كأنكم…

بلال شرارة

أنا لستُ مرتاحاً وغير مطمئن الى أنّ أيّ شيء في هذه الأيام يجري على ما يرام، وإلى أنّ الأمور ستنتظم، وإلى أنّ الجميع بات يعرف حدوده وسيلتزم بها.

المشكلة أعقد من ذلك، نحن استسهلنا الأمور، أعتقد أنّ المسألة تحلّ بشروطنا أو بشروطكم أو بشروطهم. اعتقدنا أنّ المسأله تبدأ بانتخاب رئيس للدولة، او بإقرار قانون جديد للانتخابات ثم بانتخاب مجلس جديد، ومن ثم رئيس للجمهورية.

اختلفنا من أولاً: الدجاجة أم البيضة؟ أنا لم يسألْني أحد رأيي؟ لم يلتفت إليّ أحد، أنا والآخرون الجماهير الغفورة اعتبر الجميع أننا تحصيل حاصل، سنقبل بأيّ حلّ فنحن كنّا ودون أن ننبس ببنت شفة ومن دون أن نقول آخ، كنّا نتحمّل فراغ السلطة: البلد بلا رئيس، وبلا تشريع وبحكومة لا معلّق ولا مطلّق ، وكنّا وما زلنا نتحمّل أكثر من سبعين مليار دولار من الديون علينا وعلى مستقبل أولادنا، ونتحمّل النفايات على وجوهنا عفواً أمام أبواب منازلنا وعلى مفارق طرقاتنا العامة في العاصمة والضواحي القريبة والبعيدة، ونتحمّل تشويه مياهنا الجارية والجوفية وشواطئنا ومخالفات البناء والطابق المرّ، وكنّا بلا نظر وبلا سمع وقد فقدنا إحساسنا بالسياسة وبالوقت وبالمكان الوطن .

آنذاك، الآن… لو سألني أحد رأيي لقلت إنّ الأفضل دائماً استفتاء شعبي وطني لانتخاب رئيس للبلاد، شرط أن يكون لبنانياً، فقط لبنانياً، غير محكوم ويتمتع بكامل قواه العقلية. ربما كنت لأكون صريحاً أكثر واخترت نمطاً آخر من أنماط السلطة: لأشرت إليكم بالتحوّل الى إمارة أو مملكة أو سلطنة، أو تولية أمرنا لمشير، لمجلس قيادة ثوره ! ، أو إمامة كما اليمن أيام زمان… أليست أفضل من واقع الحال اليوم؟ ، خليفة كما هي حال دويلة داعش ، أو أيّ نمط آخر من أنماط السلطة، رغم أنه يكفي أن نتعلّم دروساً من النظام العربي من المحيط إلى الخليج خلال الخمسين عاماً المنصرمة، ونطالب مرة واحدة بإقامة النظام، إذ لا يكفي أن نطالب بإسقاط النظام أيّ نظام !

لو سألني أحد رأيي، لو…

ماذا الآن؟ أنتم تجرّبون بعضكم: التحالفات، التفاهمات، الاتفاقات. جميع الأمور التي دبّرت في ليل، كلام الشرف في ما بينكم قال لي مرة المرحوم الشاعر زهير غانم عندما وجدني على نياتي: يا صاحبي الكلام بلا شرف .

أنا المواطن الذي كنتُ شاهداً ما شفش حاجة على البدايات: انتخابات الرئاسة، استشارات التكليف، التكليف، طبخات التشكيل التي شاطت ، العروض المدنية إلى قصر شعب لبنان الأعظم ، العرض العسكري بمناسبة الاستقلال يقول جبران خليل جبران: قالوا استقلّ لبنان ألا ليت الحقيقة كانت ما قالوا وما يقولون إذاً لتمنيتني خيطاً في علمك – أنا ذاك المواطن، كم أودّ أن لا أكون شاهداً على النهايات، أن أموت، أن أسافر، أن لا أرى فيكم شراً، أو مكروهاً.

بدون رئاسة أو برئاسة إنما كنّا نهدف لملء الفراغ الذي خلفه شغور موقع الرئاسة وليس ملء الفراغ في قصر بعبدا. عسى أن يتغيّر ما بأنفسنا حتى يغيّر الله ما لنا ويبدّل أحوالنا بأحسن حال، ولا نبقى نترصّد بَعضُنَا بعضاً عند كلّ مفترق وناصية.

سأقول لكم حقيقة نائمة إذ إني أعيش إحساساً بأنكم تريدون استعادة لبنان كوقف للمارونية السياسية ! الحقيقة أنني لا أفهم عليكم كأنكم لغة ماضية… سابقة… تشبه لغة يقظة الميت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى