نظرية النظام الجديد في غاية الحزب – ٣

صبحي فريح

إنّ عملية التغيير الاجتماعي تتطلّب المناقب العالية، هي البطولة المؤيّدة بصحة العقيدة، هي إعادة بناء الإنسان، أيّ إعادة بناء قِيم الإنسان السوري وتغيير طرق تفكيره بشكل يتلاءم مع مستلزمات عملية التحويل النفسية – الاجتماعية الاقتصادية، فشحذ سعاده نفوس القوميين وهزّ وجدانهم القومي، وأبان أنّ طريق الانتصار على المصاعب والمحن التي تأتي على الأمم الحية لا يكون لها إنقاذ منها إلّا بالبطولة المؤمنة بعقيدة صحيحة، ولكنّها إذا تركت هذه الأمة البطولة وعدم الاعتماد عليها في الفصل في مصيرها وقضاياها ومصالحها فقد تقرّره الحوادث الجارية والإرادات الأجنبية لتصدّي هذه المصاعب والمحن.

أعلن سعاده قوّته وإيمانه الخلّاق بالحقيقة التي يؤمن بها، بالعقيدة التي أرساها، وبالقوميين الصامدين في قتال الأعداء، فقال: «لو قضوا على مئات منّا لما تمكّنوا من القضاء على الحقيقة التي تخلد بها نفوسنا، ولما تمكّنوا من القضاء على بقيّة منّا تُقيم الحق وتسحق الباطل، فيكون انتصارنا أكيداً في حياتنا وبعد موتنا، لذلك نحن جماعة لا تخاف الموت». وقد صارع سعاده الموت وغلبه في كلّ مرة يتآمر عليه المتآمرون بقتله والقضاء عليه وعلى حزبه، فانظروا إلى وصفه هذا الصراع قائلاً:

«كم مرة رأيت الموت مقبلاً إليّ في أشكال مختلفة فما تجنّبته قط، بل أقبلت إليه كما أقبل إليّ وثبتُّ نظري فيه كما ثبّت نظره فيَّ فكنت واثقاً في كلّ حين أنني سأسحقه وكان يقطع الرجاء من إيصال الخوف إلى قلبي أو الشكّ في يقيني فيرتدّ خائباً ويرجع عوده على بدئه».

حرية الصراع

والصفة الثانية للمناقبية هي فكر الصراع لأجل تحقيق القضية وانتصار الأمة وبلوغ أهدافها.

فالحرية صراع، فالأمة التي لا تعرف الحرية صراع، وأنّ الحق انتصار هي أمة لا تستحق إلا السقوط مصيراً ، الحرية ليست حرية العدم بل حرية الوجود، والوجود حركة هي حرية الصراع، صراع العقائد في سبيل تحقيق مجتمع أفضل ولا معنى للحرية وراء ذلك . سعاده يؤمن بحرية الأحزاب لتتصارع عقائدياً في سبيل مصلحة الأمة، ذلك لأنّ الحركة القومية الاجتماعية هي حركة صراع وتقدّم لا حركة استسلام وقناعة. إنّها ليست مستعدة للتنازل بل للانتصار، كما أنّ حق الصراع ليس إلّا طريقاً للتقدّم، لذا وضع سعاده مبدأ عدم التنازل عن الحق أمام الأمم، فلسنا بمتنازلين عن هذا الحق للذين يبشروننا بالسلام وهم يهيّئون للحرب»، لأنّ هذا الزمن زمننا وهو زمن تصارع الأمم للبقاء وتحقيق مصالح الأمة.

ونحن القوميون الاجتماعيون نشأنا فكراً جديداً وحياة جديدة وجهتها ذروة الشرف والمجد، يصارعان فكراً قديماً وحياة قديمة حضيض اللؤم والذلّ .

لهذا، لو لم تكن حركة الصراع لما كنا حركة على الإطلاق ولا تكون الحركة بلا صراع، تنمو الحياة بقوة تتحرّك وتفعل، تصارع ما حولها وتثبت ذاتها، فإذا تنازلت عن الصراع تنازلت عن الحرية وتنازلت عن الوجود وحق الحياة .

