إمام: ثقافتنا أقوى من إرهابهم
آمنة ملحم ورانيا مشوّح
انطلاقاً من «الحور العين»، ومروراً ب،«ما ملكت أيمانكم» و«أهل الوفا»، هكذا استعرض شريط مصوّر نفحات إبداعية من رحلة المخرج العبقري نجدة أنزور، مكملاً لوحاته الفنية مع مشاهد من «ملك الرمال» و«فانية وتتبدّد» صنعها فكر متوهّج وعقل واع، حمل الفنّ بروحه وحمله رسالة شعب أتعبت روحه عقول متحجّرة وأثقلتها بأعباء أفكار ينبثق الإرهاب منها، ليتحوّل إلى وسيلة وحشية لتدمير شعوب آمنة. إلا أنه شعب عتيد لا يقبل الهيمنة ولا التفرقة ولا الطائفية، فوقف يداً واحدة متصدّياً لكلّ من حاول بثّ تلك الأكاذيب بين صفوفه، وكان فيلم «ردّ القضاء» خاتمةً للشريط، فحظيت مشاهده التي نطقت بالتحدّي والصمود وأسمى ملامح البطولة التي رسمها السوريون مع أبطال الجيش العربي السوري بتصفيق أشعل مسرح دار الأوبرا في دمشق.
هكذا كان افتتاح فعالية «محطات فنية في الحرب على الإرهاب… نجدة أنزور رائداً»، التي أقامتها جمعية «سورية المدنية» ضمن احتفالية «أيام دمشق للإبداع الفنّي»، مطلقةً رسالتها هذه السنة حول الإرهاب، مع مجموعة من الفنانين، بحضور حشدٍ جماهيري وفنّي وثقافي، كما حضر عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد.
بعد الافتتاح، كان الوقوف دقيقة صمت إجلالاً لأرواح الشهداء، ثمّ النشيد العربي السوري عزفته الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية بقيادة عدنان فتح الله.
قدّمت الفرقة الوطنية مجموعة من المقطوعات توزّعت ما بين «أهكذا كانت»، و«سيرتو»، و«ملاك»، و«لونغا»، و«لحظات»، وموسيقى مسلسل «فاطمة»، ليكون ختام فقراتها مع «تدمر بوابة الشمس»، حيث رافقتها في عدد من المعزوفات فرقة «أنيما للرقص» بمستوى احترافيّ من العروض الفنية الراقصة، موظِّفة إمكانياتها والتقنيات المتاحة لها، فساهمت في إيصال فكرة العرض بطريقة مبدعة وخلّاقة.
وفي تصريح صحافيّ، أشار معاون وزير الثقافة توفيق إمام إلى أن هذه الاحتفالية، تأتي ضمن فعاليات احتفالية ذكرى تأسيس وزارة الثقافة بمختلف أنشطتها الثقافية والفنية، لنقول من خلالها لِمَن يحارب العِلم والثقافة، إنّ ثقافتنا أقوى من إرهابهم وموسيقانا أقوى من رصاصهم. وأضاف إمام: تحتفل الوزارة مع جمعية «سورية المدنية»، وتشارك في تكريم عدد من الفنانين الذين كانت رسالتهم واضحة في الحرب ضدّ الإرهاب من خلال الفن والسينما والموسيقى.
بدوره، أكّد المخرج المبدع نجدة أنزور في تصريح إلى «البناء» أنّ البندقية والكاميرا اليوم شقيقتان في مواجهة الإرهاب التكفيري الظلامي الذي يحاول تشويه هذا النسيج الجميل.
وأضاف صاحب «فانية وتتبدّد» أن هذه الفعالية تؤكد أن هذا الشعب جدير بالحياة ومتمسّك بها وبالمستقبل الأفضل لهذا البلد.
ونوّه أنزور بأن الفنان اليوم يتحمّل مسؤولية كبيرة بأن يترك جانباً كلّ ما هو للتسلية والترف، ويركّز على عمل أساسيّ لتحرير البلد من الإرهاب. فكلّ عمل، صغيراً كان أو كبيراً، بإمكانه إضافة لِبنة إلى هذا الجدار العازل الذي يعزلنا عن تلك الأفكار الظلامية. والجنديّ الذي يحارب اليوم يخلق سيناريو جديداً مع كلّ فعل جديد له.
وشدّد أنزور على أن أهمية هذا التكريم تنبع من كونه مقدّماً من المجتمع الأهلي لا من جهة رسمية. فهو من الشعب وهنا تكمن خصوصيته، ويكون إثباتاً على أن هذا الشعب يبحث عن الأمان والاستقرار وعن سورية الأفضل سورية الغد.
وختم أنزور حديثه بتوجيه الشكر إلى جمعية «سورية المدنية» على هذه المبادرة، متمنّياً أن تكون الفعالية المقبلة من قلعة حلب، وكلّه تفاؤل بالنصر القريب لحلب وقلعتها، وبأن تعود الأصوات لتصدح منها بالطرب الأصيل والموسيقى الحيّة.
من جانبها، قالت مُؤسِّسة جمعية «سورية المدنية» رُبى ميرزا في حديث إلى «البناء»، إنّ الجمعية فكرية تنموية، وإنّ هذه الدورة الثانية لاحتفالية «أيام دمشق للإبداع الفني» واعدة، وإنّ يوم 29 تشرين الثاني سيكون يوماً للإبداع الفني كلّ سنة، وهدفه تسليط الضوء على كلّ فنّ سوريّ راقٍ يحمل رسالة مجتمعية صحيحة وهادفة من الممكن إيصالها إلى كل بيت.
وتابعت ميرزا: اعتمدنا على الفنّ لسهولة دخوله إلى كلّ أسرة، ففي السنة الماضية سلّطنا الضوء على دور المرأة السورية عبر مسلسل «حرائر»، واليوم نسلّط الضوء على الإرهاب عبر مسيرة أعمال المبدع نجدة أنزور الأكثر إظهاراً لدور الإرهاب قبل الأزمة وخلالها.
كما توجّهت الفنانة رنا شميس عبر «البناء» بالشكر إلى جمعية «سورية المدنية» على متابعتها الشؤون الثقافية إضافة إلى مشاريعها الإنسانية. وعن دورها كفنانة ومشاركتها في أعمال تحارب الفكر الإرهابي أوضحت شميس أنها عندما تشارك بهذه الأعمال، تكون جزءاً من فكرة تعدّ بمثابة وثيقة إنسانية في زمن صعب هو زمن الحرب، وهذه الأفلام السينمائية تحمل مجموعة أفكار وتحاول إيصال معاناة وتوضيح أفكار انتشرت بطريقة غير صحيحة ومشكّك في مصداقيتها.
وواصلت شميس حديثها قائلةً: للأسف، هناك بلدان عربية قريبة جداً تحمل أفكاراً خاطئة عن الشعب السوري، لدرجة استهجانها عملنا وصناعتنا للسينما في الحرب. وأكدت شميس أنّ الفن عندما يكون قادراً على إيصال رسائله إلى أماكن بعيدة، تكون سعيدة بامتهانها هذه المهنة ووجودها فيها، وأن السينما تعدّ وثيقة وفناً خالداً قادراً على حمل رسائل وإيصالها إلى أماكن بعيدة. لافتة إلى أّن دور التلفزيون يأتي بتكريس وتكرار تلك الأفكار وتذكير المشاهد بها كونه يحظى بمتابعة الشريحة الأكبر.
وتمنّت شميس أن يعود ألق السينما كما كان سابقاً، ونعود إلى شباك التذاكر بأفلام متنوّعة ما بين الكوميديا والرومنسية والميوزيكال، وليس فقط المعاناة. فنحن بلد الفنّ والإبداع، والسينما السورية اليوم تحظى باهتمام واضح رغم الحرب. وهذا التوجه الذي يعمل عليه وزير الثقافة محمد الأحمد منذ كان مديراً للمؤسسة العامة للسينما حيث دعم المهرجانات وحاول على الدوام إعادة الوهج إلى السينما بفكره المنفتح والنيّر، فهو يقبل الاقتراحات ويسمعها وينفّذ على أرض الواقع كل ما يمكنه دعم الفنّ السوري.
وتحدّث الفنان الشاب لجين إسماعيل بطل فيلم «ردّ القضاء» عن دور الشباب المبدع في هذا التوقيت فقال: أنا متفاجئ بأنّني موجود هنا، لا أحد ينتظر تكريماً، فكلّ شخص يعرف واجبه. سعيد جداً بهذا التكريم وهو التفاتة جميلة جداً تعطينا طاقة إيجابية في وقت نحن بأمسّ الحاجة إليها، حتّى لو كانت متأتية من كلمة جميلة. الإبداع مهمّ وموجود عبر التاريخ، لكن هذه المراحل والظروف هناك عدة دول مرت بها، للأسف هناك قلة قليلة تحاول استثمار هذا الموضوع لنتطوّر من خلالها، البعض يوثقها و يستفيد من خلالها، و هذا هام جداً.
واختُتمت الفعالية بتكريم حظي به كل من: المخرج نجدة أنزور عن مسيرته الفنية، والفنان سعد مينة عن دوره في «ما ملكت أيمانكم»، وهالة دياب عن سيناريو «ما ملكت أيمانكم»، والفنانة ندين تحسين بك عن دورها في «الحور العين»، والفنانتان رنا شميس وهناء نصور عن دوريهما في «فانية وتتبدّد»، والفنان الشاب لجين اسماعيل عن دوره في «ردّ القضاء»، والمايسترو عدنان فتح الله، والفنانة رانيا الأحمد عن «ما ملكت أيمانكم»، وعن أزياء «فانية وتتبدد» سحاب راهب، واختصاصية التجميل منى حسن.
وهكذا، يبقى الفنّ بوجهة نظر أنزور تحدّ ومواجهة لا تراجع فيه، وكله إصرار على مواصلة رحلته الفنية بالتصدّي لكل أشكال الإرهاب والفكر التكفيري، ليتردّد صدى ما ورد في «فانية وتتبدّد» على الدوام: «خذوا جسدي وأقيموا عليه صلاتكم… واتركوا أرضي أقيم بها قبراً لدميتي وطفولتي».