موت «الاشتراكيين الفرنسيين»
حميدي العبدالله
أظهرت استطلاعات رأي أجريت في فرنسا أنّ الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند يعدّ أكثر رئيس في تاريخ فرنسا تهبط شعبيته إلى 4 ربما باستثناء الرئيس الفرنسي شارل ديغول الذي استقال تلقائياً من منصبه بعد مظاهرات طلابية في عام 1968. لم يستطع أيّ رئيس فرنسي أن يحافظ على الشعبية التي نالها عشية الانتخابات، بما في ذلك الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران الذي فاز لدورتين في الانتخابات الفرنسية، ولكن لم يسجل أيّ رئيس فرنسي هبوطاً لشعبيته من الدورة الأولى لرئاسته بمستوى ما وصل إليه الرئيس الفرنسي الحالي، الأمر الذي قد يمنعه من الترشح لدورة ثانية.
الأسباب التي أدّت إلى التدهور الحادّ في شعبية هولاند لا تعود فقط إلى فشله بالوفاء بالوعود الانتخابية التي قطعها للفرنسيين، لأنّ هذا السبب كان ملازماً لكلّ رؤساء فرنسا من دون استثناء، ولكن الأسباب الأكثر جوهرية التي أدّت إلى تدهور شعبية هولاند «انتهازية» السياسة الخارجية الفرنسية، وعجزها عن تحقيق أيّ مكاسب يمكن أن تنعكس إيجاباً على فرنسا.
مثلاً في الموقف من الملف النووي الإيراني، دأبت فرنسا في عهد الرئيس هولاند على إطلاق مواقف تصعيدية ساهمت أكثر من مرة في تعطيل التوصل إلى اتفاق، ولكن ما إنْ وافقت الولايات المتحدة على الاتفاق ودعمتها الدول الأخرى في مجموعة 5+1 حتى عادت فرنسا وتراجعت عن مواقفها، بل كان وزراء في الحكومة الاشتراكية أول الواصلين إلى طهران بحثاً عن مصالح واستثمارات، علماً أنّ مواقف فرنسا أثناء المفاوضات لم تسلّف إيران ما من شأنه أن يشجعها على منح الأولوية لفرنسا.
من بين الأسباب أيضاً عدم إصغاء هولاند وحكومته الاشتراكية لآراء الشعب الفرنسي وتذمّره من السياسة الداخلية المعتمدة على جميع الصعد. عادة تشكل استطلاعات الرأي جرس إنذار لكلّ رئيس فرنسي لتصحيح سياسته، الخارجية والداخلية، والسعي لإرضاء الغالبية الساخطة، وعادة يتمّ ذلك من خلال تغيير الحكومات وغالبية الوزراء الذين تشكل وزاراتهم الجهات التي يشكو منها غالبية الفرنسيين. وعلى الرغم من أنّ هولاند لم يتراجع عن هذا التقليد، ولكن التغيير لم يكن ولا مرة تغييراً جوهرياً ولم يرتق إلى مستوى ما تتطلع إليه غالبية الفرنسيين، لهذه الأسباب أصبحت هذه الغالبية في وضع اليائس من إمكانية إصلاح الاشتراكيين، والبديل عن ذلك هو التوجه من جديد نحو اليمين، وعدم منح الاشتراكيين مزيداً من الفرص.
ما جرى في بريطانيا، وما جرى في الولايات المتحدة داخل النخبة الحاكمة التقليدية، قد يحدث في فرنسا، ويبدو أنّ الاشتراكيين مرشحون لأن يكونوا الضحايا قبل أيّ حزب تقليدي آخر في فرنسا.