فالصراع العقائدي هو في سبيل الأفضل والأحسن لحياة الأمة، فتتصارع العقائد في مجال حريّتها لأنّ هذا الصراع هو تعبير عن وجود حيّ للشعب ولمختلف ما يحمل من مبادئ وعقائد لمختلف شرائحه الاجتماعية.

فحركة الصراع هي بالمبادئ التي تحملها، وقتالنا للأعداء بالدماء التي تجري في عروقنا، والتي سوف تحوّل أرض هذا الوطن إلى وطن الزوبعة الحمراء المنطلقة لتحطّم كلّ نذالة وقبح.

فنحن نشأنا لإقامة نظام جديد وحياة جديدة، نحن نتصارع دائماً في سبيل تحقيق غايتنا، وكلّما تراكمت علينا الصعاب تجدّدت قوانا وسحقت ما اعترضنا من صعاب .

نشأنا حركة صراع وسرنا في الصراع ولا نزال نسير في الصراع وإنّ الصراع لم ينته، وهو ليس بمنتهٍ انتهاءً كلياً أبداً، فكلّما وصلنا قمّة بصراعنا امتدّت بنا قدرتنا إلى قمم نحن جديرون ببلوغها والسير إلى ما وراءها ونحن القوميون لا نزال نصارع في سبيل نهضة الأمة ووحدتها ومصيرها.

محاربة النزعة الفردية

والصفة الثالثة للمناقبية هي الغيرية، ومحاربة النزعة الفردية.

فيقول سعاده: إنّ النزعة الفردية تجعل الفرد منبثقاً من الله وليس من النوع الإنساني ، وهي ترفض الاتحاد في المجتمع بل تتمرّد على الواجبات، لأنّ الفرد في المجتمع وانصهاره فيه واعتباره جزءاً منه يستمدّ منه المعرفة، والميزات العقلية التي يكتسبها من تفاعله مع أفراد مجتمعه هي إلغاء الشخصية الفردية وإبراز شخصيته الغيرية وبفعله وحركته ضمن المجتمع ولصالح المجتمع. فيلغي حينئذ حب الولاء للشخصية الفردية إلى الولاء للمجتمع.

إنّ مذهب الشخصية الفردية هي الفوضى المطلقة والتصرّف حسب مصالح الشخص الذاتية بدون أي اعتبار لمصالح المجتمع العامة، والنزعة الفردية تقوده حتماً إلى زوال وغياب الشعور بالمسؤولية، وفي حال حصول تصادم بين النزعة الفردية والنظام الذي تعهّد به، فضّل نزعته على النظام غير عابئ بالأضرار التي تلحق بالمجتمع.

النزعة الفردية تجعل الفرد وميوله وأفكاره غاية كلّ فكرة ونهاية كلّ عمل، متى تملّكت هذه النزعة بالأفراد صارت العدوّ الأول عن كلّ غاية مجتمعية، والعقبة الكأداء التي تعترض نشوء النظام الاجتماعي العام .

ومن نتائج الفردية ازدراء النظام العام واحتقار العرف وجعل الشذوذ عن القواعد المؤسساتية قاعدة هي أسوأ أنواع الانحطاط الاجتماعي وشرّ ضروب الانحلال القومي .

ذو النزعة الفردية لا يعرف ولا يريد أن يعرف أنّ هناك حدوداً واختصاصاً ومراتب للشؤون والأعمال والواجب عليه أن يلتزم بها.

ذو النزعة الفردية لا يعرف إلا مصلحته الشخصية ويعتبرها هدفاً وغاية له فيسعى لتحقيقها.

ذو النزعة الفردية يتعالى على كلّ معارفه وأصدقائه ومتحده.

يعتبر صاحب النزعة الفردية أنّه العليم البصير، ولا علم فوق علمه، ويعتبر صاحب النزعة الفردية الشخصانية أقرانه دون مستواه علماً ومعرفة بل يبقى ناقداً مجرّحاً بدون اعتبار للأخلاق والقيَم والعلاقات الاجتماعية.

من هذه النزعة والصفة الفردية تدعو المناقبية إلى نبذها ومحاربتها وجعل مصلحة الأمة فوق كلّ مصلحة، وجعل الفرد ضمن المجتمع عنصراً يعمل لمصلحتها، ويفضّلها على مصالحه الخاصة.

