانونية، فإن لا شيء يدين «ملك المجلس النيابي» طالما أنّ معارك من هذا النوع هي معارك أخلاقية.
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أكثر من لعب على «المكشوف» بهذا الإطار، فمعارك مثل عزل غازي العريضي ورفع أسماء كوائل ابو فاعور الى الطليعة بعد انتكاسة العلاقة بين العريضي وجنبلاط في محطة سابقة تؤخذ على محمل الجِدّ. يعرف البيك تماماً أنّ لعباً من هذا النوع لا يُحرجه بل يستخدمه كرسائل «لمن يعنيه الأمر» داخل حزبه. لا يمانع جنبلاط بتكبير الادوار لكن شرط ان تبقى تحت السيطرة.. السيطرة المالية، الشعبية وحتى النفسية..
فتحت الحكومة والأسماء المطروحة اليوم الباب على شرح هذا المفهوم أكثر من بوابة القوات اللبنانية، فعلى ما يبدو يرغب د. سمير جعجع في إحداث خرق كبير في سابقة تعيينه نائباً لرئيس الحكومة اللبنانية عبر اختيار اسم غير قيادي، ليس «صقراً» من صقور القوات، ولا يتمتع بحيثية شعبية أو تاريخية سياسية لمنصب من هذا النوع.
يدرك جعجع أنّ نائب رئيس الحكومة لا يتمتع بصلاحيات تنفيذية في موقعه سوى بحالات الاستثناء او الطوارئ، لكنه يدرك أيضاً أن لقب «دولة الرئيس» سيمنح لمن يتبوأه ولهذا اللقب ما يكفي لخلق أفكار وآفاق وخيارات لدى حامله. يدخل اسم د. غسان حاصباني الشاب الذي لا يتمتع بشهرة رجال السياسة أو مطامعهم ليحصل على اللقب خلفاً لأسماء كبيرة مثل عصام فارس وميشال المرّ…
يتغطّى الزعيم في لبنان ضمن مقولات كدعم الشباب وضرورة تقديم دمّ جديد والمداورة فاضحاً هواجسه بدعم حلقات يعرف أنها تبقى الأضعف أو تحت السيطرة ليبقى الكثير مما «لا يكتب» أو يحتمل التفصيل…