أوباما وبوتين… وكسر الإرادات في سورية

عامر نعيم الياس

تتشعّب الأزمة السورية إلى مستويات عدّة يتداخل فيها الدولي بالإقليمي والعامل الداخلي في نقاط مشتركة، ويتباعد في نقاط أخرى، ما سيجعل الحل والكلام الفصل على الأرض باعتباره الميدان الملموس لفرض التسويات التي تناسب مصالح الأطراف المنخرطة في الصراع، ضمن إطار النظرة العامة القائمة على صراع المحاور في المنطقة، والذي يختصر في طيّاته ما ذكر سابقاً عن المستويات الدولية والإقليمية والداخلية للصراع.

عاد الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الشرق الأوسط تاركاً استراتيجيته للشرق الأقصى والمحيط الهادئ في سبات لا يتوقع أن تستفيق منه خلال السنتين الباقيتين لولاية الرئيس الأميركي. دخل إلى المنطقة من بوابة تنظيم «الدولة الإسلامية» الإرهابي والذي كان للاستخبارات الأميركية الدور الأكبر فيه، على الأقل إذا أخذنا بعين الاعتبار السجّانين الأميركيين وإشرافهم المباشر لسنوات عدّة على قادة هذا التنظيم الشيطان في السجون الأميركية على أراضي العراق تحت الاحتلال الأميركي قبل عام 2011.

عاد أوباما إلى الحرب على «داعش» بغطاء من أمين عام الأمم المتحدة ومن دول حلف واشنطن مرتكزاً على الخزان البشري والمالي والعقائدي الأهمّ لـ«داعش» أي المملكة السعودية في إطار سياسة فتح الأوراق وخوض لعبة البوكر في المنطقة. فـ«المعارضة السورية المعتدلة» ومن ضمنها «جبهة النصرة» التي أخرجت من معادلة القرار 2170 بطريقة مسرحية، صارت علناً تتدرّب في السعودية. وأنقرة لن تشارك في الحرب على «داعش» ولا في وقف تمرير المقاتلين من أراضيها سوى لتنظيم «الدولة الإسلامية»، فالتنظيمات الباقية أداة الاستنزاف في سورية لا يمكن بأيّ حال من الأحوال المسّ بها. فما الذي يريده أوباما من استراتيجيته لمحاربة «داعش» فقط؟

ـ تحييد مجلس الأمن وسحب ورقته من التداول بما يضمن شلّ القدرات الروسيّة التي تعمل على صبغ أيّ تحرك دوليّ في إطار الشرعية الأممية والقانونية لمجلس الأمن.

ـ تسعير الصراع الطائفي في المنطقة، فالإعلان عن مراكز تدريب للناتو وواشنطن على الأراضي السعودية، بالتزامن مع استبعاد إيران واستفحال الأزمة في اليمن، يصبّ في سياق الحصار والحصار المضادّ على الرقعة الممتدة من الخليج إلى سورية.

ـ محاولة استعادة الهيمنة الأميركية على المنطقة ورصّ صفوف التحالف الموالي لواشنطن بحجّة الحرب على «داعش»، الأداة الأكثر خدمةً لمصالح واشنطن في المنطقة بما يضمن أيضاً تعزيز أمن الكيان الصهيوني واستعادة هيبته التي فقدها في الحرب الأخيرة على قطاع غزّة.

ـ إدارة لعبة احتواء إيران في العراق بما يضمن تنفيذ مخطّط تقسيم العراق بحجة محاربة «داعش» لكن على المدى الطويل. فدعوة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تسليح أبناء المناطق التي يتواجد بها تنظيم «داعش» تشير إلى البدء بمرحلة شراء الولاءات في العراق الجار المؤثر في دول الجوار، خصوصاً سورية التي تعاني ما تعانيه منذ أربع سنوات.

أمس نشرنا على صفحات «البناء» مقالاً أكّدنا فيه اعتماد أوباما على تقدير الموقف السعودي ـ الفرنسي في ما يخصّ سورية. واليوم يتأكد أن الإدارة الأميركية تحاول عبر هذا التقدير استعادة زمام المبادرة في المنطقة وتحديداً في سورية ليس للضغط باتجاه تغيير النظام في سورية، بل الدفع بتسوية تراعي المصالح الأميركية على قاعدة الحرب على «داعش»، وإعادة هيكلة المجموعات الإرهابية المسلّحة التي تحارب الدولة السورية في إطار شرعيّ وقانونيّ، أي الحرب الجديدة لأوباما على إرهاب «داعش» دون سواه، هو رهان وإن كان مليئاً بالتناقضات والعقبات التي منعت من تحقيقه في السابق، إلا أنه يؤشر إلى بدء المرحلة الأخيرة والأكثر صعوبة من الصراع الدامي على المنطقة. هنا ترمى الكرة في ملعب محور المقاومة وروسيا التي ستجد نفسها مضطرة إن عاجلاً أم آجلاً إلى كشف أوراقها الخاصة بإدارة الصراع مع واشنطن في سورية والمنطقة أسوةً بما فعلته إدارة أوباما.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى