هيثم زياد يكسب الرهان في «حرب النجوم»
جهاد أيوب
هيثم زياد، مطرب لفت الانتباه إليه حينما نجح في «استديو الفنّ» مع سيمون أسمر رغم صغر سنّه، وحصد الميدالية الذهبية من دون منافسة عن فئة الأغنية الشعبية العربية عام 1996. يومذاك، غنّى للملحن والمطرب المصري سيد مكاوي والمطرب اللبناني الذي رحل باكراً غسان أبو ملهب، ولفت إليه الجميع بانبهار وتفوّق لكونه يملك الأداء الصحيح، والصوت المتمكّن، والعُرب الصحيحة التي يعرف كيفية استخدامها من دون أن يزعج السمع، والشكل الانيق. ومع ذلك، ابتعد عن الطرب والغناء الفرديّ بإرادته ليظهر ملحّناً مختلفاً له حضوره وجنونه وتميّزه واختلافه، يعرف إمكانيات هذا الصوت، ومستوى عطاء ذاك الصوت، يلحّن كما يشتهي الجمهور من دون أن يسرق، أو يرتجل ويقلّد ويفبرك ألحانه، يغامر بتلحين الكلام المتواضع، ويضعه في قالب لحنيّ جاذب، لا يثرثر كثيراً، ويعمل حتى يفي حقّ من يتعامل معه.
وفي حديث خاص ومسجّل بصوته، قال عنه الراحل الكبير الموسيقار ملحم بركات: «هيثم كويّس وناجح، ومنّو هيّن، يعيش الأجواء بحب، ولو وضعناه في الصين يلحّن بالصيني، ولو وضعناه بالسودان يلحّن بالسوداني، رهيب هذا الشاب، أنا أحبه كثيراً، وهو شاطر وحبّوب وبيكفي أنه يحبّني، ويموت بملحم، ومن يحبّني ينجح بالحياة، وقد ما أحبه أسمعه ألحاني ولا أخاف منه، خاصة في ملحنين يسرقون اللحن وينسبونه إليهم إذا سمعوه، أنا أثق بهيثم أنه موهوب».
هيثم الذي أحبّ منذ بداياته المغامرة، فاجأ الجميع بمغامرة التقديم من خلال برنامج «حرب النجوم» على قناة «الجديد»، والتي بدورها قدّمت لهذا الموسم مجموعة برامج منوّعة منها ما يسلّينا في زحمة تعبنا المتجدّد والمرهق، وآخر اجترار، واستهلاكي لم يعد يفيدنا ويفيدها، ونسبة العنصرية واللعب على وتر الطائفية وأمراض البلد عالية وتفوح منه، وليس من الضرورة أن يكون الخطاب الإعلامي شريكاً في ترسيخ هذا المرض، وهذه القمامة كما هو حاصل في بعض برامج «الجديد»، خصوصاً «العين بالعين»، فكرة مستهلكة، مريضة تزيدنا تشويهاً وتقوقعاً، ولا تصنع نجاحاً لكثرة استخدامها وعباطتها، بل هي إفلاس في التقديم والطرح والحضور، والأخطر في برنامج كهذا أن يعتقد المشرفون عليه أنّ الإعلام جلسة في كازينو من أجل المقامرة.
«حرب النجوم» إخراج كريستال معوض، إعداد وتقديم المطرب والملحن هيثم زياد، إنتاج «الجديد»، ومنتج منفذ رانيا يزبك هو الأفضل في هذه الدورة. قدّم وجبة مسلية وممتعة وغنية وجميلة، وذكّر الناس بتراثهم الغنائي القديم والجميل، وحافظ على أصول الغناء والأداء بأناقة محببة ومطلوبة لا تصنع فيها. وكشف لنا قدرات كل من شارك فناً وصوتاً وذوقاً ولحناً ومهنياً، وأرانا مستوى كلّ نجم على صعيد الثقافة الموسيقية، وعلى صعيد أخلاقية المهنة والمنافسة، وأعطانا صورة وافية عن فرحهم إذا كان متصنعاً أو طبيعياً ينبع من عفويتهم وطيبتهم الزائدة والجميلة.