لقد نسيَ سعاده جراحه النافذة ليضمّد جراح أمته النازفة، لهذا دعا سعاده القوميين الاجتماعيين لأن يكافحوا النزعة الفردية مكافحتهم الاحتلال الأجنبي لقد ساوى بينهما لخطورة الفردية.

لهذا كانت الغيرية نقيض الفردية فهي التي تسمو على كلّ مطلب وحاجة خاصة.

إنّ صراع سعاده وبالإرادة المؤمنة وقدوته في المناقب التي يوصف بها، ونبذ الفردية القاتلة كانت الأثر الكبير في تكوين المناقب القومية السورية الجديدة وتجسيدها في صميم المجتمع.

إنّه مؤمن بالحقائق وبأمته فيهزّ بهذا الإيمان العظيم نوازع النفس البشرية حينما يخاطب القوميين قائلاً: «لم آتكم مؤمناً بالخوارق، بل مؤمناً بالحقائق الراهنة التي هي أنتم، أتيتكم مؤمناً بأنكم أمة عظيمة المواهب جديرة بالخلود والمجد ليست رسالتي أن آتيكم بشيء غير حقيقي رسالتي هي أنتم .

النزعة الفردية تذوب في المجتمع عند المؤمنين بأنّ مصلحة المجتمع فوق كلّ مصلحة، فيصبح هذا الفرد إمكانية في الحياة الاجتماعية يضحّي بمصالحه الخاصة لأجل المصالح العامّة. ومتى كان هذا الفرد مؤمناً معرفة وعقلاً وإرادة في مصلحة الأمة، والنظام الذي يحدّد الحدود والمسؤوليات، حينئذٍ ينصهر كلياً في أرقى مطالب المجتمع وحيثما وجد الانقسام النفسي وتركّزت وحدة القصد والهدف، انعدمت الخصوصيات الفردية وتوحّدت مقاصد الفرد ومثله العليا بمقاصد ومثل الحركة الشاملة الاجتماعية الذي هو جزء منها إنها الحركة السورية القومية الاجتماعية، وتعود إليه صفات النفسية السورية الرامية لأنّ فيها كلّ العلم والفن والفلسفة.

وتبقى هناك صفات كثيرة للمناقبية، هي:

الصبر على الشدائد والمصائب والنكبات وغيرها من الصفات المناقبية التي جسّدها سعاده الخالد بأعماله وأفعاله العظيمة.

رابعاً: النظام الجديد

ومبادئ الحزب رسالة للعالم

إنّ رسالة سعاده العقائدية الحاملة مبادئ الحزب ونظرته للحياة ليست مختصّة بالأمة السورية، بل هي جاءت لمصلحة العالم كلّه، فلو طُبّقت ونُفّذت لدى دول العالم لما حدثت فيها الاضطرابات والفتن الإثنية والطائفية أو الكيانيّة تجزئة للمجتمع والوطن.

ولنرى ما يقوله سعاده في رسالته للعالم وفائدتها:

أ – المدرحية:

يقول: «إنّ للحزب السوري القومي الاجتماعي فكرة، عقيدة، فلسفة الحياة والوجود إنّه يشكّل قضية… هي قضية الأمة للمجتمع الإنساني الذي نحن فيه».

إنّ نظام الحركة السورية القومية الاجتماعية… إنّه نظام تحتاج إليه الأمم الأخرى، وإنّ الفسلفة القومية الاجتماعية المدرحية لا تقوم على قاعدة الحرب بين الروح والمادة، بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي، بل على قاعدة التفاعل الروحي المادي تفاعلاً متجانساً على ضرورة المادة للروح وضرورة الروح للمادة بجميع مناحي الحياة الإنسانية .

إنّ أساس الارتقاء الإنساني هو أساس مادي روحي مدرحي ، وإنّ الإنسانية المتفوّقة هي التي تدرك هذا الأساس وتشيد صرح مستقبلها عليها .

إنّ العالم اليوم يحتاج إلى فلسفة تنقذه من الفلسفات وظلالها، وهذه الفلسفة الجديدة التي يحتاجها هي فلسفة التفاعل الموحّد الجامع لقوى الإنسانية التي تقدّمها النهضة السورية القومية الاجتماعية .

إنّ الحياة الإنسانية يجب أن تُعتبر حاصلاً مادياً روحياً، وهذا ما تقوله الفلسفة القومية الاجتماعية، وهذه الفلسفة يحتاج إليها العالم كلّه إلّا سورية فقط.

إنّ سورية تحمل اليوم إلى العالم نهضتها القومية الاجتماعية، رسالة جديدة.

وفي خطاب سعاده في الأول من آذار 1940، قال: «إنّ الحركة السورية القومية الاجتماعية لم تأتِ لسورية فقط بالمبادئ المحييَة، بل أتت العالم بالقاعدة التي يمكن عليها استمرار العمران وارتقاء البشرية».

وقال: «إنّ الأساس المادي الروحي، هو المبدأ الذي تقدّمه النهضة السورية القومية الاجتماعية لخلاص العالم من الحروب ولعمران الإنسانية».

إنّ الحركة السورية القومية الاجتماعية هي أروع حركة اجتماعية اقتصادية سياسية ظهرت خارج أوروبا، وقامت بمبادئ ونظريات روحية واجتماعية عامة مستقلة تجعل أوروبا ذاتها محتاجة لها، كما تحتاج إليها جميع القارات على السواء، وجميع ساكنيها. م 10 ص 99 .

إنّ الفكر القومي الاجتماعي الذي آمن به القوميون الاجتماعيون لم يُقصد منه أن يخدم حقبة تاريخية محدّدة ينتهي دوره بانتهائها كما لم يقصد منه أن يكون لخدمة الأمة السورية وحدها بل العالم كلّه .

وفي رسالته إلى القوميين في كانون الثاني 1947 يخاطب سعاده القوميين فيقول:

في كلّ هذه المدة الطويلة، وبعد كلّ هذه المحن العظيمة، لم يضعف إيماننا بل قويٌّ إيماني بكم، وآمنتم بي معلّماً وهادياً للأمة والناس العالم ، ومخطّطاً وبانياً للمجتمع الجديد، وقائداً للقوات الجديدة الناهضة الزاحفة بالتعاليم والمثل العليا إلى النصر .

وآمنت بكم أمة مثالية معلّمة وهادية للأمم، بنّاءة للمجتمع الإنساني الجديد، قائدة لقوات التجديد الإنساني بروح التعاليم الجديدة التي تحملون حرارتها المحيية وضياءها المنير إلى الأمم جميعاً، داعية الأمم إلى ترك عقيدة تفسير التطور الإنساني بالمبدأ الروحي وحده، وعقيدة تفسيره من الجهة الأخرى بالمبدأ المادي وحده، والإقلاع عن اعتبار العالم ضرورة عالم حرب مهلكة بين القوة الروحية والقوة المادية، وإلى التسليم معنا بأنّ أساس الارتقاء الإنساني هو أساس روحي مادي مدرحي .

لقد وجّه سعاده رسائله الكثيرة إلى العالم، إلى الأمم كلّها، ومن هذه الرسائل الفسلفة القومية الاجتماعية التي جاءت لتكون الحلّ الصحيح لمعضلات العالم سواء من الناحية المادية أو الروحية.

إنّ العالم لا يستطيع أن يستغني عن المادة، كما أنّه لا يستطيع أن يستغني عن الروح.

ولا يمكن أن يكون هناك حرب بين المادة والروح، لأنهما في وحدة متكاملة لا يمكن فصلهما عن بعض في كلّ مجتمع من المجتمعات البشرية، وهي تشكّل وحدة كاملة كالوحدة القومية التي هي أساس الحياة الاجتماعية المتفاعلة تفاعلاً بشرياً وبيئياً في بقعة من الأرض محدّدة.

حيث يتكوّن لدى هذا المجتمع الترابط بين الأمة والوطن هو المبدأ الوحيد الذي تتمّ فيه وحدة الحياة، ويتشكّل الشعور القومي في هذا المجتمع وشعور أفراده بانتمائهم لهذا الوطن والأمة ومصلحتها العليا، ومهما كانت هناك من روابط اقتصادية بحت.

إنّ سعاده استشرف منذ سبعين عاماً ونيّف ما سوف تكون النظرية المادية من فشل في مجرى حياة الأمم التي تعتمد المادية فقط، وغابت عنها الوحدة القومية والشعور القومي.

