تركيا من الموصل إلى الرقة… الضياع في تلعفر وخيبة أكراد أميركا!
محمد ح. الحاج
اتفاقات من تحت الطاولة هي من يحكم السلوك التركي في الشمالين العراقي والسوري، وتوزيع للأدوار، مسرحية دولية يتشارك فيها كلّ القوى المتنافرة جهاراً، والمتعاونة سراً، بعضنا فقط من يجهل التفاصيل، وقد لا يبحث عن السرّ أو يفضّل الاستراحة من تعب التساؤل والخوف من حقيقة الجواب، أكراد سورية المعنيون أصلاً باللعبة هم الأكثر ميلاً للتغاضي وصمّ الآذان عن نصائح تسدى لهم من أكثر من طرف، لم يتعلّموا من خيبات سابقة عبر التاريخ، الجيل الجديد ممن يعتبرون أنفسهم قادة لا يريدون قراءة أحداث الماضي، ولا استذكار جمهورية مهاباد، ولا حتى إعلان دول المنطقة المحيطة بما يسمّونه دولة كوردستان، رفضهم المطلق لقيام هذه الدولة المعزولة عن العالم الخارجي حتى وإنْ أقام البرزاني علاقات يعتقد أنها متينة مع تركيا هي في واقع الحال أكثر هشاشة ولا يمكن أن تصمد عند أصغر تجربة، هو فقط يتمتع بها طالما بقي متعاونا مع الاستخبارات التركية، وأيضاً مع الموساد الصهيوني ضدّ أبناء جلدته، وتالياً ضدّ الدولة الأمّ التي ينتمي اليها.
في قراءة عاجلة بدا البرزاني وكأنه يعتبر قواته العسكرية البيشمركة موازية للقوات التركية من حيث الطموح لفرض وجود هذه القوات في معادلة ما بعد تحرير الموصل، وإذا كانت قوات البيشمركة شاركت فعلاً في بعض المحاور، ولم يسمح للقوات التركية بمثل هذه المشاركة فإنّ الأتراك لم يسقطوا من حسابهم حجز كرسي على طاولة التسويات المستقبلية في الشأنين العراقي والسوري واعتبار أنّ لهم ولاية الأمر على الخط الممتدّ من الموصل إلى الاسكندرون عبر حلب التي يخسرون في جنباتها المعركة شبراً إثر شبر، ألهذا خرقت تركيا الحدود متجهة نحو الباب التي دونها معركة مع القوى المحلية وعلى رأسها الجيش السوري الذي لن يسمح لداعش بالانسحاب وتسليم المدينة للقوات التركية كما حدث في جرابلس؟
ليس مؤكداً أنّ القوة التركية لم تتحرك بعيداً عن معسكر بعشيقة، وتسرّب أنّ الاتصالات بين قادة داعش في كلّ من تلعفر وربما الموصل كانت تجري باللغة التركية مما يشير إلى أنّ هؤلاء من الجنسية التركية، أو ممن تدرّبوا أو تربّوا في تركيا، وأنهم يعملون بأوامر تركية ولمصالح حزب العدالة والتنمية الاسلامي المتعصب داعش الحقيقي ، المؤكد أنّ الإعلان عن خروج قوات البيشمركة من بعض المناطق التي دخلتها بعد بداية معركة تحرير الموصل قد حصل دون تأكيد ذلك من الأطراف الأخرى سواء المعنية أو المراقبة لمجريات الأحداث، تماماً كما هو التعتيم على حركة القوات العسكرية التركية في بعشيقة ومناطق الحدود على عكس الأضواء المسلطة على حركة القوات العسكرية التركية شمال حلب على محور جرابلس مارع الباب، وإعلان القيادة التركية أنها ستتابع إلى منبج حيث أعلن الأكراد انسحابهم منها إلى شرق الفرات بأوامر أميركية! فهل هي خطوة لقطع الطريق على المطالبة التركية بخروج القوات الكردية منعاً لقيام تواصل ما تمّ الإعلان عنه من دولة كردية على طول الحدود معها من كراتشوك إلى عفرين؟
وزير الخارجية السوري السيد وليد المعلم قال في مؤتمره الصحافي مؤخراً إننا نتعامل مع القوات التي تدعمها تركيا على أنها قوات إرهابية. وماذا عن التعامل مع القوات العسكرية النظامية التركية، مدرّعات وطيران؟ الرئيس بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية قال: هي قوات غزو، هذا يعني أنّ وجودها على الأرض السورية يقتضي مواجهتها وضربها بما في ذلك الطيران الذي عاد ثانية لخرق الأجواء السورية وضرب مواقع يقول إنها لداعش، ويُقال بالتنسيق مع القوة الجوية الروسية، فهل إذا ما ضربت قوات سورية يكون ذلك خطأ وربما لا يكلف تقديم اعتذار، وهل ننتظر مبادرة شعبية للوقوف بوجه الغزو التركي كما تمّ الإعلان عن ذلك منذ فترة ولم نسمع أية أخبار بهذا الخصوص، حيث تتحرك القوات التركية على مساحات شاسعة بأمن وأمان عدا بعض الحوادث التي تعتبر فردية، المراقبون يتساءلون: برغم إعلان الرئيس، ووزير الخارجية فإنّ إعلاناً رسمياً يطلب من القيادة التركية بخروج قواتها فوراً… أو إعلان الحرب، لم يصدر فهل هو مطلب روسي أم صمت سوري لضرب مشروع الأكراد الذي تدعمه أميركا في عملية واسعة لخلط الأوراق وفتح عديد من الجبهات تصرف الأنظار عن الهدف الحقيقي من المشروع الأميركي واستخدام ورقة الأكراد بوجه كلّ من سورية وتركيا والوقيعة بين الدول الثلاث، العراق وسورية من جانب وتركيا من جانب آخر ومعها حلف الناتو الذي ترتبط به وهو الملزم بالدفاع عنها، وبالتالي ايجاد المبرّر لتدخل غربي واسع النطاق… الأكراد ورقة الجوكر الأميركية، ليس ضدّ تركيا الحليفة، وإنما ضدّ العراق وسورية لاستمرار الفوضى فيهما واستمرار الوجود الغريب الذي يحدّ من القرار السيادي في ظروف حرب شبه عالمية تتلاقى فيها مصالح الكبار عند حدود معينة تلغي مصالح الصغار غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم ذاتياً بوجود هذا الاهتراء، والتفسخ الروحي في المنطقة بشكل عام والذي تدفع ثمنه الدولتان المستهدفتان بالمشروع الصهيو أميركي.
