أوقفوا التفريخ
د. رائد المصري
هناك واقعٌ رثٌّ يحكم عملَ الأحزاب السياسية بأغلبيتها في لبنان والعالم العربي، وهو ما مكّن الحالات المتطرفة العبور والسير من خلالها وطرح نهجها الظلامي كمشروع بديل في المنطقة والعالمين العربي والإسلامي.
في لبنان سنتعدَّى إطار الأحزاب الطائفية الوظيفية منذ تاريخ نشأة الكيان، لنصِل الى جُملة الأحزاب القريبة من المقاومة ومن سورية ومن كلِّ المحور المقاوم الذي لا يزال يدفع الأثمان الباهظة في سبيل الحفاظ على مواقفه ومنهجه كوحدة كلِّية متكاملة في مواجهة مشروع واضح يتجلَّى بالهيمنة الغربية والأطلسية وما حولها وما بين جنباتها من دول خليجية وظيفية وطبعاً الكيان الصهيوني رأس الحربة في هذا المشروع الاستعماري الذي يستهدف كامل المنطقة.
بعض هذه الأحزاب يكاد يندُر أن تجدها موحَّدة في بوتقة متناسقة المواقف والطروحات، أولاً خدمة لمشروعها السياسي في لبنان، وثانياً خدمة للمشروع الوحدوي الذي طالما كانت تنشدُه في مؤتمراتها منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وصولاً الى يومنا هذا، وهنا يظهر عجز هذه الأحزاب عن أن تلتئم في صف واحد لمواجهة كلّ التحديات الوجودية.
هناك حالة من تفريخ للأحزاب الناصرية كأطرٍ صغيرة يبدو أنها تبتغي المنفَعة من دون أن يكون لنا قدرة فتح الحوار أو النقاش معها على أيِّ ثابتة أو مشكلة تتعرَّض لها هذه القوى. وهو ما كان متبدياً في محاولة تشكيل الحكومة مؤخراً في لبنان برئاسة الرئيس سعد الحريري، وهؤلاء بدورهم اشتكوا من مظلومية عدم تمثيلهم في السلطة والاستغناء عنهم. فعلى الأقل حزب الله يستطيع أن يفاوض الحريري كرأس واحد ومرجعية واحدة، لكن المشكلة الأبرز عند هذه الأطر التي يُمكن أن تشكِّل حالة مواجهة حقيقية وكبيرة في وجه المشروع السياسي للحريرية فيما لو كانت متوحِّدة في جبهة وطنية تقدمية قادرة أن تكون بديلاً أو تشكل حلولاً بديلة لمشروع الحريرية السياسية وداعميها من دول الخليج، وعلى رأسها السعودية.
في مجمل القول، وليس على سبيل التهجُّم، بل من أجل الحرص على المكانة والدور اللذين يرغب بهما الوطنيون الصادقون، على هذه الأطر الكفَّ عن العبث والتلاعب بالمناهج التي أرساها الرئيس ناصر.. فإذا كنتم عاجزين عن توحيد أحزابكم وبلورة رؤية واحدة مشتركة فكيف تتجلَّى مقدرتكم على تحقيق أهدافكم إرساء الوحدة من المحيط إلى الخليج؟
هذا السؤال برسم كلِّ الذين يعرفون أين تكمن المرجعية الناصرية الحقيقية في لبنان، ومن يستطيع أن يشكِّل رأس الحربة السياسية في المواجهة الديمقراطية البديلة بوجه المشروع الآخر الذي ما زال يشكل خطراً وجودياً من البوابة ومن الخاصرة السورية إلى العمق المشرقي وكل العالم العربي.
فرغم كل مآسي مصر التاريخية ومحاصرتها اقتصادياً وسياسياً عبر سياسات البنك الدولي والسطو على قراراتها الاستراتيجية من قبل السعودية، ها قد عادت من البوابة السورية حامية وحاضنة للدولة وللجيش السوري في ضربه للإرهاب ومن خلال التنسيق الأمني، حتى ولو كان استباقياً، لأنه يجب أن تكون هناك جبهة عربية من سورية والعراق إلى مصر والجزائر.
خلاصة القول: إنه حتى الخطاب الإيديولوجي الذي كان محل اتِّهام في وقت من الأوقات، من قبل النُخب السياسية والحزبية المشوَّهة، فإن الظروف مؤاتية كي تُعيده هذه القوى الى السكة السياسية القويمة، ومواكبة الحراك الإقليمي والتجديد في الخطاب السياسي للدور المصري والبناء عليه في احتضان سورية وحمايتها من الإرهاب والتطرف ومن الصهينة ومن مخططات التقسيم. هي فرصة ذهبية لهذه الأحزاب في إثبات نفسها وجدارتها وجدارة الخطاب التي تتلوه على مسامع العالم منذ عشرات السنين.
ندعوكم أنّ أوقفوا التفريخ والتفقيس.