عمران أدهم… والنفاق الأميركي 1
عبدالله خالد
يستشهد عمران أدهم في مقدمة كتابه «النفاق الأميركي» بما قاله الرئيس سليم الحص من أن العرب أصيبوا بنكستين: نكسة خسارة فلسطين ونكسة الثروة النفطية التي كانت وبالاً على بلادنا لأننا لم نحسن استعمالها. ويشير إلى خطورة المخططات التي وضعها صانعو القرار الأميركي بإيحاءات «إسرائيلية» من أجل تحقيق أحلام وطموحات الدولة اليهودية في بسط نفوذها على الثروات العربية ومستقبل العالمين العربي والإسلامي. ويتحدث عن قانون PATRIOT ACT الذي صدر بعد أحداث أيلول 2001 والذي انتهك كلّ الأعراف والخصوصيات، وأجاز ردع كلّ من يناهض «إسرائيل» أو يعترض على دعم أميركا للدولة العربية ويتساءل: هل إن «إسرائيل» العدو باتت صديقاً، في حين أنّ إيران صارت هي العدو؟
يركز عمران على أنّ القاسم المشترك في الإدارات الأميركية منذ ترومان حتى اليوم هو أنها تتآمر على فلسطين وتغدق الوعود الكاذبة بدءاُ بما سمي «حرب تحرير العراق» وتشويه صورة الإسلام، وصولاً إلى التجسس المفضوح على العالم بأسره. وبعد أن يتحدث بالتفصيل عن مراحل التواطؤ الأميركي لتثبيت «إسرائيل» يختصر الرؤية «الإسرائيلية» لقضية فلسطين بمضمون «وثيقة بيلين» التي أكدت أنّ القدس الموحدة «عاصمة إسرائيل الأبدية»، وأن لا عودة إلى حدود 4 حزيران 1967 والإبقاء على المستوطنات حتى بعد التسوية النهائية، ورفض حق عودة الفلسطينين إلى ديارهم التي شرّدوا منها عام 1948، والموافقة على كيان فلسطيني يكون أقلّ من دولة بعد تكريس «يهودية فلسطين». ويشير إلى كتابي شيمون بيريز «الشرق الأوسط الجديد وكتاب «أرض الميعاد» الذي يحدّد أهداف «إسرائيل» الاستراتيجية في المنطقة. ويتحدث عن استراتيجية جورج بوش الأمنية التي تقضي بالسيطرة على 7 دول شرق أوسطية العراق، سورية، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان وإيران واستطراداً مصر واليمن والسعودية ودول الخليج بعد أن تطابقت الاستراتيجيتان الأميركية و»الإسرائيلية». وكشف أنّ الباحث الأميركي جوزف بارنكسي قال: علينا أن نحتلّ سورية لنضمن إنشاء خطوط نقل النفط من الموصل إلى حيفا. ويتحدث عن الجرائم الأميركية المستمرة بدءاً بالانقلاب على محمد مصدق في إيران في خمسينيات القرن الماضي، وصولاً إلى إسقاط الطائرة الماليزية عام 2014، والأكاذيب الأميركية بعد أحداث أيلول حين تمّ طمس الحقائق حول تفجير البرجين تمهيداً لغزو أفغانستان والعراق وإلصاق تهمة الإرهاب بكلّ هدف تريد الإدارة الأميركية تدميره في حربها المفتوحة على العالمين العربي والإسلامي. وإذا كان ضابط الاستخبارات كرميتروزفلت قد أسقط مصدق بموجب «عملية أجاكس» فإنّ اغتيال الملك فيصل، بواسطة ابن شقيقه فيصل بن مساعد المقيم في الولايات المتحدة، عقاباً له على قطع النفط عن الغرب عقب حرب تشرين وإعلانه أنه يريد الصلاة في القدس وبتحريض من الـCIA بواسطة صديقته الأميركية كريستين سورما.
