دي ميستورا لفصل شرق حلب عن الدولة السورية… والمعلّم يردّه خائباً مراوحة حكومية لما بعد الاستقلال… و«القوات» ترفع سقفها وتعود لطلب الدفاع
كتب المحرّر السياسي
فيما تقترب عقارب ساعة إعلان الجيش السوري والحلفاء عن تحرير أحياء حاسمة في شرق حلب، مع التقدّم في حي مساكن هنانو وحي الشيخ سعيد ودوار الجندول، وتعيش جبهة النصرة حالة الهستيريا، تساقطت قذائفها الحاقدة على مدرسة في حي الفرقان بحلب، حيث يسيطر الجيش، وسقط شهداء وجرحى، وحمل المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أوجاع النصرة وقلبه ينفطر عليها محاولاً إنقاذها من المأزق بمقترح يتضمّن سحب مسلحيها علناً، والحفاظ على سيطرتها في شرق حلب تحت ستار اللجان المحلية التي شكّلتها مع الجماعات المسلحة العاملة تحت قيادتها، تحت شعار منح شرق حلب إدارة ذاتية، وهو مقترح أثار الاستغراب حتى لدى دوائر الأمم المتحدة، لكنه أثار السخرية من سامعي دي ميستورا الحزين على حال جبهة النصرة لدى قدومه بكلّ وقاحة إلى وزارة الخارجية السورية لتقديم مقترحه الغريب العجيب، ليجيبه وزير الخارجبة وليد المعلم، أن قلبنا على سكان الأحياء الشرقية الذين تحتجزهم النصرة رهائن، بينما غيرنا قلبه على النصرة، رافضاً مبدأ البحث بالمقترح الذي يقع خارج وعكس التفويض الذي يحدّد مهمة دي ميستورا ويلقي ظلال الشكّ على صدقية خدمته للمهمة المنوطة به، لحساب الجهات الإرهابية كمستفيد وحيد من هذه المبادرة، ليعود دي ميستورا خائباً، بينما يواصل الجيش السوري وحلفاؤه التقدم.
لبنانياً، يحسم الاستعداد لاحتفال عيد الاستقلال من دون حكومة جديدة، وتستمرّ المساعي لحلحلة عقد تتعقد أكثر، فبعدما نجحت المساعي لإعادة صيغة الثلاثين وزيراً إلى التداول كمدخل لحلّ عقد توسيع التمثيل، وبالتالي تأمين تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الكتائب والنائب طلال أرسلان، صعّدت «القوات اللبنانبة» سقف ضغوطها التعجيزية فطلبت وزارة الدفاع مجدّداً، ما أعاد التفاوض إلى النقطة الصفر مع بدء التفاوض على تشكيل الحكومة، فيما بدا أنه ضغط لفرض إبعاد القوميين والكتائب ولتحجيم حقيبة تيار المردة، وهي العقد التي كان السعي لحلحلتها تمهيداً لولادة ميسّرة للحكومة، ما يوحي بنيات تعطيل مفتعلة لضمان معادلة حكومية مريحة تتصل بقانون الانتخاب الذي صار ثابتاً سعي القوات لإغراء التيار الوطني الحر وتيار المستقبل بتحالف يفوز بأغلبية ثلثي المجلس إذا جرى السير بقانون الستين، وما يستلزمه ذلك من تركيبة حكومية يتحقق فيها الثلثان لهذا التحالف من جهة ويملك المستقبل والقوات فيها فرصة منع التصويت بالثلثين لأيّ صيغة تعتمد النسبية منعاً لإحراج التيار الوطني الحر الملتزم بدعم النسبية، وذلك يستدعي بقاء حصة المستقبل والقوات تعادل الثلث زائداً واحداً.
رغم ذلك تؤكد أوساط الرئيس المكلف أنّ تفاهمه مع رئيس الجمهورية، ودعم رئيس المجلس النيابي لمسعاه عوامل قوة يمكن بالاستناد إليها الوصول لحلول ضمن المهل المعقولة التي لا تزال عملية التأليف ضمنها.
استقلال ورؤساء ولا حكومة…
يجلس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم غدٍ في عيد استقلال لبنان الثالث والسبعين محاطاً بالرؤساء الأربعة بدلاً من الثلاثة. فإضافة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ستجمع المنصة الرئيسية في وسط بيروت رئيسَيْ حكومة تصريف الأعمال تمام سلام والمكلّف سعد الحريري في مشهد يُعيدنا بالذاكرة الى استقلال تشرين الثاني عام 2013 الذي جمع حينها الى جانب الرئيس ميشال سليمان، الرئيسَيْن المكلف سلام وتصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
لم تنجح المحاولات الدؤوبة في الأيام القليلة الماضية في تخطي الحواجز والمطبات التقنية والألغام السياسية التي اعترضت قطار التأليف على أكثر من طريق، ولم يسعف الوقت القصير الرئيس المكلف بإنضاج الطبخة الحكومية قبل حلول الاستقلال ليتفرد بكرسي الرئاسة الثالثة في مشهدية الغد. وإن كان الحريري قد قال منذ تكليفه إن أي تعطيل لتشكيل حكومة العهد الأولى سيكون في وجه رئيس الجمهورية، فإن اللبنانيين يترقّبون مضمون الخطاب الذي سيوجّهه الرئيس عون مساء اليوم في رسالة الاستقلال الأولى.