كذلك ما ستكون عليه النظرية الروحية الفاشية الاشتراكية من فشل ذريع. وهذه الشيوعية كنظرية قد سقطت وتلاشت بمفهومها المادي البحت، والذي جعل العلاقات الاقتصادية المادية وحدها هي ضمانة للوحدة الاجتماعية والقومية، فقد انهارت روسيا كنظام شيوعي كما تفكّكت كنظام لتجمّع أمم وقوميات متعددة واستقلت عنها دول كثيرة. لهذا لم تعد لدى القوميات المنضوية تحت لواء روسيا دافع للاستمرار في هذا الاتجاه القائم على مفهوم المادة الاقتصادية، فهذه المصالح لم تكن صالحة لإيجاد الشعور القومي، ولا تحقق أيّة نهضة خاصة بهذه الأمم التابعة للاتحاد السوفياتي، ولم تشكّل وحدة قومية واحدة، فكانت روسيا تضمّ دويلات كثيرة وعديدة تنتمي إلى قوميات مختلفة، فمجرّد أن انتشر الشعور القومي لديها وانبعث في النفوس تيار القوميات أعلنت الانفصال عن الاتحاد السوفياتي الذي قام على نظام دكتاتورية البروليتارية واستغنائه عن الروحيات كالدين والقومية، كذلك فشلت الأنظمة الاشتراكية التي تعتبر الروحانيات أساس قيام مجتمعاتها، والتي اعتمدت على وحدة الشعور القومي وحده، كألمانيا وإيطاليا.

لهذا، لا يمكن أن تكون الفلسفة المادية وحدها مخرجاً لمعضلات الأمم وتحقيق تقدّمها ونشوء نهضة قومية لها. وأيضاً الفلسفة الروحية هي وحدها الحلّ السليم.

فلا بدّ من أن تعتمد هذه الدول على الفلسفة القومية الاجتماعية التي نادى بها سعاده ووجّهها إلى العالم كلّه، ولم يحتكرها لأمته السورية فقط.

إنها تعتمد على الأمة التي تشكّل وحدة حياة مصيرية مشتركة متفاعلة تفاعلاً مادياً روحياً في بقعة من الأرض، فتتولّد القومية والشعور القومي والحرص على إعلاء مصلحة الأمة التي هي فوق كلّ مصلحة، وذلك بعد أن انصهرت الأمة بكلّ سلائلها انصهاراً كلياً متجانساً في وحدة الحياة المشتركة بين جميع أبناء الأمة من دون حواجز بينها، سواء كانت طائفية أو إثنية.

ونشاهد أنظار النظام الرأسمالي قد كوّن في معظم الدول الرأسمالية طبقة رأسمالية مرهقة شكّلت تجمّعات من الاستثمارات الداخلية والعالمية، فانحصرت لديها أكثر الأعمال الصناعية والتجارية في العالم من استثمارات الأراضي والنفط والغاز وصناعة الأسلحة الثقيلة والخفيفة، ممّا جعلها قوة مقاومة لكلّ متصدٍّ لها سواء في قوانين الدولة أو على مستوى العالم بحروب معتدية مفتعلة.

هذه الأنظمة الرأسمالية أصبحت ساحقة لطبقتين مضغوطتين مسحوقتين طبقة مسحوقة نفسياً هي الطبقة الوسطى، وطبقة مسحوقة مادياً هي الطبقة السفلى.

كما أنّ المبادئ الأساسية والإصلاحية نجدها حاجة ضرورية للأمم كلّها، ولا اختلاف في أهدافها ومراميها، حيث هذه المبادئ هي نهضة الأمة تحيي وجودها وحاضرها ومستقبلها، فمثلاً المبدأ الأول من مبادئ الحزب وهو سورية للسوريين والسوريون أمة تامة ، هذا المبدأ ينسحب ويشمل كلّ الأمم الموحدة فلا ضير إذا نادت الهند مثلاً:

الهند للهنود والهنود أمة تامة .

فرنسا للفرنسيّين والفرنسيون أمة تامة .

المغرب للمغربيين والمغربيون أمة تامة .

هذا المبدأ هو ضرورة حياتية لكلّ الأمم، وهو يحصّنها من التاريخ على مجتمعاتهم وعلى أوطانهم، وعلى خليطهم السلالي المتجانس.

