لا يمكن للغرب وأدواته مكافحة الإرهاب بالتحالف مع الإرهابيّين
د. فيصل المقداد
نائب وزير الخارجية السورية
لم أكن أتصوّر أن يصبح الإرهاب موضة يتحدّث البعض عنها موسميّاً. كما أنّني لم أتخيّل أنّ عارضات الإرهاب، وفي حالتنا، العارضين سيستخدمون الحرب على الإرهاب كمادّة للاستعراض والعلاقات العامّة. الإرهاب كانَ وسيبقى عدوّاً للبشريّة وللحضارة وللقيم التي لا تزول مع تبدّل الأزمان والأجيال. والأغرب هو أنّ يسعى من لم يترك شيئاً من أعمال الإرهاب إلاَّ ومارسَه وشجّعَه وموّله وقام بتسليحه ويعلن الآن على الملأ أنّه سيكافح الإرهاب في الوقت الذي يلتقي في غرفة أخرى مع إرهابيين يعبّر فيها عن دعمه للإرهاب وقطعان الإرهابيّين.
الحرب على سورية، والتي بدأتها بعض الدول منذ أكثر من ثلاث سنوات شغلتْ العالم شعوباً ودولاً ومؤسسات. وهذه الحرب التي كانَ هدفها المعلن منذ البداية تغيير «النظام» في سورية لم يتردّد صانعوها عن استخدام كل ما وقعَ تحتَ أياديهم من تمويل وأسلحة وتحريض وإعلام إلاَّ واستخدموه للوصول إلى غايتهم.
وإذا كنّا نتحدّث الآن عن صحوة بعض الدول للخطر الذي يشكّله الإرهاب بعد قيام ما يُسمّى الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش بعمليات إرهابيّة أدّتْ إلى تهديد السعودية والأردن والكويت ودول أخرى في المنطقة وخارجها، فإنّنا نؤكّد مرّةً أخرى أنّ سورية كانتْ قد أكّدتْ منذ بداية الحرب عليها، وعلى دول أخرى، أنّ ما تتعرّض له هي حرب إرهابيّة بكل أبعادها ومضامينها وأساليبها ونتائجها. وإذا أخذنا في الاعتبار أنّ مملكة آل سعود، ولأسباب كامنة في طبيعة العائلة المالكة وتاريخها، هي التي قادتْ هذه الحملة من الإرهاب على سورية وخصّصتْ لها المال والسلاح وجنّدتْ لها الإعلام واشترتْ الضمائر وسخّرتْ الدين والإيديولوجيا للوصول إلى غايتها، فإنّنا لا نستغرب كثيراً استمرارها في الرقص مع الشيطان بغية تحقيق أهدافها. وما الاجتماع الذي عقدَ في جدّة يوم الخميس 12 أيلول/سبتمبر بحضور دول خليجيّة وعربيّة بعضها لا ناقة له ولا جمل في هذه المسرحية، إلاَّ تظاهرة للتغطية على التورّط السعودي في الإرهاب المدعوم من أميركا. كما أنّ انقلاب داعش على سادته السعوديين الذين كانوا من أهم داعميه هو الذي دفع أمراء السعوديّة لحشد هذا التجمّع. العائلة السعوديّة المالكة هي التي أنشأتْ تنظيم القاعدة الإرهابي، لا تنسوا ذلك!
إنّ من يزرع العاصفة سيحصد الشوك، وها هي العائلة المالكة السعوديّة التي أنشأتْ تنظيم القاعدة الإرهابي وبعدَ ذلك فروع القاعدة في العراق وفي سورية لتنفيذ أهداف طائفيّة ومذهبيّة وإيديولوجية كريهة غير قادرة على مصارعة الشيطان الذي لم يعد يقبل بتنفيذ سياسات سيّده، لأنّ الجنّي قد خرج من عنق الزجاجة. كم من مرّة أعلن قادة المملكة أنّه من واجبهم «دعم المعارضة السوريّة»، وكم من مرّة سمعنا عن شعور مسؤولي المملكة بالغضب لأنّ محاولاتهم وتحالفاتهم والأموال التي دفعوها قد سقطتْ في تحقيق الهدف. والسؤال هو ما الشيء الذي لم تقم به قيادة المملكة دعماً للقتلة الذينَ سفكوا الدم السوري؟ فكيفَ لها الآن أن تدّعي هي وغيرها أنّها في قيادة تحالف دولي للقضاء على الإرهاب، إذا كانتْ هذه المملكة هي الإرهاب؟
لقد تعارفَ الحقوقيون والعاملون في السياسة على أنّ الأعمال الإجراميّة التي يُقصد منها أو يُراد بها إشاعة حالة من الرعب بينَ عامّة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين لأغراض سياسيّة هي أعمال إرهابيّة لا يمكن تسويفها بأي حال من الأحوال أيّاً كان الطابع السياسي والفلسفي أو العقائدي أو العنصري أو العرقي أو الديني أو أي طابع آخر للاعتبارات التي قد يحتج بها لتسويغ تلك الأعمال. كما توافقتْ الدول على إدانة جميع أعمال الإرهاب وأساليبه بوصفها ممارسات إجراميّة لا يمكن تبريرها أينما وقعتْ وأياً كان مرتكبوها. وقد أكّدتْ الأمم المتحدة في قراراتها على مطالبة الدول الأعضاء لتبادل المعلومات عن الوقائع المتصلة بالإرهاب والامتناع عن تمويل الأنشطة الإرهابيّة أو تشجيعها.
طيلة سنوات ثلاث قامتْ بعض حكومات دول الخليج بدفع البلايين من الدولارات للمجموعات الإرهابيّة المسلّحة في سورية. كما قامتْ تركيا وغيرها من دول الجوار السوري بإيصال السلاح والمال إلى هؤلاء الإرهابيّين تحت ذرائع لا يمكن قبولها، ناهيك عن الجمعيّات الدينيّة والأفراد وما يُسمّى بمنظمات المجتمع المدني بإيصال المساعدات الماليّة إلى المجموعات الإرهابيّة على رؤوس الأشهاد ومن دون خجل أو خوف من عواقب ذلك. والآن، يجتمع كل هؤلاء بقيادة وتعليمات أميركيّة لمكافحة داعش. وتعلن السعوديّة مرّةً أخرى أنّها ستفتح قواعد داخل أراضيها لتدريب الإرهابيين السوريين، فهل هذا ما يتوقعه العالم تطبيقاً لقرار مجلس الأمن 2170؟
بعدَ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر التي يحي العالم ذكراها الثالثة عشر، اعتمدَ مجلس الأمن قراره الشهير 1373، والذي أصبحَ مرجعاً دوليّاً ملزماً لمكافحة الإرهاب. وقد وضعَ المجلس، الذي كانتْ سورية عضواً غير دائم فيه خلال العامين 2002-2003، قواعد ناظمة لمكافحة الإرهاب خصوصاً القاعدة وتفرعاتها من المنظمات الإرهابيّة الأخرى. ونغتنم فرصة الجهد المحموم الذي تقوم به بعض الدول الآن للعودة إلى مبادئ مكافحة الإرهاب كما اعتمدَها مجلس الأمن في جلسته رقم 4385 بتاريخ 28/9/2001، وبموجبها تلتزم جميع الدول بما يلي:
منع تمويل الأعمال الإرهابيّة ووقفها.
تجريم قيام رعايا هذه الدول عمداً بتوفير الأموال أو جمعها بأي وسيلة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو في أراضيها لكي تستخدم في أعمال إرهابيّة.
القيام من دون أيّة تأخير بتجميد الأموال وأي أصول ماليّة أو موارد اقتصاديّة لأشخاص يرتكبون أعمالاً إرهابيّة … أو يسهّلون ارتكابها.
كما ينص القرار على إلزام جميع الدول بما يلي:
الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابيّة. ويشمل ذلك وضع حد لعمليّة تجنيد أعضاء الجماعات الإرهابيّة ومنع تزويد الإرهابيّين بالمال والسلاح.
عدم توفير الملاذ الآمن لمن يمولون الأعمال الإرهابيّة أو يديرونها أو يدعمونها أو يرتكبونها.
منع من يمولون أو يديرون أو ييسرون أو يرتكبون الأعمال الإرهابيّة من استخدام أراضيها في تنفيذ تلك المآرب ضد دول أخرى أو ضد مواطني تلك الدول.
منع تحركات الإرهابيّين أو الجماعات الإرهابيّة عن طريق فرض ضوابط فعّالة على الحدود وعلى إصدار أوراق إثبات الهويّة ووثائق السفر، واتخاذ تدابير لمنع تزوير أوراق إثبات الهويّة ووثائق السفر وتزييفها أو انتحال شخصيّة حامليها.
في الحرب الإرهابيّة الكونيّة على سورية، لم تحترم الدول التي تنادتْ لإعلان الحرب على داعش تلك العناصر التي أشرنا إليها أعلاه بل وتمّ انتهاكها بشكل سافر لتمرير السياسات الضيقة وقصيرة النظر ضد سورية. هل يمكن تبرير تدمير العالم، لأنّ بلداً مثل السعوديّة وحلفائها يريدون الحصول على مغانم سياسيّة واقتصاديّة لم يستطع الوصول إليها إلاَّ عبرَ استخدام الإرهاب؟ لكن الحقيقة المرّة تثبت أنّ ما قامتْ به دول مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعوديّة من دعم للإرهابييّن والمسلّحين والقتلة تحتَ شعارات طنانة هو الذي أوصلنا اليوم إلى ما تعاني منه المنطقة والعالم على يد داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلاميّة وغيرها من التنظيمات الإرهابيّة التي تنتشر كالفطر على رقعة واسعة في المنطقة العربيّة وخارجها في آسيا وأفريقيا. رئيس الدولة الفرنسيّة يعلن من دون خجل عن إرسال بلده أسلحة ومعدات للتنظيمات المسلّحة في سورية وكذلك فعلتْ بريطانيا بإرسالها معدات «غير فتاكة» لهذه المجموعات، وكذلك فعلتْ الإدارة الأميركية! ولتبرير هذه الحماقات والسياسات الدنيئة، يدّعي هؤلاء أنّهم يدعمون وسيدعمون «التنظيمات المسلّحة المعتدلة» في سورية. ولزيادة حماقاتهم فإنّهم يقولون إنّهم سيدعمون هذه المجموعات «المعارضة المسلّحة» بالسلاح والعتاد لمقاومة داعش. أليسَ ذلك ضرباً من الجنون، إن لم يكن الجنون كلّه؟
ونعود لاجتماع جدّة الذي عقد لمكافحة داعش، كما يدّعون، والذي يطلب ممن يدعمون الإرهاب ويقومون بتسليح الإرهابيّين أن يهرعوا الآن لمكافحة الإرهاب. أي منطق أعوج وأعمى هذا الذي يتحكّم بعالم اليوم؟ إذا كانّ الخطر الذي تمثّله داعش والذي يصفه الجميع بأنّه خطر داهم، فكيفَ تُحاربه السعوديّة التي كانتْ خلف وجوده؟ وكيفَ لتركيا التي قدّمتْ للإرهابيّين كل التسهيلات التي منعها القرار الدولي 1373 والقرار 2170 أن تكون جزءاً من تحالف يجب أن يكون أداة لمعاقبة القيادة التركية والأسرة السعوديّة على ما اقترفوه من جرائم من خلال دعمهم لداعش وغيرها من تنظيمات القتل وسفك الدماء؟ لا يمكن للإرهابيين أن يقاتلوا الإرهابيّين، أم أنّ ازدواجية المعايير الفتاكة اخترقتْ الصفوف للوصول إلى تزوير معركة مواجهة الإرهاب؟ أمّا الأشقّاء العراقيون والمصريون فإنّنا نتفهّم أسباب وجودهم في مثل هذه الاجتماعات، لكن من حقّهم علينا إيضاح آرائنا وضرورة ممارسة الحذر في التعامل مع مثل هذه الهياكل في مثل هذه الاجتماعات. إنّ من دعمَ الإخوان المسلمين ليحكموا مصر وليستعبدون شعبها، وأولئك الذينَ أشعلوا نيران الطائفيّة والمذهبيّة في العراق من سعوديين وغربيين وقطريين لا يمكن الثقة بهم!
بتاريخ 15 آب الماضي، اعتمد مجلس الأمن بإجماع أعضائه قراره رقم 2170 في شأن التنظيمين الإرهابيّين الدولة الإسلامية في العراق وسورية، وجبهة النصرة، وسائر ما يرتبط بتنظيم القاعدة من الأفراد والجماعات والمؤسسات والأفراد والكيانات. وكما أكّدَ القرار 1373 والقرارات الأخرى المتعلّقة بالإرهاب والوضع في سورية، فقد أكّدَ هذا القرار على استقلال سورية والعراق وعلى سيادة ووحدة وسلامة أراضي هذين البلدين انسجاماً مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه. كما أكّدَ القرار على إدانة داعش والنصرة وما يرتبط بهما من كيانات إرهابيّة وأعمالها الإرهابيّة وجرائمها المرتكبة ضد المدنيين وغيرهم، وتدمير الآثار الإنسانيّة والمواقع الثقافيّة والدينيّة والخروقات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مما يزعزع الاستقرار ويقوّض دعائمه. وأكّدَ الجميع أنّ هذه الإشارات هي الأقوى التي تصدر عن مجلس الأمن في شأن هذين التنظيمين الإرهابيّين وجرائمهما. إلاَّ أنّ ما حدثَ بين ليلة وضحاها هو ضياع كل معاني هذا القرار الذي سقطتْ منه في لغة الدول الغربيّة أيّة إشارة إلى مخاطر داعش في سورية والاكتفاء بالإشارة فقط إلى جرائم هذا التنظيم في العراق. كما سقطتْ في لغة الدول الغربيّة عند إشارتها إلى القرار، وهذا حكماً توجّه غير أخلاقي، إلى الجوانب التي تتعلّق بتنظيم جبهة النصرة وشقيقاتها من فروع القاعدة الأخرى.
إنّنا كمراقبين ومهتمين ومسؤولين لم نتفاجأ بإسقاط هذه العناصر الأساسيّة وغيرها من مضمون القرار 2170 والذي جاء قراراً شاملاً وزَرَعَ بعض التفاؤل في نفوسنا بعد سنوات من التشاؤم إزاء دور مجلس الأمن ومنظومة الأمم المتحدة في قدرتها على التعامل بجديّة ومصداقيّة مع مشاكل عالم اليوم. إلاَّ أنّ من تأصلَ النفاق في ضميره وتعوّد على ممارسة التحريض الرخيص ضدنا في سياساته اليومية لا يمكن أن يكون صادقاً في تعامله مع قضايا تهم غالبيّة شعوب العالم بما في ذلك شعبنا العربي السوري. إنّ شطب هذه العناصر الأساسيّة من قرار مجلس الأمن يعني أنّ هؤلاء القادة الذين تعوّدوا أن يكونوا صغاراً وأن لا يعترفوا بالأخطاء القاتلة التي ارتكبوها من خلال دعمهم للإرهاب في سورية والتراجع أمام شعوبهم والمجتمع الدولي عن الأذى الذي ألحقوه بسورية والمنطقة سواءً من خلال تبنيهم لما يُسمّى بالربيع العربي وهو نفسه ما يُسمّى بالمجموعات المسلّحة المعتدلة في سورية، لأنّه يعني الإمعان في ارتكاب المحرمات وإصراراً على الاستمرار في دعم الإرهاب. ويبدو أنّ محاربة داعش والإرهاب قد ذَهّبا مرّةً أخرى إلى العنوان الخطأ، فأي حرب على الإرهاب لا يكون في مركزها الاتحاد الروسي والصين والهند وسورية والجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة ودول أخرى هامّة محاولة عبثيّة في الفراغ والزمن الضائع ولن يكتب لها النجاح.
إنّ استخدام موضوع الإرهاب لإنشاء تحالفات لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب بل بتحقيق أغراض جيوسياسيّة وإنقاذ حكّام السعوديّة من ورطتهم لن يكتب لها النجاح. وإذا كانَ حلف الناتو قد أعلنَ في نهاية اجتماعاته التي عقدتْ مؤخّراً في ويلز بتاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2014، عن نوايا لزيادة هيمنة دوله على العالم ومنع إنشاء نظام عالمي يقوم على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي واحترام استقلال الدول وسيادتها، فإنّ هذا التطوّر يُعطي مؤشراً خطيراً يُنذر بجولة جديدة من المواجهات المفتعلة والتي لا هدف لها إلاَّ الحفاظ على هيمنة الغرب وسياساته الاستعماريّة الجديدة التي تحتم على دول حركة عدم الانحياز ومجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي البدء الفوري بإعداد استراتيجياتها للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. وما يؤكّد ما ذهبنا إليه هو ما وردَ في الفقرة الأولى من بيان اجتماع قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الناتو، حيثُ أكّدوا على مركزيّة الأمن الأوروبي على حساب أمن وسلم شعوب ما أسمّوه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ناهيك عن الفقرات التي خصَّ بها الحلف هجومه على الاتحاد الروسي الذي تمثّل سياساته والدول الصديقة الأخرى معه أمل المجتمع الدولي لإحلال الديمقراطيّة في العلاقات الدوليّة والأمن والسلام في العالم.
إنّ شن حرب على داعش في العراق وسورية لا يمكن أن يتم إلاَّ من خلال التنسيق الوثيق والتعامل مع حكومتي البلدين. وليس منطقيّاً ولا مقنعاً القول بأنّ مكافحة تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام ستتم من خلال تقديم السلاح إلى مجموعات مسلّحة في سورية. فما يُسمّى المجموعات المسلّحة المعتدلة في سورية والتي ستعتمدها الولايات المتحدة والسعوديّة وغيرهما في ما أسموه الحرب على الإرهاب هي رفاق السلاح لداعش وغيره. وإذا حدثتْ بعض الصدامات مؤخّراً بين بعض مكونات المنظمات الإرهابيّة في سورية، فإنّ ذلك كان في إطار التنافس بين هذه التنظيمات على النفوذ من جهة، وفي إطار تكتيكات مرحليّة من جهة أخرى. والدول الداعية إلى مثل هذه التحالفات تعي أنّ داعش وجبهة النصرة والجيش الحر والجبهة الإسلاميّة تُقاتل سويّاً في الكثير من أنحاء سورية. وقد صرّحَ تنظيم الإخوان المسلمين الذي له تمثيل أساسي في ما يُسمّى التحالف بأنّه لن يكون جزءاً من الحرب على التنظيمات المسلّحة الأخرى بما في ذلك داعش. كما أنّ توقيع اتفاق مصالحة بين داعش وما يُسمّى الجيش الحر في منطقة الحجر الأسود قرب دمشق بتاريخ 12/9/2014، وإعلان هذا الاتفاق الذي تداولته أجهزة الإعلام، يثبت التحالف بين هذه التنظيمات بعكس ما يدّعيه الأميركيون والسعوديون وغيرهم.
إنّ سورية لا تستجدي إطلاقاً دوراً لها في مكافحة الإرهاب، وفي ومكافحة داعش بشكل خاص، فهي تُحارب هذه التنظيمات منذ وقت طويل، وهي التي دعتْ كل دول العالم لمشاركتها شرف التصدّي للإرهاب. إلاَّ أنّ بعض الدول الغربيّة التي تبنّتْ هذه التنظيمات الإرهابيّة، بالتعاون مع العائلة السعوديّة، التي تتعامل مع هذه التنظيمات وتدعمها على الملأ بطريقة تدعو إلى الاشمئزاز، يجب أن تُراجع سياساتها قبلَ فوات الأوان. وسورية تعبّر عن قناعاتها بأنّ الانتصار على الإرهاب لا يمكن أن يُحقّق النجاح المطلوب إلاَّ من خلال احترام استقلال وسيادة والدول والتنسيق مع حكوماتها إزاء كل تحرّك، وإلاَّ فإنّ أي نشاطات عسكريّة أحاديّة الجانب من قِبَل أي تحالف لن تكون إلاَّ عدواناً على العراق وسورية ويجب التعامل معها بهذا الفهم.
إنّ الأهم في مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط والذي يجب أن لا تنساه أيضاً الدول العربيّة، هو محاربة العامل «الإسرائيلي» الذي هو أساس الإرهاب في هذه المنطقة. ومن الواضح أنّ هدف الولايات المتحدة وحلفائها هو التعتيم التام على الدور «الإسرائيلي» في تأجيج الوضع من خلال إرهابها المدعوم غربيّاً على الشعب الفلسطيني. فإذا كانتْ الولايات المتحدة والدول الغربيّة صادقة في مواجهة الإرهاب، فإنّ العنوان الرئيسي إضافةً لداعش هو «إسرائيل» التي حصد عدوانها الأخير على غزّة عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى الفلسطينيين في أكبر عمليّة إرهاب في المنطقة.
لقد تصادفتْ كل هذه التغيرات في المشهد القائم في المنطقة، مع الزيارة الأولى التي قامَ بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا إلى دمشق لبذل محاولة جديدة لوضع حد للتطورات الكارثيّة التي شهدتها سورية نتيجةً للحرب المعلنة عليها من قِبَل بعض الدول الغربيّة والإقليميّة للأهداف التي حددناها سابقاً. وكان من الصائب أنّ يبدأ السيّد دي ميستورا مهمّته بدءاً من دمشق كي يُناقش بذهنيّة منفتحة العناصر الأساسيّة لمهمته مع القيادة السوريّة. وفي هذا المجال، فإنّه لا يمكن إخفاء ارتياح القيادة السوريّة للتعامل مع مبعوث خاص يتفهّم حقائق وخلفيات ما يجري في سورية أو على الأقل محاولة فهم هذه التطورات من المنبع.
