أميركا انتهت أخلاقياً لا مادياً
كتب نتسان هوروفيتس في صحيفة «هآرتس» العبرية
الولايات المتحدة بمكانها ومئات الملايين من مواطنيها قائمة بالتأكيد. ولكن أميركا لم تعد قائمة. «المؤامرة ضدّ أميركا»، كما كان اسم كتاب فيليب روت، نجحت. من سيدخل في كانون الثاني إلى البيت الابيض لن يكون زعيم العالم الحرّ. فهو والاشخاص المتطرفون الذين عيّنهم للوظائف الرفيعة لا يؤمنون بالعالم الحرّ ولا يمثلونه. هل يمكن أن يكون هناك عالم حرّ من دون أميركا؟ هذا أمر مشكوك فيه.
أميركا التي تتبنّى القيم الجيدة هي مسألة مقلقة. هناك من يدعي أنها لم تكن قائمة أبداً. وأنا لا أوافق على ذلك. صحيح أن الدستور الفاخر للولايات المتحدة اعترف بالعبودية، وطوال 100 سنة بعد الغائها في حرب فظيعة، استمر الفصل العنصري الفظ. بِاسم أميركا والحرّية حدثت بعض الحروب الاكثر فظاعة: من فييتنام حتى تشيلي. يحاربون في الولايات المتحدة وهم يضحون بالنفس وسياسياً ودينياً من أجل منع إلحاق الضرر بالجنين في الرحم.
«مع الحياة»، يسمّون ذلك. ولكن بعد أن يولد الانسان لا يعطى اعتبار لحياته. إن من ينادون بحياة الجنين هم الذين يعارضون التأمين الصحي الاساسي ويؤيدون الرأسمالية الاستغلالية. اذا لم يكن لدى الانسان المال من اجل شراء الدواء، فليمت. وإذا نفّذ عملاً إجرامياً بانفعال كبير يفرضون عليه عقوبة الموت.
ورغم ذلك، هذه ليست كل أميركا، وهذه ليست جميع راياتها. فمنذ قيامها رفعت هذه الأمة وقدّمت مساهمات عدّة للتطوّر الانساني. وبفضل ذلك حصلت على الازدهار والتطور غير المسبوقين في التاريخ. لا شكّ في أن لذلك ثمناً باهظاً. وهذه ليست جنة عدن على الارض. ولكن أميركا، ليس صدفة، تحولت إلى حلم أبناء كل العالم. تمثال الحرّية الذي يوجد على مدخل مسارات البحر في نيويورك يرمز إلى شيء حقيقي وصحيح بالنسبة إلى الملايين الذين دخلوا اليها.
في الاجيال الاخيرة، لا سيما في السنوات الاخيرة، سنوات باراك أوباما، سعت أميركا إلى أهداف جديدة، حتى لو لم تحقّقها جميعها. ملامح مجتمع متعدد الثقافات، إصلاحات اقتصادية وثورة حقيقية في مكانة النساء والمثليين والسود واليهود ايضاً. لم يعيشوا دائماً كمقبولين ومرغوب فيهم مثلما هم الآن.
والآن جاء ردّ الفعل ـ لأميركا وللعالم. عملية التفكك بدأت: روسيا تنصّلت في الاسبوع الماضي من محكمة الجنايات الدولية. وترامب لا يحترم هذه المؤسسات وما تمثله. طاقم الانتقال الخاص به يستعد للخروج من اتفاق المناخ العالمي. المسؤولية الدولية؟ مستقبل افضل للاجيال القادمة؟ هذا أمر مضحك، مثلما يكتبون في الرسائل والتغريدات المحبّبة على الرئيس المنتخب. كل دولة ومصيرها. وفي كل دولة كل واحد ومصيره ـ ليست هناك مسؤولية اجتماعية ولا مسؤولية إنسانية.
إلى أيّ حدّ سيتدهور الوضع؟ لا يمكن معرفة الجواب. الخطوات الاخيرة تبشر بمساويء كبيرة. وهناك شيء واحد واضح: من يؤيدون الديمقراطية في كل العالم وفي «إسرائيل» يجب عليهم الاقرار بأنه لا يمكن الاعتماد على أميركا. ويجب ألا تشخص عيون العالم إلى هناك. لا توجد أميركا. وإذا اعتقد اليمين في «إسرائيل» أن هذا مشجعّ فسيكتشف في المستقبل خطورة الانفصالية الأميركية.
يجب أن نتمنى للأميركيين أن يتنصلوا من هذه الكارثة التي تنتظرهم. الكثيرون يستعدون للصراع. وإلى أن ينجحوا سنبقى وحدنا. أمر حزين؟ بالتأكيد. يبعث على اليأس؟ بالتأكيد لا. لقد تجاوزنا فرعون وسنتجاوز ذلك ايضاً. وقد يخرج العسل من العنزة: على الأقل الكذبة انتهت حول التدخل الدولي. لدى المجتمع «الإسرائيلي» ما يكفي من القوة والاشخاص الجيدين من اجل أخذ مصيرنا في أيدينا لمساواة الانسان. ولا أحد سيفعل ذلك بدلاً منّا.