أحداث البرجين مؤامرة صهيونية
أصبح واضحاً أنّ أحداث أيلول 2001 مؤامرة صهيونية تولت تنفيذها الأجهزة الأمنية الأميركية. والدليل أن «الموساد» طلب من اليهود العاملين في البرجين عدم التوجه إلى عملهم في 11-9-2001 وأن الأجهزة الأمنية نصبت مسبقاً كاميرات تسمح لها بتصوير العملية بدقة. كما أن تاجر العقارات اليهودي لاري سيلفسترين مالك البرج الثالث الذي سقط في العملية من دون أن تصطدم به أي طائرة كان قد استأجر قبل 6 أسابيع من الحادث البرجين اللذين سقطا لمدة 90 عاماً ودفع 100 مليون دولار كسلفة، وأضاف بنداً على عقد التأمين المتعلق ببرجه الثالث ينصّ على التعويض عن الهجمات الإرهابية قبل 45 يوماً من الهجوم. وبذلك حصل على تعويض 861 مليون دولار على الرغم من أن كلفة إعادة بنائه تبلغ 386 مليون دولار، وكان سلفسترين أجرى التأمين مع شركات يابانية وليس أميركية. كما ثبت أنّ المجموعة السعودية التي شاركت في الهجوم كانت على علاقة مباشرة بالمخابرات الأميركية. فمختطف الطائرة الأولى المصري محمد عطا لم يكن في الطائرة لأنه اعتقل وقتل بعد 24 ساعة من الهجوم. وأحد المتهمين عبد العزيز العمري لا يزال حياً وهو موجود في جدة، والمتهم وليد الشاعري موجود في الدار البيضاء وكذلك سعيد الغامدي وأحمد الناعمي. كما ثبت أنّ شريط بن لادن كان مفبركاً. يُضاف إلى ذلك أنّ وزير خارجية بريطانيا روين كوك أكد أن لا علاقة للإسلام والمسلمين بالعملية، وأنّ كل ما نشر من افتراءات أعدّ بإشراف دونالد رامسفيلد. ولا بدّ من الإشارة إلى أن كتاب «الخدعة الرهيبة» الذي أعده الفرنسي تييري ميسان كشف أنّ العملية كلها من إعداد المخابرات الأميركية. وتحدث عن مهرجان الكذب الأميركي من كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، والفشل الأميركي المخجل في إقامة دولة مدنية ديمقراطية، الأمر الذي أدى إلى قيام نظام أحقاد طائفية وممارسات ثأرية يُغرق العراقيين في الدم بعدما مزق الاحتلال وحدته الوطنية وخلّف أكثر من مليون أرملة وخمسة ملايين يتيم.
إلى كذبة التسوية الأميركية للقضية الفلسطينية. فبعد 20 عاماً على «كذبة أوسلو» يتمّ الحديث عن استبدال فلسطين التاريخية بالأردن كمشروع وطن بديل.
أما الكذبة الثالثة فهي الحديث عن صدمة أميركية لاستخدام حق الفيتو الروسي – الصيني لنقض القرار الداعي لفرض عقوبات على سورية، وهي التي استخدمت الفيتو أكثر من 50 مرة لحماية الإرهاب الصهيوني.
وتحدث عن جعبة أسرار دفينة فأشار إلى الناشط في الـCIA جون بيركنز الذي نشر كتاب «اعترافات قاتل اقتصادي» تحدث فيه عن تخطيطه لمجموعة انقلابات واغتيالات في إيران وغوايتمالا والإكوادور وبنما وفنزويلا والعراق، متوسّلاً الرشاوي والجنس والجريمة والانتخابات لإركاع البلدان النامية وابتزازها وخدمة المطامع الأميركية. كما كشف أنّ السعودية ودول الخليج موّلت الحرب العراقية – الإيرانية والغزو الأميركي للعراق. وفي إطار السعي للضغط على السعودية أوحت الإدارة الأميركية لبن لادن والملك حسين بأنّ تقسيم السعودية سيحصل، ودعتهما للاستعداد لتولي الحكم في الدويلات المستحدثة. وأن بن لادن كان لا يثق بالوعود الأميركية لأنه يدرك أنّ «إسرائيل» هي التي تصنع القرار الأميركي، وأنّ استراتيجيتها تهدف إلى تفكيك وشرذمة العالم العربي لتسهيل هيمنتها على المنطقة. ويؤكد أنّ الرئيس حافظ الأسد كان عصياً وقد صمد في وجه المخططات الأميركية -الإسرائيلية وعجز الأميركيون عن استمالته، فعمدوا إلى زعزعة حكمه في مطلع ثمانينيات القرن الماضي وحرّضوا «الإخوان المسلمين» على الثورة.
