الملاذات الأخيرة «للفصائل العارية»… عروض موسكو ليست للأبد!!
سومر صالح
دراماتيكيةٌ مثيرةٌ في المشهد الدوليّ المتحوّل، بدءاً من شعبوية برنامج دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وثورية خطاب فرنسوا فيون المرشح الرئاسي في فرنسا، وتمرّد ونقمة الرئيس الجديد رومين راديف على الاتحاد الأوروبي في بلغاريا، ورغبةٌ أوراسية للرئيس إيغور دودون في مولدوفا.. والقائمة مرشحة للاتساع، والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعاً هو الرغبة في التعامل مع روسيا بواقعية، بما يمهّد لعودة روسيا «بهدوءٍ» إلى لعب «دور القطب» في السياسة الدولية في عالمٍ يبدو أنّه قريبٌ من شكلٍ مغايرٍ للأحادية القطبية، تؤكّده وتعززه برامج الرئيس الأميركي المنتخب ترامب بدءاً من إعادة النظر باتفاقيات الشراكة «عبر الأطلسي» مع أوروبا و»عبر الهادي» مع دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخططه لمقايضة الأمن بالمال مع دول الخليج.. ونيته التخلي عن مبدأ الأمن الجماعي مع دول البلطيق، دون أن نغفل أهمية دعوة المرشح الرئاسي الفرنسي فيون لإنشاء حلفٍ دوليّ لمحاربة الارهاب يضمّ الجيش السوري…
هذه الدراماتيكية في المشهد الدولي مرشحةٌ لمزيد من الإثارة مع تنامي نفوذ اليمين «الشعبوي» في ألمانيا المناهض لموجات الهجرة والسياسات الداعمة لها بما فيها «اللاجئين السوريين» واحتمالات تأثير ذلك على انتخابات العام 2017، ونضيف أنّ انتخابات إيران في العام 2017 قد تضفي تأثيراتٍ مهمة على المشهد الدولي المتحوّل…
بالمجمل لا تنبئ المؤشرات الانتخابية التي حصلت والتي ستحصل مع العام 2017 وفق المعطيات الراهنة بالكثير من التفاؤل على السياسات الأميركية، بل على العكس يمكن قراءة ما يحدث على أنّه مرحلة انتقالية لأفول «الأمركة» في السياسة الدولية، ورغبة الكثير من الدول في عودة نوعٍ من التوازن للمشهد الدولي، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ الأزمة السورية كانت إحدى زاويا قاعدة الهرم الذي يجري بناؤه كبديلٍ عن هرم النظام الدوليّ الحالي…
وفي خضم هذه المشهدية الدولية المتحوّلة اتخذ الرئيس أوباما قراراً واقعياً بمحاولة إعادة إحياء اتفاق جنيف حول سورية أو نسخةٌ محدثةٌ عنه والذي تمّ إنجازه في 9/9/2016 وانسحبت منه الإدارة الأميركية لاحقاً، ومن هنا كان عرضه للرئيس بوتين بإنجاز «تسويةٍ» للأزمة السورية في غضون الشهرين المتبقيين لحكمه وذلك على هامش قمة «ابيك» في البيرو، عرضٌ على ما يبدو لم تقابله حماسةٌ من الجانب الروسيّ خصوصاً بعد التوقف شبه التامّ عن المباحثات بين الطرفين في 3/10/2016 ، ومن غير المتوقع إنجاز مثل هذا الاتفاق ما لم تقدم الإدارة الراحلة على تقديم جملةٍ من التنازلات لإدارة الرئيس بوتين وإلّا سيكون ملف «التسوية» مؤجلاً إلى الإدارة الأميركية الجديدة صاحبة الخطاب المتقارب مع روسيا، تنازلاتٌ بدأنا نرى بوادرها مع ملامح الهزيمة في خطاب الخارجية الأميركية الذي أسكته تقدّم الجيش العربي السوري في الأحياء الشرقية لمدينة حلب، بعدما كان خطاً أحمر لخطاب إدارة أوباما طيلة سنوات…
إذاً، الولايات المتحدة على مفترق طرق في سورية، فالإدارة الراحلة على ما يبدو حسمت أمرها بأن لا خطط باء حتى في الاستثمار الإعلامي، ولا خيارات عسكرية «عدائية» ممكنة بعد توجيهات الرئيس بوتين الصارمة بتنفيذ خطة محكمة لحماية قواته الجوية والبحرية المتواجدة في سورية، والادارة الجديدة أعلنت صراحة أنها لا تنوي «الاستثمار» بالإرهاب كأداةٍ في إدارة الصراع الدوليّ وخصوصاً في سورية، هذا يقودنا الى أنّ المسار السياسيّ والمفاوضات الثنائية مع روسيا هي المسار الوحيد وعنوان العلاقة المستقبلية بين روسيا والولايات المتحدة في سورية دون أن نغفل حساسية وصعوبة تلك المفاوضات وما يمكن أن يرافقها من حساسيات إقليمية ودولية ومحاولات وأدّها من بعض المتضرّرين الاقليميين، والسؤال المهمّ الذي ينبثق عن هذه النتيجة ما هو مصير الفصائل المسلحة في سورية المتعدّدة الأطر المرجعية سياسياً وعسكرياً ولوجستياً، خصوصاً فصائل «البنتاغون»؟ فمجرد تبني المسار السياسي وسيلة وحيدة للحلّ يعني انّ القرار الدولي 2268 هو الإطار المرجعيّ لأيّ تسوية محتملة، وهنا نستذكر أنّ الاعتراف والقبول بالقرار 2254 هو أساس الانضمام الى نظام وقف الاعمال القتالية جوهر وأساس القرار 2268، إذاً، فالفصائل المسلحة – الإرهابية واقعياً – باتت على موعد قريب من رفع الغطاء السياسيّ الأميركيّ عن عملياتها العدائية ضدّ الدّولة السورية وعلى موعد قريب أيضاً من رفع الغطاء العسكري واللوجستي عنها، فالسيد ترامب رجل الصفقات لا يستثمر في بضاعة غير رابحة وفاسدة كالفصائل المسلحة في سورية التي وعد السيد بوتين باستئصالها، فلا غطاء سياسياً ولا عسكرياً لمعارك هذه الفصائل في المستقبل القريب، حتى إنْ انضمّت الى نظام وقف الأعمال القتالية، فالغطاء الأميركي هو فقط غطاء مشروط ومؤطر بمقتضيات العملية السياسية المتفق عليها مع روسيا وفق بيانات فيينا الأول والثاني والثالث وميونيخ ، وأيّ محاولةً من هذه الفصائل للمواجهة تعني أمراً واحداً فقط هو استهدافها من قبل سلاح الجو الضارب الروسي والتي ستنتهي حكماً باستئصالها…
هذه الوضعية السيئة للفصائل المسلحة في سورية بدأت تأثيراتها بالظهور سريعاً، فانعكست على الأوضاع الداخلية لمجمل الفصائل انشقاقاتٍ وخلافاتٍ والبعض اتجه إلى البحث عن غطاء إقليميّ، ولكنّ الوضعية الاقتصادية والسياسية للمملكة السعودية والغرق في مستنقع اليمن لا يؤهّل السعوديــة لمثل هذا الدور، أمّا الخيار الثنائي القطري/ التركي فهو محدود جغرافيــاً بالشمال وفق مقتضيات المصلحة التركية الخالصة والمشروع التركي هناك، لأنّ الأتراك ليسوا في وارد مقارعة التفاهــم الاميركي الروسي وإنْ كان متوقعاً ممارسة أقصى درجات الضغط التركي على هذا التفاهم لتحصيل مكاسب سياسية ترتبط بالنظرة التركية الجديدة للشرق الأوسط، يبقى لدى تلك المجاميع أحد ثلاثة خيارات، إمّا الانضواء تحت راية أحد التنظيمين الارهابيين «داعش» أو «النصرة» وهذا يعني حكماً هزيمتهم في نهاية المطاف مهما اشتدت حدّة المعارك أمام المحور الروسي – السوري الإيراني، وبغطاءٍ دوليّ لهزيمتهم، والخيار الثاني هو الانضمام إلى نظام وقف الأعمال القتالية وتبني المسار السياسي وسيلــةً وحيدةً للحلّ في سورية وهو الأسلم نظريــاً ولكنّه يبدو شبه مستحيل فعلياً، فالتركيبة الإخوانية القاعدية، والسلفيــة الوهابية هي السائدة لدى أغلب الفصائل الكبرى في سورية، وهي سترفض النهج السياسي حكماً، رفضٌ ستكــون نتيجته انشقاقــات وصراعات دموية ضمن الفصيل الواحد وحرب الجميع ضدّ الجميع بين أخوة الجهاد المزعوم في سورية، أمّا الخيار الثالث فهو المراهنــة على الموقف التركي والتمويل القطري ضمن الرؤية التركية، وهو بالطبع رهان خاسر، فرفع الغطاء الأميركي عن تركيا في معركة «الباب» الاستراتيجية يشير بشكلٍ لا لبس فيه إلى أنّ تركيا تتحرك تحت غطاء سياسيّ وعسكريّ أميركــيّ ولا تستطيع منح هذا الغطاء لأحد، ففاقد الشيء لا يعطيه، حتى لو أرادت تركيا التغطية على هذه المجاميع المسلحة فهي محددة سلفاً بسقف المشروع التركي وليس بسقف الأهداف للفصائل المسلحة، وشتان ما بين هذا وذاك راهناً بعكس بدايات الأزمة…
خياراتٌ يجب حسمها من قبل قادة التنظيمات المسلحة في سورية سريعاً، فالمهلة الروسية لتنفيذ ضربات أحادية الجانب ضدّ المجاميع الارهابية وفق تصنيف موسكو ليست للأبد، وآخرها المهلة المستمرة في شرقي حلب لأكثر من شهر… تمهّل استراتيجي استمرّ قرابة ستة أشهر حتى الآن منذ إعلان شويغو الشهير في 05/5/2016 عن ضرب «جبهة النصرة» الارهابية بشكل أحاديّ، وأعطى خلاله هامشا كبيرا للمفاوضات مع الجانب الأميركي لفصل مجاميعها المسلحة عن تنظيم «النصرة» الارهابي، وهو ما قاومته ادارة اوباما عمداً… أمر لن يستمرّ طويلاً لأنّ الادارة الاميركية تغيّرت سواء الراحلة بحكم الأمر الواقع أو الجديدة بحكم الشعارات المطروحة، ولأنّ القيادة الروسية والسورية أيضاً حسمت قرارها بتصفية «جبهة النصرة» وكلّ من يشابهها بالفكر والممارسة بغضّ النظر عن المواقف الدولية وتبعاتها، دون أن ننسى تنظيم «داعش» الارهابيّ ايضاً.. ومعه رويداً رويداً تتعرّى تلك المجاميع الإرهابية من الغطاءين السياسي والعسكري الغربي والإقليمي، كما تعرّت منذ نشأتها أخلاقياً بممارساتها الوحشية وفكرها الظلامي التكفيري.