حلب تُعلن نهاية تركيا الإقليمية … وتصوّت في فرنسا
ناصر قنديل
– خلال يومين متتاليين نجح الجيش السوري والحلفاء بحسم مفاجئ ومتسارع لعشرة أحياء في شرق حلب، مسجلاً تطوراً عسكرياً نوعياً يعادل نصف طريق النصر وتسارع النصف الثاني، ولم يعُد للنقاش في أيّ مستوى الحديث عن مكانة حلب في الحرب على سورية، ولو خرجت أصوات الإنكار تهوّن من مكانة حلب الآن بعدما رفعتها إلى مقام يعادل كلّ الحرب، حلب عاصمة سورية الثانية ولكنها بوابة الدور الإقليمي لتركيا، ويمكن ببساطة القول لولا الدور التركي في الحرب على سورية، لما كانت هذه الحرب، فهي الثقل الذي غيّر مجرى الحرب بقوة الجغرافيا وبدفع الأوهام حتى صار يصحّ القول، كما إنّ تركيا مفتاح الحرب على سورية، فحلب هي مفتاح الدور التركي.
– كان واضحاً منذ التراجع التركي طلباً للتطبيع مع روسيا، أنّ تركيا العثمانية قد ولّت إلى غير رجعة، وأنّ إعادة توصيف مرنة تجري في أنقرة لرسم الدور الإقليمي التركي في المنطقة، وجاءت الحصيلة غير واقعية تستند للتذاكي والغرور، بفرضية القدرة على انتزاع دور في سورية والعراق عنوانه نفوذ يطال الموصل وحلب، ورسمت أطر الحركة والتدخل على هذا الأساس، وحاول الأتراك ومعهم قطر حتى اللحظة الأخيرة تقديم حقن الدعم للجماعات المسلحة في حلب، كما حاولوا جعل مدينة الباب هدفاً لدخول جيشهم علناً، ورسموا للموصل مشهداً مماثلاً وجعلوا تلعفر واحداً من خطوطهم الحمر. لكن ما جرى ويجري وسيجري في حلب يقول إنّ بداية النهاية لهذا الدور الإقليمي التركي تأتي مروّعة، فقد غاب التواضع في الطلبات والتطلعات حتى صارت نتيجة معادلة ربح كلّ شيء أو خسارة كلّ شيء، هي خسارة كلّ شيء، وإلا لكانت تركيا عراب الحلّ الذي ينهي المعركة في حلب سياسياً بإعلان خروج جبهة النصرة وانضمام سائر الجماعات وكلها تابعة لأنقرة من أحرار الشام إلى جماعة نور الدين زنكي لمنظومة الهدنة، لكن ها هم جميعاً يُسحَقون ويتفكّكون، ومعهم يسقط الدور الإقليمي لتركيا.
– مع خسارة رهان حلب الذي قال الأتراك إنه حرب سنة على الأقل، وترسيم خطوط حمر تمنع تركيا من التقدم نحو مدينة الباب، ومثلها نحو تلعفر، تصير تركيا ديكوراً تجميلياً في معادلات المنطقة، وقد صار الأخوان المسلمون ديكوراً تجميلياً في مشهد الإرهاب الذي يقوده تنظيم القاعدة. وها هي الحكومة التركية تتسوّل حلاً مشرفاً لمنعها من التقدّم نحو الباب من موسكو وحلاً مشابهاً مثله لمنعها من التقدّم نحو تلعفر والموصل من طهران بإعلان التفاهم على التمسك بوحدة سورية والعراق، وترتضي تطبيق بنود التفاهم الأمني مع الصين بتسليم زعيم جماعة الإيغور المتطرفين من أصول صينية.
– على إيقاع موازٍ كانت فرنسا تشهد مع دوي الأنباء الآتية من حلب معلنة انتصارات الجيش السوري، تخوض انتخابات اختيار المرشح الرئاسي ليمين الوسط الذي سيصير على الأرجح رئيس فرنسا المقبل، وبين ألان جوبيه وفرانسوا فيون، رغم تداخل الاقتصادي بالسياسي كانت سورية هي المفترق، حيث يردّد جوبيه شعارات سابقيه التقليدية، كما هيلاري كلينتون في أميركا، النبرة العدائية لسورية والكلام الفارغ عن حرب على الإرهاب دون تعاون مع روسيا وتنسيق مع الدولة السورية، وتمسك أعرج بمعادلة معارضة سورية يعرف القاصي والداني، أنها مجرد كيس لتعبئة مسلّحي تنظيم القاعدة، بربطة عنق. بينما فيون، كما دونالد ترامب، بخطاب وطنية فجّة شعبوية وعنصرية، يدعو للخروج من النفاق والغرور، والوقوف عند حدود المصالح الفرنسية بمواجهة مع الإرهاب وحل لتدفق اللاجئين، وهذا يعني الاستعداد للتنسيق مع الدولة السورية وجيشها، وكان نصر حلب صوتاً ذهبياً لفيون في صناديق الاقتراع.
– سورية تصيغ معادلات العالم الجديد في سباق بين عولمة متوحشة تعولم معها الإرهاب، وبين وطنية فجة تراجع فيها الأمم والشعوب حساباتها وتتواضع لتتموضع خلف خطوط المصالح الواضحة، لا خلف الأوهام والأحلام الإمبراطورية بشعارات كاذبة عنوانها الديمقراطية، التي تمول تعميمها دول الخليج، وتخوضها جيوش افتراضية اسمها المعارضات التي لا تشكل أكثر من يافطات مصنعة لتغطية تسليم أمن البحر المتوسط لتنظيم القاعدة. والمصالح الوطنية الواضحة تقول إن طريق حل أزمة تدفق النازحين هي بقيامة الدولة السورية، ومثلها إبعاد شبح الإرهاب، ومثلما كانت العولمة المتوحشة تمرّ بتكسير جدران سورية وتحطيم صخورها الصلبة، لضمان مرور أنابيب النفط والغاز ولو بحراسة تنظيم القاعدة ودفع الخوة له مقابل ذلك، تبدو الوطنية الفجة الصاعدة والعابرة للعالم، أي المعولمة، لها ممر إلزامي هو مساندة قيامة سورية، الدولة الوطنية، باعتبار حل قضية اللاجئين في أوروبا ومنع تصدير الإرهاب إلى عواصمها يعبران عن مشتركات الوطنيات الأوروبية، ويمران بتعزيز الوطنية السورية والاستثمار عليها كجدار صلب يحمي أمن الغرب الاجتماعي والسياسي والأمني.