ويبدو أنه كان يعرف حجم العلاقات التي كانت تربط بعض العرب بإسرائيل ولكنه استثنى الرئيس حافظ الأسد من هذه الإرتباطات. ولذلك فإنّ إيران ومعها حزب الله تعاونا مع سورية في مواجهة المخططات الأميركية «الإسرائيلية».
ويضيف بيركنز أن قطر سعت من خلال حمد بن جاسم إلى إسقاط الحكم السعودي ولكنها فشلت. وأنّ غزو العراق كان قراراً أميركياً «إسرائيلياً»، وأن «إسرائيليين» رافقوا القوات الغازية ونهبوا متاحف العراق.
كوندوليزا رايس قتلت الحريري
تحت هذا العنوان تحدث عمران عن ظروف اغتيال رفيق الحريري، فأشار إلى أنّ بيركنز قال إنّ اغتيال رفيق الحريري هو نتاج خطة إسرائيلية – أميركية وضعت عام 2004 وأرجئت إلى عام 2005 بسبب خلافات داخل الإدارة الأميركية. وأنّ الإغتيال حسب معلوماته تمّ بواسطة صاروخ من البحر شاركت فيه الأقمار الاصطناعية الأميركية التي كانت تبث معلوماتها إلى سفينة تجسّس إسرائيلية ترسو قرب المياه الإقليمية اللبنانية. وأنّ تصفية الحريري كانت تستهدف دور لبنان النفطي والاقتصادي والمالي في المنطقة بعد أن أثبتت الحرب الأهلية أنها لم تعطل هذا الدور، وأنّ أحداً لا يستطيع أن يعوّض غياب لبنان على المستوى الإقليمي، وأنّ اتهام سورية باغتيال الحريري كان مجرّد ذريعة للانتقام من الرئيس حافظ الأسد الذي تمرّد على الإملاءات، ومن بعده الرئيس بشار الأسد. ففي 4 آب 1993 استقبل الرئيس حافظ الأسد وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر الذي أبلغه ضرورة دعم اتفاق أوسلو ووقف دعم المقاومة الفلسطينية، فأبلغه الرئيس الأسد أنه إذا كان هناك من يعتقد أن السلام في المنطقة ممكن من دون سورية فهو واهم، وأنّ «الإسرائيليين» تراجعوا عن التزاماتهم وديعة رابين وعرقلوا مشروع السلام بأيديهم، ولقد كنا معتدلين حتى الآن، ولن نكون كذلك بعده. وتكرّر الأمر في 2 أيار 2003 حين حمل وزير الخارجية الأميركي كولن باول الإملاءات الأميركية إلى الرئيس بشار الأسد. لكن شيئاً لم يتغيّر في مواقف سورية. وفي 15 تشرين الأول 2003 صدر عن الكونغرس قانون محاسبة سورية واستعادة السيادة اللبنانية وتبعه في 2 أيلول 2004 القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي. وفي هذه الأجواء يقول بيركنز اغتيل رفيق الحريري بواسطة صاروخ يحتوي على اليورانيوم المخصّب من البحر. وهذا النوع من الصواريخ لا تملكه إلا الولايات المتحدة وألمانيا و»إسرائيل». وقد صورت الأقمار الأميركية و«الإسرائيلية» عملية الاغتيال، إضافة إلى طائرة هليكوبتر «إسرائيلية» كانت تراقب سير العملية.
اختير المحقق الألماني ديتليف ميليس لرئاسة لجنة التحقيق الدولية سبق له أن اختير للتحقيق في ملهى في برلين وألصقت التهمة بليبيا يساعده غيرهارد ليمان عميل مزدوج للمخابرات الأميركية و«الإسرائيلية» وأنّ مسؤول حماية الحريري علم بالعملية ولذلك غاب عن الموكب بعد أن حدّد خط سيره. وأنّ نجاح العملية كان يتطلب تعطيل أجهزة الرصد المتقدمة للسيارة التي تنقل الحريري، وهذه مهمة لا تستطيع القيام بها إلا الولايات المتحدة أو «إسرائيل» وقد أوكلت المهمة إلى باخرة تجسّس «إسرائيلية» وواكبتها طائرة «أواكس» أميركية وهليكوبتر «إسرائيلية».
