رياض الصلح كان مديناً للصهاينة مالياً وسعى إلى إقناعهم بوعد بلفور عربي
كتاب «رياض الصلح والنضال من أجل الاستقلال العربي» والذي كتبه باتريك سيل بطلب وتمويل من ورثة الصلح، وكما يشتهون، لم يحقق الغاية التي وضع من أجلها، وهي تلميع صورة رياض الصلح وتبييض صفحته وإخفاء ارتباطاته. ولعل أبلغ رد ما أعلنه سيل نفسه، إذ قال إنّ ابنة رياض ـ طلبت منه كتاباً «يصفّق لوالدها».
وعليه فإنّ رد بدر الحاج على الكتاب يُعتبر وثيقة مهمة تكشف حقائق عديدة حاول الكتاب التعمية عليها.
لذلك تنشر «البناء» رد الحاج على حلقات:
بدر الحاج
يقول الأمير عادل أرسلان وزير الخارجية السورية في مذكراته، وهو بالمناسبة كان على خلاف شديد مع سعاده، إنّ الحاج أمين الحسيني كتب إليه يرجوه ألّا تعترف سورية بـ«إسرائيل». ويذكر أرسلان بتعجّب «من قال له إنّنا نميل إلى ارتكاب خيانة كهذه؟». ص 831 . ويضيف: «نزلت إلى بيروت وزرتُ رئيس الجمهورية بشارة الخوري فأخبرني أنّ الوفود العربية في لوزان، وهي وفود مصر والأردن ولبنان وسورية، قد وقّعت بالتتابع بروتوكولاً على أساس التقسيم. فدُهشت لهذا النبأ، ثمّ سألت رئيس وزراء لبنان رياض الصلح عن حقيقته، فقال لي: «لم أطّلع على شيء، وإنّ وزير الخارجية حميد فرنجية سافر اليوم إلى زغرتا». مذكرت الأمين عادل أرسلان، الجزء الثاني 1946 1950 تحقيق يوسف إيبش، الدار التقدُّمية بيروت ص 831 . والواضح هنا أنّ الصلح تملّص من الموضوع أمام أرسلان وألقى باللائمة على فرنجية.
ويشير أرسلان، في مكان آخر، إلى مواقف حكومة رجل «الاستقلال العربي» بقوله: «حكومة لبنان تسمح بهجرة اليهود إلى فلسطين، وممثّلها في اللجنة الأولى في الأمم المتحدة يغيب عن الجلسة ساعة الاقتراع على قضية ليبيا، وذلك من أجل إيطاليا…». ص 834 . أيضاً، وفي سياق الادّعاء بقبول سعاده فكرة التقسيم، نسأل باتريك سيل: هل بإمكانه أن يفسّر لنا لماذا مَنعتْ حكومة الصلح المهرجان الذي دعا إليه سعاده في 2 تشرين الثاني 1947 في فندق «نورمندي» لرفض وعد بلفور؟ هل توعية المواطنين وتعبئتهم ضدّ خطر وعد بلفور والوطن القومي اليهودي في فلسطين هما تهديد «للنضال العربي من أجل الاستقلال؟».
يختار سيل ما يناسبه، ويخفي الكثير عن العلاقات والمفاوضات والحوارات بين رياض الصلح والصهاينة، في حين يستفيض بسرد وقائع المباحثات بين الصهاينة وجورج أنطونيوس وبعض قادة الكتلة الوطنية في دمشق وقيادات فلسطينية. ومع ذلك، نسير مع سيل في خطئه، وننقل عنه التالي على طريقة من فمك أو قلمك أُدينك.
يتحدّث سيل عن ذكاء رياض الصلح وبراغماتيّته في موضوع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، فيقول: «في العقد الثاني في الثلاثينات كانت حجّة رياض تقوم على أنّه إذا تمكّن من إقناع الصهاينة بوضع ثقلهم السياسي والمالي خلف قضية استقلال عربي يجمع سورية ولبنان وفلسطين وشرق الأردن مرحباً رفيق، لم نكن نعلم أنّ رياض الصلح كان يحاول إقناع حاييم وايزمن بالوحدة السورية، وليس بالوحدة العربية ، فإنّه سيتمكّن من التوصّل إلى «وعد بلفور عربي» يمنح بموجبه اليهود وطناً داخل هذا الكيان العربي الواسع والواثق. فعرض ذلك على ديفيد بن غوريون وموسى شرتوك سنة 1934، وعلى حاييم وايزمن نفسه سنة 1936، معتقداً أنّ في وسعه إقناع عرب فلسطين بقبوله، لكنّ الصهاينة كانت لهم أهداف أبعد من ذلك». ص 288 .
وعد بلفور عربي!
السؤال البسيط هو: من خوّل رياض الصلح إعطاء «وعد بلفور عربي» يمنح بموجبه قسماً، مهما كان حجمه، للهجرة الاستيطانية إلى فلسطين؟ ليس لأحد، ولا حتى للفلسطينيّين أنفسهم، الحقّ في المساومة والمقايضة على أيّ شبر واحد من أرض فلسطين، ناهيك بإعطاء الوعود البلفورية. لقد أعطى بلفور وعداً لليهود بوطن قومي في أرض لا يملكها، وبدوره، أبدى السيد الصلح استعداده لإعطاء وعد مماثل في موضوع لا علاقة له به لا من قريب ولا من بعيد.
أعود إلى نقطة ثانية وأخيرة، كي لا أُطيل في هذا الموضوع على أهميّته، إذ يقول سيل: «كان على رياض أن يعيش في صراع بين معارضته التامّة لفكرة إقامة «وطن قومي لليهود» كما تُملي عليه فطرته، أو اعتماد نهج أكثر حذراً وتعقّلاً من الناحية السياسية، يقوم على حقائق القوّة». ص 287 .