وماذا عن مستجدات الموقف المصري، وهل تستطيع مصر اتخاذ موقف يؤثر على مسار الأحداث بحيث يشكل انعطافة لصالح المنطقة؟ أم أنّ القيود المكبلة للقيادة المصرية ما زالت هي الأقوى؟ وبالتالي لا يمكن اتخاذ أيّ موقف لا يرضى عنه العدو الصهيوني إذا كانت نتيجته وقف الحرب على سورية واستعادتها أمنها وأمانها، وبالتالي أن تتمكن من الانطلاق نحو إعادة البناء وأولوية ذلك ترميم وضعها العسكري واستعادة بواباتها الحدودية وإلزام دول الجوار بإغلاق هذه الحدود والتعاون لمنع عمليات التسلل التي ما زالت تجري بتعاون وثيق ما بين كافة الاستخبارات الدولية واستخبارات دول الجوار وخاصة في الأردن وتركيا، الموقف الخجول للحكومة المصرية وإعلان حرصها على وحدة الأراضي السورية ومنع التقسيم وترك القرار للشعب السوري في كلّ شؤونه الداخلية، والمطالبة بتشكيل تحالف عالمي لمكافحة الإرهاب خطوط عمومية قالت بها دول أخرى، مصر مطالبة بمواقف أكثر حزماً ومتقدّماً على الدول الأخرى، لأنّ الأمن القومي المصري مرتبط جذرياً بأمن المنطقة ككلّ، ربما وبسبب المعاناة المصرية من الإرهاب المتصاعد يتطوّر الموقف المصري فيأخذ منحى الصدام مع المشاريع الخارجية التي تمسّ الأمن القومي للمنطقة وبضمنها مصر، فالحريق على الساحة الليبية ليس بعيداً، والتورّط في الحريق اليمني، والصمت وإغماض العين عما يجري في الساحتين العراقية والسورية أمر لا يخدم السياسة الخارجية المصرية ويفقدها وزنها المؤثر، وهو الدور الذي كان في الماضي، وما زال عالمنا العربي يتطلع إليه ناشطاً وقوياً، ومتحرّراً من تأثيرات الدول الخليجية وأيضاً أميركا والعدو الصهيوني إلى حدّ ما وقد يكون مجرد أمل بعيد المنال في الوقت الحاضر والمستقبل القريب.
ليس صحيحاً أنّ الخطط الأميركية في المنطقة تعاني من التخبّط والارتباك، فهي لا يمكن أن تتأثر بتغيّر الإدارة، هي خطط تشرف عليها حكومة ظلّ أبعد ما تكون عن تأثير الإدارة التنفيذية سواء القديمة أو الجديدة القادمة، الجمود قد يطال الشأن الداخلي المحلي ضمن الولايات، وربما نشهد تغيّراً طفيفاً في العلاقات على المستوى الدولي، تحسّن صداقات، أو توتر في علاقات وانفراج غيرها، لكن النهج العام والمسار بالنسبة للمنطقة لن يتبدّل أبداً حيث ترعاه مستويات عليا من الاستخبارات المركزية ودوائر مختصة في وزارتي الخارجية والدفاع، أما القول عن اتجاه أميركي لتعديل العلاقات مع الحليف التركي فهي أبعد ما تكون عن الواقع كون الموقع الاستراتيجي لتركيا لا يسمح للناتو بالتخلي عنه أو حتى مجرد البحث عن بديل، وما تراه أميركا هو ذاته ما يراه الناتو ويبني عليه سياساته إلى مدى بعيد وليس بمعزل عن احتمال مواجهة مع القوة الروسية التي تلعب أوراقها بحرفية ومهنية عالية، في المنطقة أو خارجها رغم أنها في شبه حالة دفاع عن النفس بمواجهة محاولة تطويق مكشوفة.
القادمات من الأيام حبالى، تحرير الموصل قد لا يتأخر، والوضع في حلب عرضة لتدخلات دولية متشابكة، الموقف التركي في حالة اهتزاز لا يمكن أن يصل حافة استقرار حيث يتواجد، القيادة السورية حزمت أمرها برغم ملاحظة تردّد روسي وامتناع عن القصف الجوي، حلب مفتاح الباب، أم الباب هو المدخل إلى وضع اليد كاملة على حلب؟ قد تكون عملية عضّ أصابع، ويربح من يصبر أكثر.