ولكن ما هي الاعتبارات التي دفعت الولايات المتحدة و«إسرائيل» إلى إعداد عملية مشتركة لاغتيال الحريري؟ حول هذا الموضوع تحدث المسؤول في المخابرات الأميركية ديفيد وين فقال: إنّ أسباباً عدة قد تجمّعت وأدّت في النهاية إلى اتخاذ القرار وأبرزها اقتناع «إسرائيل» بأنّ الحريري يقف حجر عثرة في وجه مخططاتها الاقتصادية والسياسية، وأنه شخصية عربية قوية تتمتع بحضور مؤثر على المستويين الإقليمي والدولي بعد أن نسج شبكة علاقات بالغة الأهمية عربياً وإقليمياً ودولياً وظفها في مساندة المقاومة وسورية، كما وظفها في خدمة لبنان وتعزيز دوره المالي والاقتصادي كقطب جاذب للرساميل والاستثمارات الخليجية. وما حصل عقب الاكتشافات النفطية الأخيرة أنّ لجنة أمنية – سياسية نبّهت الحكومة «الإسرائيلية» إلى أنّ وجود الحريري في الحكم سوف يتسبّب بمتاعب لـ«إسرائيل» خصوصاً في عملية ترسيم الحدود بين قبرص ولبنان، الأمر الذي يضع الدولة العبرية أمام ما يشبه الأمر الواقع في ما يتعلق بحجم ثروتها النفطية والغازية، وبالتالي لا بدّ من التخلّص من هذا الرجل لأنّ تطلعاته وطموحاته لا تنسجم مع تطلعاتنا وطموحاتنا ونظرتنا إلى مستقبل المنطقة ودور «إسرائيل» في المدى الإقليمي. ثم إنه أعاد بناء بيروت والوسط التجاري المهدّم بشكل حضاري لافت، الأمر الذي استقطب رساميل خليجية وغير خليجية، فضلاً عن أنه عزز دور لبنان المالي والمصرفي الأمر الذي يعيق تنفيذ الخطط «الإسرائيلية» في المنطقة. والاعتبار الآخر الذي كان يزعج «إسرائيل» بقوة هو أنّ الحريري استطاع أن يسوّق حزب الله كحركة تحرير ومقاومة ضدّ الاحتلال الأمر الذي يشكل عقبة كبرى في وجه أي هجمة «إسرائيلية» جديدة على الحزب بهدف تدمير بنيته التحتية على أساس أنه حركة إرهابية.
يقول ديفيد وين إنّ المشاورات التي كانت تجريها الحكومة «الإسرائيلية» المصغّرة برئاسة شارون كانت تصطدم دائماً بإنجازات الرئيس الحريري، مما أدّى إلى اقتناع متزايد بأنّ بقاءه على قيد الحياة يشكل خطراً حقيقياً على أطماعها المستقبلية. لكن القيادة «الإسرائيلية» وجدت أنّ أيّ قرار بتصفيته يستوجب أن تؤخذ بالاعتبار التداعيات السياسية المختلفة، لأنّ العلاقات التي نسجها بالغة التأثير. ولذلك وسّع شارون مشاوراته مع القيادات الأمنية في الصيغة المثلى لاغتيال الحريري من دون إلحاق الضرر بـ«إسرائيل». ومع بروز توجه لتنفيذ العملية في بلد عربي أو أوروبي رفض «الموساد» هذا الاقتراح لأنه يمكن أن يرتب عواقب وخيمة على «إسرائيل» فاقترح شارون أن تتمّ العملية في بيروت، معتبراً أنها تسمح بالتخلص من الرجل وتؤسّس لصراع داخلي طويل في لبنان بين أنصار الحريري ومؤيدي سورية وحزب الله، مما يؤدّي إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان ومذهبة الصراع السياسي الداخلي.