قد يصح القول إن جوهر الاشتباك السياسي المتنوع الأسباب والخلفيات الذي حصل في الساعات الـ 48 الأخيرة من رحلة التفاوض حول الحصص الحكومية، هو بين الرئاستين الأولى الثانية، لكن عملياً تتقدّم على ذلك مجموعة تناقضات تحكم رؤية الأفرقاء للحكومة المقبلة والتوازنات والأحجام التي ستكونها والرسالة السياسية التي تؤديها ربطاً بالعهد الجديد وبخرائط التحالفات السياسية المقبلة. وهذا الأمر يترجم بعراقيل عدة.
عقدة حصة رئيس الجمهورية الوزارية.
العقدة الأخطر والأهم التي تتمثل بالحصة «المنتفخة» لحزب «القوات اللبنانية» والتي وصلت فعلياً الى خمسة وزراء 3 منهم «قواتيين» واثنان يدوران في فلكها، الأمر الذي لم يحصل في تاريخ الحياة السياسية في لبنان.
عدم إقرار البعض بحق رئيس المردة النائب سليمان فرنجية بحقيبة أساسية من الحصة المسيحية.
رغبة الرئيس المكلّف بتوزير مسيحيين من حصته لوجود 11 نائباً مسيحياً في كتلته النيابية.
عقدة رفض بعض الجهات تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي بوزير مسيحي فضلاً عن تمثيل حزب الكتائب الذي يتلقى معلومات متناقضة حول ذلك.
المفاوضات في دائرة مفرغة
وفي غضون ذلك، نقل زوار الرئيس بري عنه قوله لـ «البناء» إن «الوضع الحكومي على حاله ولا تطورات جديدة وبدلاً من أن نذلل العقد تم تعقيدها أكثر وتشعبت الى كل مكان»، وأكد بري أن السجال الذي حصل مع بعبدا وبكركي لن يؤثر على عملية التأليف، لكن استمرار التشكيك بشرعية المجلس النيابي بعد انتخاب رئيس الجمهورية أمر مستغرب ولا يمكنني السكوت عنه». كما نقلوا عنه تفاؤله تجاه «إنهاء تعطيل المؤسسات جراء الفراغ الذي دام أكثر من عامين».
وقالت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» إن «أمل وحزب الله يرفضان أن يسمّي رئيس الجمهورية وزيراً شيعياً يشكل استفزازاً لهما، أما في حال حصل ذلك فحينها للرئيس بري الحق بتوزير مسيحي يختاره من الحصة الشيعية»، مضيفة: «يوجد أعراف وأصول في التعاطي ممنوع تجاوزها في هذا الأمر، كما يحاول البعض التعامل معنا في وزارة المالية التي كرّست للطائفة الشيعية في محاضر اتفاق الطائف، وإن أرادوا تشكيل حكومة من دونها فليفعلوها».
ونفت المصادر أن يكون قد عُرض على رئيس المجلس موضوع حصرية وزارة المالية للطائفة الشيعية في الحكومات المقبلة، مؤكدة أن هذا الأمر «غير قابل للنقاش والبحث لا الآن ولا في الحكومات المقبلة»، مشددة على أن «بري أكثر من سهّل عملية التأليف لكنه لن يتنازل عن تمثيل حليفه فرنجية بحقيبة أساسية، ومن ضمن الحصة المسيحية وله الحق بذلك إن كانت ثلاثينية أو عشرينية مثل حلفائه الآخرين». وجزمت المصادر أن لا حكومة من دون موافقة بري، ولن تبصر النور من دون فرنجية ومكونات 8 آذار كالحزب القومي والوزير طلال أرسلان».
وأكدت أن «وزارة الأشغال العامة والنقل ستكون من حصة كتلة التنمية والتحرير التي لن تتنازل عنها»، مستغربة الفيتو الثنائي القواتي – العوني على تولي المردة لوزارة الطاقة، كما أبدت استغرابها لـ «منطق الاستئثار السائد الذي تمارسه القوات وشروطها التي تعرقل التأليف».
وأشارت مصادر أخرى لـ «البناء» الى أن «المفاوضات تدور في حلقة مفرغة وولادة الحكومة خاضعة للاتصالات في اليومين المقبلين، فإذا كانت مثمرة فقد تولد الحكومة خلال أيام قليلة أما إذا استمرت الشروط والشروط المضادة على حالها فلا حكومة في المدى المنظور، لكنها أكدت أننا لا نزال ضمن المهلة الطبيعية». وإذ رجحت المصادر احتمال أن تعود المفاوضات الى صيغة الثلاثين، توقعت أن «ينعكس لقاء الرؤساء في مناسبة الاستقلال واللقاءات التي قد تحصل على الهامش إيجاباً على مسألة التشكيل».
والحريري يطلب المساعدة…
واستبعدت مصادر في تيار المستقبل ولادة الحكومة اليوم، مؤكدة لـ «البناء» أن «الرئيس الحريري مستمر باتصالاته ولن يؤثر تعثر التشكيل قبل الاستقلال على اندفاعته وجهوده»، وأوضحت أن «عملية التأليف جهد مشترك بين رئيسَيْ الجمهورية والمكلف وليس فقط مهمة الرئيس المكلف، فضلاً عن أن تشكيل حكومة العهد الأولى مصلحة رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى وبإمكانه أن يتشارك مع الرئيس المكلف لتذليل العقبات بتغليب منطق حكومة الوحدة الوطنية من دون استبعاد أي طرف»، وأشارت المصادر الى أن «رئيس المجلس النيابي نبيه بري يستطيع أيضاً لعب دور هام على هذا الصعيد من خلال استخدام مونته على مجموعة وازنة من المرشحين للوزارة». ولفتت الى «وجود عقدة متعددة تحول دون إعلان الصيغة النهائية، تبدأ بالنكد السياسي الذي تمارسه معظم الاطراف مروراً بالعلاقة المتشنجة بين رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي وليس انتهاءً بصعوبة توزيع المقاعد والحقائب على القوى المسيحية»، نافية أن يكون «مطلب الحريري بتوزير مسيحي من حصته يشكل عقبة»، موضحة أن «كل فريق مسيحي يريد تحصيل أكبر عدد ممكن من المكاسب بينما تتمترس الزعامات السياسية خلف مطالبها وحصصها».
وأضافت المصادر نفسها أن «حصة تيار المستقبل قد حسمت لا سيما أن كتلة المستقبل تمثل ربع المجلس النيابي، ومن الطبيعي أن تنال حصة وازنة في الحكومة». وعن مطالب حزب «القوات» المضخمة وشروطها أجابت المصادر أن «هذا الأمر مدار نقاش بين القوات ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وليس مع الرئيس المكلف».
وجدّد الحريري تأكيده خلال استقباله مساء أمس، في «بيت الوسط» وفداً من طلاب «المستقبل» أن «الحكومة ستشكل قريباً»، وقال: «ما يهمني أن نضع القطار على السكة، وإن شاء الله ستكون الانطلاقة قريبة جداً».
وأكد رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل خلال عشاء هيئة قضاء جزين في التيار أن «لا للخلاف مع حزب الله من أجل قوة لبنان ولا للخلاف مع تيار المستقبل من أجل الشراكة في لبنان، ولا للخلاف مع القوات اللبنانية من أجل قوة المجتمع المسيحي في الشرق»، مؤكداً أن «لا فيتو على أحد في عملية تشكيل الحكومة».
مساعي حزب الله قائمة…
وأشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» إلى أنه «رغم ضيق الوقت أمام مساعي التهدئة التي يقوم بها أكثر من طرف على خط بعبدا عين التينة لمحاولة التوافق على صيغة معينة قبل الغد، إلا أن مساعي حزب الله قائمة وستستمر بعد الثلاثاء، لكن مع تحديد التوقيت المناسب لضمان نتائجها»، موضحة أن سفر الوزير باسيل طوال الاسبوع المقبل دلالة على أن أمد ولادة الحكومة سيطول ربما الى ما قبل الاعياد.
ووضعت المصادر الحديث عن «توزير شيعي من حصة رئيس الجمهورية يستفز المكوّن الشيعي في سياق توتير الأجواء»، مؤكدة أن «الحل بالعودة الى حكومة ثلاثينية متنوّعة تجمع كل الأطراف ينال فيها الرئيس عون وزيرين سنياً وآخر شيعياً، ويتمثل فيها الحزب السوري القومي الاجتماعي بوزير مسيحي ووزير للمردة من الحصة المسيحية وتسمح بإجراء عملية تبادل بين عون والحريري الذي يضمن في هذه الحالة توزير مستشاره الدكتور غطاس خوري وربطاً بتوزير شخصية سنية من 8 آذار من حصة عون».