الخلاصة إذن هي على الشكل التالي: بما أنّ اليهود أقوياء، فيجب أن نوافق على شروطهم باعتماد البراغماتية والحذر والتعقّل! أليس هذا ما تفعله بعض القيادات الفلسطينية اللاهثة وراء سراب السلام منذ عشرات السنين؟
إنّ الفهم السطحي للحركة الصهيونية وأهدافها من قِبل الصلح وأمثاله هو السبب في ضياع فلسطين، وفي إقدام المستوطنين اليوم على وضع الأُسُس النهائية لابتلاع كلّ فلسطين. فمن قبل بالتفريط باللدّ والرملة وحيفا وعكا، وسمسر على بيع الأراضي في الجليل منها أسر لبنانية وطنية جداً أوصلنا إلى ما لا نُحسد عليه اليوم.
علاقته بالمنظمة الصهيونية المركزية
يُخفي سيل حقيقة ما جرى بين كلّ من وايزمن وشرتوك وبن غوريون مع السيد الصلح. هنا أودّ أن أُعيد نشر ما جاء في دراسة قيّمة كتبها أسعد أبو خليل في مجلة «الآداب» بعنوان أقنعة الفرنكوفونية بطلان «الثقافة اللبنانية» . فالمعلومات التي نشرها أبو خليل، استناداً إلى مذكرات بن غوريون، أخفاها السيد سيل ولم يُشرْ إليها لا من قريب ولا من بعيد. نقتطف من دراسة أبو خليل التالي:
«إنّ الاتّهام الأخطر هو حول علاقة الصلح بالمنظمة الصهيونية المركزية، ويمكن تدعيمه بالنظر إلى الأوراق الخاصة لحاييم وايزمن، أول رئيس لدولة «إسرائيل». فقد ورد في هذه المذكرات خبر اتّصال الياس ساسون برياض الصلح والأول هو من الروّاد السبّاقين في تجنيد عرب لمصلحة الصهيونية، ونجح أيّما نجاح في ذلك مع حزب «الكتائب»، بحسب كتاب Kristen E. Schulze «دبلوماسية إسرائيل السرية في لبنان»، الصادر في نيويورك عن دار نشر سانت مارتين العام 1998. أنظر ص 280 من كتاب وايزمن . وهو كتاب صدر في القدس المحتلة عن «منشورات جامعات إسرائيل» عامي 1974 1975، بل يورد محرّر المجلد واسمه برنارد واسرتين، معتمداً على وثائق «إسرائيلية» وصهيونية غير منشورة، وذلك في حديثه عن اجتماع سرّي في منزل المتموّل الصهيوني روتشيلد مع وايزمن، أنّ الصلح كان «تحت واجب مالي من الصهاينة». أي أنّه كان مدفوعاً مالياً من قِبلهم، والعبارة بالإنكليزية: He was under financial obligation to the Zionists. وقد تطوّع الصلح في تشرين الثاني 1921، وبعد لقاء خاص مع وايزمن لإقناع مجموعة من «السوريّين» باللقاء مع الصهاينة بمن فيهم صديقه وايزمن نفسه، فتمّ الاجتماع في 18 آذار 1922 في القاهرة، وذلك أيضاً بحسب مذكرات وايزمن نفسها، المجلد 11، السلسلة A أيضاً الصادر بين كانون الثاني 1922 وتموز 1923 الرسالة رقم 75 . وفي بيان رسمي أمام اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية في تشرين الأول 1921، ذكر وايزمن أنّ الصلح كان مستعدّاً «لقبول الصهيونية ووعد بلفور كأمر واقع». أنظر المذكرات نفسها، السلسلة B، المجلد 1، آب 1898 تموز 1931، وقد صدرت في نيو برونزويك عن منشورات كتب Transaction العام 1983، ص 234 ، وفي الصفحة نفسها أشار محرّر هذا المجلّد وهو غير محرّر المجلد الأول إلى أنّ الصلح كان مدفوعاً من قِبل الصهاينة، وأنّه كان في مهمة اتصال سلمي مع اليهود حين اغتيل. «الآداب» 9/10/2001 .
ويشير مصدر آخر إلى أنّه في المفاوضات التي جرت بين رياض الصلح ووايزمن في 2 تشرين الثاني 1921، سأل رياض وايزمن إذا ما كان «مستعدّاً للتخلّي عن إقامة دولة يهودية في فلسطين»، وكان الجواب أنّ ما من أحد يؤكّد أنّ ذلك لن يحصل» Aharon Cohen, Israel and th Arab World, New York, 1970 ص. 85.
وعلى الرغم من الجواب القاطع لوايزمن، تواصلت المفاوضات بين الصلح ومحمد رشيد رضا صاحب «المنار» والصحافي اللبناني إميل الخوري وبين القادة الصهاينة في 19 آذار 1922، وفي 2 نيسان 1922. وكان الحوار يدور حول الاتفاق لتحقيق أماني الصهاينة بالتفاهم المصدر السابق، ص 86 . وكان وايزمن في الاجتماع الثاني مرتاحاً، وكان يعتبر أنّ رياض الصلح «مدين مالياً للصهاينة» المصدر السابق أيضاً .
واصل الصلح اجتماعاته بفريديك كيش، رئيس اللجنة الصهيونية التنفيذية، في 3 نيسان 1923، وقام بعد الاجتماع بزيارة الأمير عبدالله الذي كان يتّفق معه في الرأي. Frederick Kisch, Palestine Diary, Victor Gallancz, London 1938 ص. 47.