وضعت خطة لتحقيق ذلك، ولكن سرعان ما تبيّن أنّ نجاحها يستوجب تعاوناً أميركياً، وتحديداً في مجال تعطيل أجهزة الحماية الالكترونية التي أحاط الحريري نفسه بها. وتمّ تقديم اقتراح بهذا الخصوص حملته كوندوليزا رايس إلى الرئيس السابق جورج بوش للموافقة عليه. ناقش بوش الأمر مع نائبه ديك تشيني واتصل بوالده الرئيس الأسبق جورج بوش يستمزجه في الأمر. فاعترض بوش الأب على العملية لأنّ الفائدة منها محدودة لكن عواقبها كبيرة ولأنّ تصفية الحريري سوف تخلق مشاكل مع جهات عدة بدءاً بالرئيس جاك شيراك والملك فهد وولي عهده الأمير عبدالله وقادة عرب وأوروبيين آخرين. عندها رفض الرئيس بوش العملية ونصح «الإسرائيليين» بالعدول عنها. وبعد هذا الرفض اتصل شارون برايس لإقناعها بمدى خطورة الحريري على مخططات «إسرائيل» النفطية والأمنية فوعدته بالعمل على إقناع بوش وتشيني ورامسفيلد وزير الدفاع وبانيتا مستشار الرئيس الأمني ورتبت لقاء مع هذا الرباعي لإعادة فتح الموضوع. وفي اللقاء قال تشيني إنّ الملك فهد والأمير عبدالله لا تربطهما علاقة جيدة مع الحريري وتصفيته لن تثير مشكلة مع المملكة. أما شيراك فيمكن إقناعه بأنّ سورية التي تملك زمام الأمور في لبنان هي التي اغتالت الحريري ويمكن إعداد إخراج ملائم لهذا الإقناع، أما ردود الفعل الأخرى فلا قيمة لها ولن تؤثر على مصالحنا في المنطقة. وهكذا تمّ إقناع بوش بجدوى العملية. وتمّ استعراض كامل الخطة المعدة. وسارعت رايس إلى إبلاغ شارون بذلك وأنه صدرت أوامر بوضع إمكانات المخابرات كاملة في تصرف «الموساد» لمساعدة «إسرائيل» في التنفيذ لضمان نجاح كلّ المراحل. وهكذا نفذت العملية وانطلقت حملة إعلامية لتضليل التحقيق وإقناع شيراك بأنّ سورية تقف وراء الاغتيال وذهب الضباط الأربعة المسؤولون عن الأجهزة الامنية اللبنانية ضحية التواطؤ الأميركي-الإسرائيلي.
ويشير عمران إلى ما قاله السفير الأميركي الأسبق في لبنان جون غونتردين عن التدخل الأميركي في لبنان عام 1958 عندما توجه الأسطول الأميركي إلى بيروت بعد الانقلاب العسكري الذي شهده العراق، وعام 1975 عندما تفجرت الحرب الأهلية واندلعت المعارك بين اللبنانيين والفلسطينيين، وكيف وظفت الولايات المتحدة الفتنة في تدمير البنية الاقتصادية والعمل على تقسيم لبنان.
وباعتبار أنّ الحديث يتركز على النفاق الأميركي لا بدّ من التوقف عند حادثة لوكربي التي تشير إلى سقوط طائرة أميركية عام 1988 ذهب ضحيتها 270 شخصاً، والتي اتهمت بإسقاطها ليبيا. يقول ديفيد وين إنّ المخابرات الأميركية كانت تنوي في البداية إلصاق التهمة بسورية من أجل الضغط على الرئيس حافظ الأسد وليّ ذراعه لقبول التسوية «السلمية» بالشروط الصهيونية. ولكنها راجعت حساباتها بعد أن تيقّنت أنه خبير في مقاومة الابتزاز ويصعب حصاره ولأنّ سورية موجودة في لبنان وهو بلد مفتوح على العالم. ولذلك قرّرت واشنطن إلصاق التهمة بليبيا لترويض الرئيس القذافي وإقناعه بالكفّ عن المزايدة في القضية الفلسطينية وابتزازه مالياً عن طريق إلزامه بالتعويض عن ضحايا الطائرة الذين كانوا ضحايا «السي أي أيه» التي فجرت الطائرة بإشراف ريتشارد فيوز، لأنّ الطائرة كانت تقل حمولة تتضمّن مجموعة من الملفات تحتوي على تحقيقات حول مشاركة عدد من ضباط الـCIA كانوا متواجدين في لبنان في الإتجار بالمخدرات.