ومنذ انطلاقته، تلمّسنا تفرّده في المنافسة بعيداً عن استسهال المنوّعات، هذا البرنامج لا يتطلب فذلكات بقدر صعوبة بالاعداد، من هنا نقول انه ينافس نفسه رغم بساطته، وهيثم زياد كسب الرهان لصالح موهبته ولصالح «الجديد». هيثم عفوي يدرك ما يفعله، يغامر بعيداً عن جهله للغناء، وبرأيي المتواضع هو الانسب لهذه النوعية، لذلك لا يثرثر، ولا يفرض عضلاته الصوتية، وأحياناً يشارك في الغناء انسجاماً، ولوضع النقاط الموسيقية على السطر الغنائي الصحيح. والأهم نجده صاحياً إذا حاول المغنّي الضيف والكوتش المصاحب أن يتخطّيا حدودهما، فيسارع إلى لجم الثاني ولفت نظر الاول بذكاء وعفوية، وهذا ليس بالأمر السهل ذوقاً وخبرة، الذوق مصاحب لهيثم، ولكن خبرة التقديم وسرعة البديهة من أين حصل عليها وهو المغنّي الملحّن، ومن دخلاء التقديم الذي نجح به، ربما لكونه لا يتصنّع، ويتعامل بحبّ ومتعة مع دوره الجديد.
في بدايات الحلقات عاب العمل عدم تمكّن الاخراج من التقاط تفاصيل كثيرة من صراع النجوم وحركاتهم، وتداعيات الغناء في ما بينهم، والكاميرا بعيدة ولا تصلنا التأثيرات الفنية، وحتى البرهة لا يزال الاخراج يقترب إلى نجومه بخجل وحساسية. ننصحه بأن يغامر ويدخل مباشرة إلى حركة النجوم، وانزعاجهم وحماستهم وتفاعلهم، ويوصل لنا كل هذا. كما لا بدّ من صراعهما الغنائي داخل الحلبة لا الاكتفاء بالوقوف على زاويتها، التفاعل مطلوب، واستغلال كل زاوية يغني الصورة، ويحرّك التصوير. يضاف إلى ذلك استخدام المؤثرات الموسيقية بذكاء والإكثار منها بعيداً عن هذا التسطيح، وأيضاً لا بدّ من التقاط تفاعل الجمهور مع التنافس، لا أن نسمع به ولا نراه. فحركة تفاعل الجمهور وردود فعله تغني الحلقة، ويصاحبها التقاط ايمائيات مقدم البرنامج الضرورية كي يشعر المشاهد بانسجام المبارزة الفنية.
أما لعبة الاضاءة فهي تتقدّم وتتحسن مع كل حلقة إلى الافضل ولكن بصعوبة بطيئة لا نعرف سببها، وهنا لعبة الاضاءة لا بدّ منها.
البرنامج بشكل عام يحصد النجاح والمتابعة بعيداً عن ضجيج الغناء الذي اعتدناه مع علي الديك في «غنيلي تَ غنّيلك»، ويستقطب مختلف الأعمار من دون تكلّف، ولا يحرج الأسرة كما يحصل في عدد من برامجنا من خلال استخدام المفردات الجنسية المستهلكة بفوضوية متعمدة في الفضاء اللبناني.
هذا البرنامج عائليّ لا ضرر منه، ومحبّب لا إحراج فيه، ومثقف غنائياً لا سخافة منه وفيه، ويحرّك الذاكرة لا يلغيها، ويستخدم كل أنواع ما يشاع من أعمال غبية وأعمال ذات قيمة في مجال الغناء والطرب لا ضرر منها بقدر إسعاد الناس بعيداً عن التنظير والتفذلك المعرفي.