بوتين لأردوغان: موسكو وراء سورية في الباب
ناصر قنديل
– لم ترسم روسيا لتركيا خطوطاً حمراء عندما جاءها الرئيس التركي رجب أردوغان يعتذر بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية وما تلاها من قطع للعلاقات وفرض للعقوبات انتهت بالتراجع التركي. اكتفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برسم معادلة وحدة سورية وسيادتها وتأكيد أولوية الحرب على الإرهاب ودعم الدولة السورية في مواجهة هذه الحرب، وصولاً لحل سياسي يضمّ المعارضة بعد فصلها عن النصرة إلى حكومة موحّدة تمهّد لانتخابات، لترسم حكومة أردوغان من الغموض الروسي الواضح معادلات حركتها في الجغرافيا السورية، فدخلت جرابلس، باعتبارها نقطة تحت سيطرة داعش، بعيداً عن انتشار الجيش السوري، وتمنع تواصل السيطرة الكردية الرامية لبناء شريط حدودي يصيب وحدة سورية، ويهدّد الأمن التركي، واستعملت جزءاً من البنى العسكرية للمعارضة التي نقلتها من مناطق انتشار النصرة لتشارك بها المعارك ضدّ داعش تحت شعار فصل النصرة عن المعارضة. وهذا يجعل الحركة نحو جرابلس ضمن الخطوط الحمر التي رسم عبرها بوتين سياسة حكومته التي لا تريد أنقرة العودة للتصادم معها.
– واصلت الحكومة التركية رسم خرائط أوسع لحركتها مستندة إلى الوقت الضائع قبل دخول روسيا وسورية وإيران ساعة الحسم في شمال سورية، لفرض أمر واقع في المناطق الرخوة، التي تشبه وضع جرابلس، حتى وصلت إلى حدود مدينة الباب في توقيت ذروة المعارك الحاسمة لروسيا وسورية والحلفاء حول شرق حلب، فتلقت أول ردّة فعل نارية سورية تلت رسالة دبلوماسية سورية قويّة تهدّد بالتصدي بالقوة لكلّ تمدّد داخل الأراضي السورية وكلّ انتهاك للأجواء السيادية السورية، وكان على حكومة أردوغان مواجهة ساعة الحقيقة. فالتصدي بالنار للجيش السوري مشروع حرب سينتهي بمواجهة مباشرة مع القوة الروسية، ويعود بالعلاقات مع موسكو إلى أسوأ مما كانت، والمعادلة في مدينة الباب مختلفة فهي ليست منطقة رخوة بعيدة عن انتشار الجيش السوري، والتقرّب إليها يتمّ في ذروة وقت الحسم، وقيمة التمسك بوحدة سورية يستدعي من روسيا الوقوف مع الجيش السوري منعاً لكانتون تحت السيطرة التركية، بدلاً من الشريط الكردي الذي لم يعد خطراً راهناً، ومفهوم السيادة السورية يعني حكماً مساندة الجيش السوري، والخيار ليس بين داعش وتركيا أو الأكراد، بل بين الجيش السوري الحليف فوق أرضه وترابه الوطني، وبين جيش أجنبي لا يملك أيّ تفويض من الحكومة السورية الشرعية. وقد سبق لموسكو أن ساندت الحكومة العراقية في إدانة التوغل التركي لفقدانه الشرعية السيادية، وحيث لا وجود عسكرياً مباشراً لروسيا، ولا تعاون بين الجيشين الروسي والعراقي، بينما في سورية فالموقف الروسي سيتحوّل عملياً لإسناد روسي ناري لا مفرّ منه للجيش السوري كترجمة لهذا الموقف، إذا واصلت تركيا تماديها.
– كانت روسيا تحتاج لقيام الجيش السوري بمواجهة التوغل التركي، وكانت سورية بحاجة لعرض سلاح ونار يوصلان الرسائل بقوة، فوفرت روسيا الطائرات الحديثة التي تصدّت للطائرات التركية واستهدفت المواقع التركية حول الباب، لدفع أردوغان للاتصال بالرئيس بوتين مستوضحاً خطورة الموقف، فيذكّره بثوابت موسكو كما قالها في لقاء المصالحة، مذكراً بسوء الحسابات الذي يوصل للتصادم كما جرى في حادثة إسقاط الطائرة معزياً بالجنود الضحايا، داعياً للتصرف بعقلانية، حيث إذا أراد الجيش السوري دخول الباب فلا يمكن لروسيا إلا أن تكون معه، وسيطرة داعش في الباب لا تجعل المدينة أرضاً مشاعاً يملكها من يُخرج داعش منها، بل أولوية الدخول إليها للجيش الشرعي لدولتها السورية، ومنطقي أن تفتش تركيا عن دور في الحرب على داعش مع حليفها الأميركي الذي يحضر لمعركة الرقة، ويحتضن تحت رعايته جماعات من المعارضة السورية، يمكن بتعاون تركي أميركي مصالحتها مع الجماعات المعارضة العاملة تحت لواء تركيا، بدلاً من منافسة الدولة السورية على السيادة فوق أراضيها.
– رسمت روسيا تفاصيل موقفها من اللعبة التركية في سورية بالنار، بعدما استعصى على الكلمات أن تفعل ذلك.