عون يُضمر إسقاط «الستين»
هتاف دهام
هبّت أمس، رياح قانون الدوحة من جديد. تلفح عاصفة تمرير الستين في الانتخابات النيابية جميع المكونات الطائفية السياسية المستشرسة والإقطاعية. لكن تبقى الكلمة للشعب ولبيت الشعب.
شكّل كلام الوزير نهاد المشنوق صفارة الانطلاق نحو الستين. رغم أن لا حق له كوزير داخلية تصريف أعمال الإعلان عن ذلك، ولم ندخل فترة المهل. فضلاً عن أنّ الرئيس المكلف في طور تشكيل الحكومة خلال مهلة أسبوعين، وفق مصادره. ما قاله النائب البيروتي يعني تهيئة الرأي العام لما ستقدم عليه القيادات السياسية من انتخابات في موعدها على أساس القانون النافذ، أو التأسيس لتمديد تقني تحضيراً للقانون الجديد إذا افترضنا حسن النية، بعد أن أعلن الرئيس نبيه بري عدم وجود مانع عنده من تمديد تقني في ما لو تمكنّا من الاتفاق على قانون وفق النسبية.
يؤكد مصدر معني بالانتخابات في «الداخلية» أنّ تحضيرات الوزارة تجري لانتخابات وفق الستين. دائرة القوى المؤيدة له كثيرة، وإنْ كانت محشورة بالوقت ايضاً في ظله، فكيف بقانون جديد. المهلة القصوى لهذه العملية 21 أيار. لا يمكن إجراؤها في حزيران المقبل لمصادفته مع شهر رمضان. وكذلك لا يجوز أن تتزامن الانتخابات والامتحانات الرسمية معاً. تبقى آخر مهلة متوفرة للاستحقاق قبل 21 أيار. كلّ ذلك يبشر أنّ الوقت بات داهماً وضاغطاً وضيّقاً على الجميع، وأنّ دعوة الهيئات الناخبة ستكون قبل ثلاثة أشهر 21 شباط .
من المفترض، أنّ الشعب اللبناني شعب مثقف ويحسن التعامل مع الإعلام. كلّ مفاعيل الخطاب قائمة على التحريض المذهبي. تنطلي عليه بسهولة مخاطبة سياسية كهذه. يستشيط المواطن على مدى عشر سنوات غيظاً من طبقة سياسية انتجتها اتفاقية قطر في 2008، لكنه عملياً حينما يذهب الى الاقتراع يُعيد إنتاج السلطة نفسها مع فرق في بعض أسماء بقضاء أو آخر، لكن ذلك لن يغيّر من جوهر المضمون شيئاً ولا في النتائج.
رغبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجامحة، كما ينقل عنه، في إحداث تغيير وإصلاح في لبنان. لن يألو جهداً وفرصة لترك بصمته على الوقائع الجديدة في البلد.
السؤال هل تساعده الطبقة السياسية؟ الثابت، وفق قطب سياسي بارز في 8 آذار، لـ «البناء» أنّ مكوّنات ما بعد الطائف ستعمل على إفشال عهده. يبقى أنّ التحدي أمامه يتمثل في أن لا تستدرجه تلك الطبقة إلى منطق الصفقة يكرّسها قانون الستين وتمرير المصالح كائناً من كان من أيّ محور، وأن يبقى الى حدّ كبير قادراً على المحافظة على ثوابته.
نظرية نحر العهد، وفق القطب نفسه، لعبة مزايدة تلعبها كلّ الأطراف المستفيدة من الستين بخطاب شعبوي انتهازي ومحاولة رميها عند رئيس الجمهورية المنتخب حديثاً. هذا الرمي مردّه أنّ رئيس الجمهورية رئيس عهد جديد واعد. تعلّق الناس عليه آمال التغيير. عنوان عهده الإصلاح. شعاراته وطروحاته دَوْلية منذ دخل العمل السياسي.
يلعب السياسيون لعبة الستين مضمرة، ولعبة المزايدة بعدم الرغبة بإجراء الانتخابات وفق هذا القانون نظرياً وإعلامياً. يغلب طابع الانتهازية على خطاب هؤلاء بالدعوة الى قانون جديد من جهة ورمي الكرة في بعبدا من جهة أخرى. كلّ بممارسته الواقعية والعملية. لم يسهّل أيّ مكون منذ اجتماعات لجنة التواصل حتى اليوم التوصل الى قانون جديد. هناك تواطؤ ضمني عابر للاصطفافات لإبقاء الستين، وفي الوقت نفسه الهروب من وزر تثبيته وعدم تحمّل مسؤوليته أمام الرأي العام.
يقول القطب السياسي نفسه، عملياً الجنرال عون شخصية شفافة في العمل السياسي وصادق في خطابه مع الناس. لذلك تعمد هذه المكونات من خلال هذا التكتيك والأسلوب لاستخدام «الستين» سكيناً لتمرير مصالحها من جهة، وضرب مصداقيته عند الشعب من جهة أخرى.
أوجد حلف الرابية مع معراب ثنائية تعد بتحسين التمثيل المسيحي من دون منّة من الآخرين عبر تحصيل أربعة أو خمسة نواب إضافيين لا أكثر. بالتالي ربما يكون هناك تضخيم لمفاعيل هذه الثنائية بالحصاد المقبل في الانتخابات النيابية.
لو تُرك الأمر لحزب الله سيدفع، وفق القطب نفسه، بقوة لإقرار قانون انتخابي على أساس النسبية. لا يوافق على التمديد، مهما كانت الذرائع. موقفه إجراء الانتخابات في موعدها. يريد قانون انتخاب جديداً. المسألتان متداخلتان لا يمكن الفصل بينهما. يسعى مع العهد الجديد لإنجاز ذلك، والاتصالات مستمرة. يملك مدفعاً وصاروخاً. يشارك في تحرير حلب. حاضر على طاولة الإقليم. لكنه في الداخل لا يستطيع أن يتجاوز قواعد اللعبة المعمول بها، مهما كبر في المعادلة الإقليمية، في الأجندة الداخلية سيخضع للقواعد القائمة. التباينات داخل الفريق الواحد تخطّت المعقول. قوى 8 آذار لم تعد موحدة.
كذلك الحزب السوري القومي الاجتماعي السبّاق في الدعوة الى إقرار قانون انتخابي على أساس الدائرة الواحدة والنسبية وخارج القيد الطائفي. يعتبر ذلك أولوية لأنه لا يمكن بناء مشروع الدولة في لبنان في ظلّ قانون انتخابات طائفي ومذهبي لا يحقق صحة التمثيل ولا عدالته. يرى أنّ كلّ طرف سياسي يدخل في لعبة التجديد للقانون الحالي أو أيّ قانون مستنسخ عنه، هو تمديد للأزمات البنيوية المستفحلة في الجسم اللبناني. بالتالي يرفض الحزب مجرد القبول بفكرة الخضوع مجدّداً للقوانين الانتخابية المفخّخة.
إذا قادت القوى المطالبة بالنسبية اللبنانيين الى الستين، معنى ذلك أنها وجّهت صفعة لقوى التغيير والمقاومة التي كانت تطالب بنظام انتخابي نسبي وتتطلّع الى إصلاح الحكم في هذا العهد الجديد.
إنّ أيّ ربط بين تأخير تشكيل الحكومة والإبقاء على الستين، وفق قطب وزاري بارز، لـ «البناء» هو رهان وتفسير في غير محله. من يسأل عن الستين هو مَن يعرقل. تحدث رئيس الجمهورية في خطاب القسم عن انتخابات نيابية في موعدها بعد إقرار قانون جديد يحاكي الميثاق، وعدالة التمثيل. لم يبدّل رئيس الجمهورية تبديلاً. والسؤال، بحسب المصدر الوزاري نفسه، ما الذي يمنع مجلس النواب من التشريع وإقرار قانون انتخابي في ظلّ حكومة تصريف الأعمال؟ مَن يقول إنه لا يستطيع التشريع فهو في عقد عادي؟
إنّ رمي المسؤوليات هو في سبيل الضغط. رئيس الجمهورية وتياره غير مضغوطين. لا يعرقلان، العرقلة عند الآخرين تتقاذفها المكونات السياسية المعروفة الأهداف والنيات. لا يراهن رئيس الجمهورية على قانون «الدوحة». لا يضمر التيار الوطني الحر تحالفات معينة مع حزب الله والقوات والمستقبل. صحيح أنه من خلال تحالفات كهذه يحصل على ثلاثة أرباع مقاعد المجلس. لكن ما يُضمره، وهذا ما سيثبت في وقته، إسقاط قانون الستين.