ثمّ إنّ القضية السورية هي قضية قومية ومستقلة، وهي قضية الأمة السورية والوطن السوري.

هذا المبدأ أيضاً ينطبق على كلّ الأمم التي يكون لها قضية مستقلة عن كلّ الأمم الأخرى، وهي قضيتها لا يجوز أن يشاركها أحد من الدول، بل هي التي تقرّر مصيرها بذاتها، لأنها قضية الأمة والوطن ذو الحدود الطبيعية التي يجب أن تكون واضحة ومحدّدة تحديداً علمياً تاريخياً جغرافياً استراتيجياً اجتماعياً، كلّ هذه المبادئ لا تتعارض مع مصالح الشعوب، بل هي وسيلة إنقاذ لكلّ مشاكلها الطائفية والعرقية، كذلك المبدأ الحياتي مبدأ الخلاص الاجتماعي مبدأ الحياة المشتركة، وهو: الأمة السورية مجتمع واحد.

هذا المبدأ يلغي التقسيمات الطائفية والمذهبية، وتضمحلّ فيه النعرات العائلية والعشائرية، ويصهر المذاهب العرقية والإثنية في المجتمع الواحد وبالوطن الواحد. وتتوحّد الطوائف والمذاهب في غاية سامية هي مصلحة الأمة فوق كلّ مصالح الطوائف والمذاهب، فلو شاهدنا الحروب القائمة الآن في العالم لوجدنا أنها حروب إثنية عرقية أو حروب طائفية، ونضرب مثلاً على ذلك حروب البلقان في يوغسلافيا الصرب وكوسوفو هي حرب عرقية طائفية، وهي حرب بين مسلمين ومسيحيين. وكذلك في السودان حروب عرقية طائفية، والحروب في راوندا حروب عرقية، والحروب في العراق هي حروب طائفية وعرقية بعامل الاحتلال الأميركي والحرب في لبنان هي حرب طائفية مذهبية. فلو توحّدت هذه الإثنيات والطوائف والمذاهب في مبدأ الحياة المحض لجميع أبناء الأمة، ألا وهو الأمة مجتمع واحد ، لما حصلت هذه الحروب العبثية المدمّرة لوحدة المجتمع والوطن، وإنّ حقيقة تطبيق هذا المبدأ العلماني الحياتي هو في الحزب السوري القومي الاجتماعي حيث لا نرى ولا نلمس أيّة ظاهرة أو نزعة طائفية مذهبية عرقية إثنية، القوميون انصهروا انصهاراً كاملاً، وبإيمان عميق بمبادئهم، فنجدهم مجتمعاً واحداً لا فوارق بينهم بكلّ الأعمال والمسؤوليات، ولا تمييز أو تحديد لهوية أيّ رفيق سوى أنّه قومي اجتماعي يؤمن بعقيدة سعاده التي كانت الأقوى والأجدر في توحيد جميع الطوائف والمذاهب والإثنيات في وحدة حزبية لا مثيل لها في البلاد العربية والعالم. وكذلك المبادئ الإصلاحية التي جاء بها سعاده الخالد من فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في الشؤون السياسية القضاء القوميين، وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب وإعداد جيش قوي يدافع عن الأمة ويقرّر مصيرها ويحافظ على حقوقها، وإلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج.

كلّ هذه المبادئ الأساسية والإصلاحية صالحة لكلّ المجتمعات، وإذا ما أخذت بها سيتوفر لها الاستقرار والأمن ويحصل الاتحاد الاجتماعي والقومي والشعور المشترك لمصلحة واحدة هي مصلحة الأمة وليست مصلحة الطوائف والمذاهب والإثنيات والعرقية.

وكذلك ما جاء من صفات عالية لأفراد المجتمع في مفهوم المناقبية من البطولة إلى التضحية النضال والكفاح والصراع والصبر وحمل الأمانة، والغيرية ونبذ الفردية والصراع الدائم والمستمر لحياة أفضل في سبيل تحقيق النهضة الاجتماعية التي تحقق العزّة والكرامة للشعب، كما تحقق الرفاهية والاطمئنان والاستقرار، وهي صالحة لجميع الشعوب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى