حكومة الأمر الواقع أم تكليف ثانٍ للحريري؟
محمد حمية
لم تخرج عملية تأليف الحكومة العتيدة عن مسارها الطبيعي إذا ما عدنا إلى تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم، ولا يزال هناك متسع من الوقت أمام الرئيس المكلف لاستكمال المساومات والمقايضات على الحقائب بين القوى السياسية لإنضاج تشكيلته الوزارية النهائية، لكن قد يكون الأمر مختلفاً في الظروف الحالية مع انطلاقة مرحلة جديدة توّجت بانتخاب رئيس للجمهورية بعد قرابة عامين ونصف العام على الفراغ في سدة الرئاسة الأولى لا سيما وأن الحكومة هي الأولى للعهد الجديد وأي انتكاسة قد تقلّص من الزخم الذي بدأ عقب انتخاب الرئيس ميشال عون، الأمر الذي حذّرت منه كتلة المستقبل في اجتماعها أمس.
التفاوض الحكومي الذي يجري على وقع المواقف التصعيدية على خط بعبدا – عين التينة – بيت الوسط معراب – بنشعي، يبدو في ظاهره تنافساً على الحقائب الوزارية الخدمية على أبواب الانتخابات النيابية وتثبيت الحضور في مجلس الوزراء، لكنه يُخفي في جوهره صراعاً على التوازنات السياسية داخل الحكومة والأدوار التي ستؤديها أهمها إقرار قانون انتخاب وانتخابات نيابية جديدة ستعيد رسم الأوزان الشعبية للأطراف كافة، بحسب القانون الجديد والتحالفات الانتخابية المستجدّة التي أفرزتها التفاهمات على التسوية الرئاسية.
سيناريوهات عدة سيسلكها مسار تشكيل الحكومة:
بقاء المفاوضات في دائرة المراوحة لأسابيع عدة قد تمتد الى ما بعد عطلة الأعياد علّ جهود الرئيس المكلف المتواصلة تنجح بفكفكة العقد والتنازل من حصته لإرضاء بعض القوى.
الاتفاق على صيغة ترضي جميع الأطراف خلال الأسبوع الحالي أو كحدٍ أقصى مطلع الأسبوع المقبل، كما أوحت مصادر بعبدا خلال اليومين الماضيين.
إصرار جميع الأطراف على مطالبها وتجاوز مهلة التأليف المعقولة الأمر الذي يدفع الرئيس المكلف الى إعلان فشل مهمته والاعتكاف ويسارع رئيس الجمهورية الى الدعوة لاستشارات نيابية جديدة لتكليف رئيس جديد، وعلى الأرجح سيكون الحريري، وفي هذه الحالة يتكرّر مشهد العام 2009 عندما فشل الحريري في التكليف الأول خلال ثلاثة أشهر ونجح في التكليف الثاني الذي ناهز الشهرين.
أما الاحتمال الأخطر أن يستخدم رئيسا الجمهورية والحكومة صلاحيتهما الدستورية بتوقيع مراسيم تشكيل الحكومة من دون الوقوف على خاطر القوى السياسية لا سيما رئيس المجلس النيابي نبيه بري، علماً أن الدستور ينص على استدعاء رئيس المجلس الى قصر بعبدا واطلاعه على التشكيلة النهائية قبل إعلانها.
فهل تسمح الظروف القائمة بخيار كهذا؟ وهل حكومة من دون بري وحزب الله والحلفاء قابلة للحياة في ظل التوازنات الطائفية والسياسية القائمة؟ علماً أن بري يفاوض عن الثنائي الشيعي وفريق 8 آذار برمّته؟ وفي المقابل الى أي مدى يستطيع حزب الله الوقوف خلف مطالب الرئيس بري إذ ما أدت الى اعتكاف زعيم «التيار الأزرق» عن مهمته واهتزاز تفاهم عون الحريري، خصوصاً أن إعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن عدم ممانعة الحزب لعودة رئيس المستقبل الى رئاسة الحكومة هدفه تسهيل انتخاب عون ونجاح عهده؟
مصادر مقربة من الرئيس بري تؤكد لـ «البناء» أن دور رئيس المجلس أساسي في تشكيل الحكومات، موضحة أن رئيسَي الجمهورية والحكومة مولجان بتشكيل الحكومة دستورياً، لكن هناك محاذير وتوازنات وأعراف وأصول تحكم عملية التأليف يجب مراعاتها، فضلاً عن أنه يجب اطلاع رئيس المجلس على الصيغة النهائية قبل إعلانها. وتلفت المصادر الى أن أي «توقيع لمراسيم تشكيل الحكومة من دون التوافق مع المكوّنات الرئيسية وعلى رأسها الرئيس بري هو توقيع التصعيد والتحدي لمكونات أساسية في البلد، وهو أمر قد يطيح بالحكومة المشكلة، وتؤكد على الانسجام والتنسيق في الموقف على الصعيد الحكومي بين حركة أمل وحزب الله الذي يترك لبري مسألة التفاوض بعد أن مرّر مرحلة انتخاب عون بأقل الخسائر، وتساءلت: ماذا لو استقال وزراء المكوّن الشيعي فور إعلان الحكومة وفقدت الميثاقية؟ كيف سيتصرف حينها رئيسا الجمهورية والحكومة؟ وتشير المصادر الى أن الاتفاق المسبق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على توزيع المواقع الوزارية والادارية في الدولة إحد أبرز العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة.
أما مصادر قيادية في التيار الوطني الحر فتسأل: «إذا أراد التيار إعطاء نصف الحقائب الوزارية الى القوات فما ضرّ ذلك؟ وتشير لـ «البناء» الى أن «حجم تكتل التغيير والإصلاح 24 نائباً وكتلة القوات ثمانية نواب وحاصل الكتلتين 32 نائباً أي نصف النواب المسيحيين وبالتالي لهما الحق في نصف المقاعد الوزارية ستة وزراء ثلاثة للتيار وثلاثة للقوات من دون حصة رئيس الجمهورية 3 وزراء واحد مسيحي والثاني حسم أن يكون سنياً، أما الثالث فجاري العمل على التفاوض بشأنه على أن يكون شيعياً مقابل وزيراً مسيحياً للرئيس بري، لافتة الى أن «لا مانع لدى التيار والقوات من تمثيل تيار المردة بحقيبة أساسية، لكن من حصة فريق 8 آذار وبالتالي بالتفاهم مع بري الذي يفاوض باسم هذا الفريق».
وترد مصادر في الثامن من آذار على هذا الكلام بالقول: «لا مانع على الإطلاق من تولي كل من قوى الثامن والرابع عشر من آذار توزيع الحصص، في ما بينهما شرط التوازن والتساوي في العدد والحقائب أو اعتماد صيغة التوازن بين التمثيل النيابي والوزاري ويسري على الجميع. وفي هذه الحالة لا يبقى للقوات نائب رئيس الحكومة طالما تسمية الوزير ميشال فرعون لا تستند إلى كتلة نيابية، بل لكونه محسوباً ضمن حصة القوات وبشغور مركز نائب رئيس الحكومة ومعه وزارة الدفاع يصبح ممكناً حلحلة الكثير من عقد التشكيل».
من جهتها تنفي مصادر قيادية في تيار المسقبل أن يلجأ الرئيس الحريري الى توقيع حكومة الأمر الواقع، وتشير لـ «البناء» الى أن «خياراً كهذا ضرب من الخيال وأشبه بمغامرة أكثر من خطيرة، لن يُقدم عليها الحريري، فالتجارب السابقة أثبتت أن هذه الخيارات غير ناجحة وتترك تداعيات سلبية على البلد، مذكرة بمرحلة إقفال الوسط التجاري عند انسحاب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وأحداث 7 أيار بين عامي 2008 2009 وبالتالي لن يكرّر الحريري ذلك اليوم في ظل العروض العسكرية على الحدود، وفي الداخل التي يقوم بها حزب الله وحلفاؤه وتهديد الرئيس بري والمفتي عبد الأمير قبلان ودعم حزب الله لذلك من مواقع خلفية».