بعدَ الإخفاقات التي شهدها مؤتمر جنيف لأسباب أصبحتْ واضحة للجميع وفي مقدّمها إصرار الدول الغربيّة التي دعمتْ وشكّلتْ وفد الائتلاف وأكّدتْ على وحدانية تمثيل هذا الائتلاف للمعارضة السوريّة واحتكاره لهذا التمثيل على رغم انعزال هذا الهيكل عن التطلعات الحقيقية للشعب السوري وعدم اعتراف المكونات الأكثر تمثيلاً للمعارضة السوريّة، إذا جاز لنا استخدام مثل هذا التعبير، بهذا الائتلاف ممثّلاً لها من جهة، ومن جهة أخرى تجاهل هذه الدول وائتلافها للتحدّي الأساسي الذي واجه ولا يزال يواجه سورية وهو خطر الإرهاب. وها هي نفس الدول تعترف الآن أنّ خطر الإرهاب لا يجب أن يمثّل أولويّة سوريّة فقط، بل أنّ هذا الخطر أصبحَ أولويّة لكل العالم. بذلك تعود هذه الدول إلى ما قالته سورية منذ بداية أزمتها وأكّدتْ عليه في مؤتمر جنيف.
وقد أكّدَ الجانبان السوري والأممي خلال محادثاتهما يوم 11/9/2014، على أولويّة مكافحة الإرهاب وأهميّة تحقيق مصالحات محلية في كل أنحاء سورية. ومن جهة أخرى اعتبر الجانبان أنّ مكافحة الإرهاب وتحقيق المصالحات المحليّة سيساهمان في الوصول إلى حوار وطني ذي معنى يؤدّي إلى انتقال سورية إلى الأمن والاستقرار اللذين ينشدهما الشعب السوري. واستمراراً للتعاون الذي ترغب سورية بتعميقه مع الأمم المتحدة، فقد أكّدَ الرئيس الأسد عن استعداد سورية لمواصلة العمل مع مبعوث الأمم المتحدة وتقديم الدعم والتعاون اللازمين لإنجاح مهمته بما يحقّق مصلحة الشعب السوري في الوصول إلى حل يضمن الخلاص من الإرهاب والقضاء على تنظيماته بمختلف مسمياتها وأنّ أي نجاح يحقّقه دي ميستورا في مهمته هو نجاح لسورية وشعبها. وفي السياق نفسه أكّدَ الرئيس الأسد أنّ ما تشهده سورية والمنطقة جعلَ مكافحة الإرهاب أولويّة لأنّه باتَ الخطر الأكبر الذي يهدّد الجميع، ولأنّ أي تقدّم في هذا المجال من شأنه أن يُسهم في دعم المصالحات الوطنيّة التي نجحتْ حتّى الآن في العديد من المناطق السوريّة.
وقد كانَ من المُريح أن يؤكّد دي ميستورا على أنّ التهديد الإرهابي أصبحَ مصدر قلق وخوف عالمي، وأن يُشير خلال اللقاء مع الرئيس الأسد وبعده لأجهزة الإعلام على ضرورة مساعدة السوريين على التوصّل إلى حل سياسي شامل، مع الأخذ في الاعتبار الحقائق والتطورات الجديدة ومنها خطر المجموعات الإرهابيّة التي عرّف بها قرار مجلس الأمن رقم 2170.
ومما لا شك فيه هو أنّه إذا توافقتْ الإرادة الدوليّة مع الإرادة السوريّة بعيداً عن التدخلات والأجندات الخارجيّة الضيقة والحاقدة، فإنّ التفاؤل الذي كان بعيداً في بعض مراحل التطورات السوريّة، سيعود لزرع البسمة على وجوه السوريين ومحبي سورية إقليميّاً ودوليّاً. إنّ من حق السوريين جميعاً أن يحلموا بالعودة إلى الأمن والاستقرار الذي شهدته سورية لعقود كثيرة، وليس ذلك فحسب بل إلى تحقيق ما يحلم به الرئيس بشار الأسد نيابةً عن جميع السوريين بإعادة بناء سورية الجديدة لكل أبنائها الذين يريد لهم الرئيس بشار الأسد أن يعيشوا كرماء على أرضهم موحدين في تطلعاتهم ومستعدين للغد الأجمل نحو التقدّم والازدهار والديمقراطيّة المنشودة.