ويؤكد عمران أن تفجير ليبيا بعد سنوات من تفجير لوكربي هو الفصل الأول من مخطط أكثر شمولاً يرمي إلى تفجير الجزائر من الداخل وتقسيمها إلى 3 مناطق مستقلة ومتناحرة عرقياً في إطار استراتيجية زرع الفوضى لتمزيق المنطقة.
الشراكة بين «الإخوان» والولايات المتحدة
بدأت الشراكة بين جماعة «الإخوان المسلمين» والأجهزة الأميركية في أربعينييات القرن الماضي وتعززت في عهد عبدالناصر وتطورت في عهدي السادات ومبارك واستكملت في عهد مرسي واستعادت وهجها مع سقوطه. وقد كشفت الأحداث الدامية التي جرت بعد 30 حزيران عمق العلاقة بين واشنطن والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ويفسّر الرهان الإخواني على الولايات المتحدة جنونهم السلطوي وشبقهم إلى ممارسة الحكم بعد أن توافقوا مع واشنطن على احترام المصالح الأميركية- الإسرائيلية مقابل وصولهم إلى السلطة. وقد اعتبر كثيرون أنّ واشنطن تتحمّل مسؤولية الدماء التي سالت في الأحداث التي تلت سقوط مرسي لأنها هي التي زوّدت الإسلاميين بالسلاح. وقد كشف أكثر من موقع دولي وعربي التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وبين الإخوان في عهد أوباما وصولاً إلى تحويل «إسرائيل» إلى مرتكز إقليمي بمشاركة «الإخوان المسلمين»، انطلاقاً من «الربيع العربي» الهادف إلى إقامة مجموعة من الإمارات الإسلامية في مصر والمنطقة بقيادة التنظيم العالمي لـ»الإخوان المسلمين» وفي مقدمته إمارة تبدأ من غزة وتمتدّ إلى العريش وصولاً إلى سيناء على أن تسيطر «إسرائيل» على منطقة جنوب سيناء. أما المنطقة الممتدة من العريش إلى رأس محمد فتخضع أمنياً لحماية قوة متعددة الجنسيات حتى قناة السويس، على أن تبقى إدارياً ملحقة بمصر. وقد اتخذت وزارة الدفاع المصرية قراراً بمقاومة هذا المشروع الذي تسعى الجماعة إلى تنفيذه وتتغاضى عن الخلايا الإرهابية الناشطة في شمال سيناء والتي يقدر عددها على جانبي الحدود ب13500 عنصر. وقد كشف موقع «التحقيقات الاستقصائية» المصري النقاب عن دراستين أعدهما «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» في عامي 1991 و1993 ركزتا على إضعاف وتفتيت بعض الكتل الإقليمية في المنطقة التي تشكل ركائز الاستقرار من أجل تمرير سيناريو الدويلات الصغيرة لإزالة العقبات التي تعترض المشروع التقسيمي.
ولتنفيذ هذا المخطط وقع الاختيار على جماعة الإخوان والتنظيمات المذهبية المنبثقة منها أو التي تدعم توجهاتها. وإذا كان التأسيس الأول لـ»إسرائيل» قد تمّ في مؤتمر «بال» فإنّ التأسيس الثاني يمكن الاستدلال عليه من خلال دراسة مفصلة نشرت في مجلة «كيفونيم» الصهيونية العالمية تتضمّن شرحاً تفصيلياً لاستراتيجية تقضي بتفتيت الدول العربية تمهيداً «لإعادة تركيب» الشرق الأوسط بما ينسجم مع المصالح الأميركية »الإسرائيلية» تبدأ بتمزيق مصر وحرمانها من قوتها المركزية وتعمل على تقسيم ليبيا والسودان ولبنان الذي يفترض أن يكون تقسيمه نموذجاً لمشروع التقسيم الكبير على امتداد المنطقة بدءاً بتفجير سورية والعراق وتحويلها إلى دويلات اثنية وطائفية. وهذا التفجير أولوية «إسرائيلية» وتنفيذه يفترض تدمير القوة العسكرية للبلدين معاً. وأن تجد القضية الفلسطينية حلاً لها على حساب المملكة الأردنية. وفي عام 1992 حدّد كيسنجير في كتابه «الأعمدة الستة للنظام العالمي» بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وهي:
– وحدة أوروبا شرط أن لا تكون على حساب الحلف الأطلسي.
