عوامل راهنية المشروع القومي السوري في المرحلة الحالية
د. مهدي دخل الله
التطورات الراهنة الحادة تؤكد التقدّم في أسبقية المشروع القومي السوري على غيره من المشاريع. هنا ينبغي التركيز على العوامل الآتي ذكرها:
1 ـ إنّ مشروعية التصوّر القومي السوري ترتكز إلى حقيقة أنّ هذا المشروع لم يعد مناقضاً أو مناهضاً لما يسمّيه القوميون العرب بالمشروع القومي العربي. فوحدة التراب السوري كله قاعدة مؤسّسة للمشروع الأوسع المتعلق بتكامل «الناطقين بالضادّ». وتثبت التجربة أنه من الصعب تحقيق أيّ وحدة عربية إذا كانت البلاد السورية غير موحّدة أو على الأقلّ غير متكاملة.
2 ـ إنّ ما يلاقيه المشروع القومي العربي من عقبات وما يواجهه من تصعيد عدائي كبير له سببه أو أحد أسبابه هو تجاهله لأهمية المشروع القومي السوري. وبالتالي فإنّ ما يقوّي «العربي» هو التزامه بأولوية «السوري».
3 ـ إنّ سورية الطبيعية، خاصة الشام ولبنان وفلسطين، هي محور مشكلة المنطقة وعليها يركز أعداء المشروعين «العربي» و«السوري» ولا يمكن التقدّم بأية خطوة في أيّ اتجاه قبل التقدّم في حلّ «المسألة السورية» أيّ تكامل البقاع السورية كلها.
4 ـ أثبتت التطورات أنّ العرب تخلّوا بسهولة عن «القضية الفلسطينية» وخاصة الدول العربية المؤثرة كمصر والسعودية والمغرب وغيرها. بذلك ظهرت طبيعة القضية الفلسطينية بأنها قضية سوريّة أولاً.
5 ـ إنّ غالبية الدول العربية حصلت في فترة الاستعمار التقليدي على كيانها المستقرّ ووحدة مناطقها، الحديث هنا عن السعودية ومصر والجزائر والمغرب وغيرها. في المقابل تمّ في فترة الاستعمار تمزيق سورية إلى دول عدة لا تمتلك أية دولة منفردة منها عوامل العيش المستقرّ، إضافة إلى ذلك تمّ اقتطاع فلسطين من هذه الأرض وإعطائها لليهود الأوروبيين كي تبقى الوحدة السورية صعبة.
6 ـ ينتج عن هذا كله أنه من الصعب أن تدعو إحدى الدول السورية إلى وحدة عربية في الوقت الذي لا توجد فيه وحدة سورية.
7 ـ إنّ التكامل الجغرافي والثقافي والاجتماعي هو العامل المؤثر الأهمّ لتحقيق الوحدة وإنجازها. من الصعب أن نتصوّر وحدة بين لبنان والجزائر مثلاً. ولو أنّ الوحدة السورية المصرية 1958 1961 كانت تستند إلى العوامل المذكورة لكانت أشدّ متانة، لأنّ التوافق السياسي لا يكفي. تصوّروا مثلاً وحدة لبنانية سورية أو أردنية فلسطينية سورية حيث العائلات نفسها منتشرة في الأقطار المتحدة، إضافة إلى التكامل الجغرافي والثقافي طريقة الحياة + طريقة التفكير بما في ذلك العادات والتقاليد. مثل هذه الوحدة ستكون متجذّرة في أرض الواقع بغضّ النظر عن التوافق السياسي.
8 ـ إنّ الدعوة إلى «القومية السورية» ليست موجّهة ضدّ العروبة والعروبيين، وإنما هي دعوة لتوحيد الأمصار السورية المجزأة، وهذا يشبه مثلاً النداء لتوحيد الدلتا المصرية مع الصعيد. إنها طبيعة الأشياء وطبائع البشر وهو ما يجب أن يتمسك به العروبيون في الأمصار السورية قبل غيرهم.
9 ـ على هذا تبدو القومية السورية مسألة واقعية، وليست رومانسية، إنها مسألة حياة، وباعتبارها كذلك هي ممكنة من حيث الواقع بعيداً عن عالم التنظير والفكر، إنها مسألة حياة ووجود واستقرار للسوريين جميعهم.
وزير وسفير سوري سابق