– من البيروسترويكا إلى روسيا: حكم مركزي من خارج مناطق النفوذ الأميركية.
– ألمانيا الموحدة: دور جديد في تثبيت العلاقات الأوروبية.
– الحرب ضدّ صدام من أجل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
– «إسرائيل» وفلسطين: الهدف النهائي هو الأرض مقابل الأمن.
– «إسرائيل واليابان» من دون ذكر الهند وحدود دورهما في شؤون آسيا والباسيفيك.
وقد عززت هذه الركائز الارتباط الإستراتيجي بين الولايات المتحدة و»إسرائيل» في شرق المتوسط. وأبلغ تعبير عن التطابق الحقيقي بين الاستراتجيتين الأميركية و»الإسرائيلية» في المنطقة هو مشروع برنار لويس لإعادة تقسيم الشرق الأوسط الذي ينطلق من تقسيم سايكس – بيكو الذي أعقبه وعد بلفور، إلى مشروع تقسيمي جديد يقضي بتفكيك الوحدة الدستورية للدول العربية جميعها. وتفتيت كلّ منها إلى كانتونات ودويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية. وسلّم هذا المشروع إلى بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الاميركي الأسبق جيمي كارتر الذي حرص على تصحيح حدود سايكس – بيكو لتكون أكثر انطباقاً وانسجاماً مع المصالح الأميركية «الإسرائيلية». وقد أقرّ الكونغرس هذا المشروع عام 1983، وقرّر اعتماده في رسم الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا وهو يقضي بإعادة رسم خرائط المنطقة وتحويلها إلى أكثر من 50 دولة تقوم على أسس عنصرية ومذهبية وعرقية واثنية ومذهبية وتعتمد:
– تفكيك دول شمال أفريقيا وإعادة تركيبها دولة البربر، دولة النوبة، دولة البوليساربو دولة الأمازيغ، دولة المغرب، دولة تونس، دولة الجزائر.
– تقسيم منطقة الجزيرة العربية والخليج إلى: دولة الإحساء التي تضمّ الكويت وعمان وقطر والإمارات والبحرين، دولة نجد، دولة الحجاز التي يُضمّ إليها اليمن.
– تفكيك العراق على أسس عرقية ومذهبية ودينية: دولة حول البصرة، دولة وسط العراق حول بغداد، دولة كردية حول الموصل.
– تقسيم سورية إلى دولة حول دمشق، دولة في منطقة حلب، دولة درزية في الجولان.
– تقسيم لبنان إلى دولة سنية، دولة مسيحية، دولة شيعية، دولة علوية تشمل أجزاء من سورية ولبنان، تدويل بيروت.
– تقسيم إيران وأفغانستان إلى عشر دول عرقية هي كردستان، أذربيجان، تركستان، عربستان، ايرانستان، بوخوستان، بلوشستان، أفغانستان، باكستان، كشمير.
– تصفية الأردن ونقل السلطة الفلسطينية إلى عمان وتحويل فلسطين إلى دولة يهودية.
وإذا كان احتلال العراق هو الخطوة الأولى لتنفيذ هذا المشروع فإنّ إذكاء الصراع السني- الشيعي في المنطقة في السنوات العشرة الأخيرة هو الخطوة الثانية من خلال إشعال الفتنة العربية-الفارسية. أما الخطوة الثالثة فيمكن معاينتها اعتباراً من 2010 في تونس ومصر وليبيا ليبدأ بعدها ما سُمّي بـ«الربيع العربي».
يتبع