شهرٌ على العهد مع «سابقة» أولى و«مقلقة»

روزانا رمّال

لا يختلف مَن تابع الحدث الرئاسي في لبنان الذي طال انتظاره، على أنّ تأجيله أكثر كان يعني اقتراب الخطر تدريجياً الى لبنان، وعلى هذا الأساس كانت المساعي مستمرة لكسر الجليد وتقديم المزيد من الطروحات القادرة على تقريب وجهات النظر بين الافرقاء، وعلى انّ السياسة المحلية لم تساعد في إيجاد أرضية مناسبة للاتفاق على رئيس للجمهورية، لم يكن أمام اللبنانيين سوى التطلّع إلى نافذة حلّ خارجية تترجم ثمارها محلياً بالالتفات نحو سورية التي تعتبر منذ ما بعد فترة اغتيال الرئيس الحريري حتى اليوم، واحدة من ابرز محركي الملف الرئاسي في لبنان والسياسة فيه عموماً.

وبخروج سورية من لبنان لم يفلح الأفرقاء بقيادة الملف المحلي بمثل ما كانت «سلطة الوصاية»، كما سُمّيت حيث تنظمت الحصص وتوزّعت حسبما كانت تقتضيه الحاجة لخدمة تلك الحقبة.

لم يظهر اللبنانيون قدرة على تسديد فواتيرهم المستحقة وترتيب بيتهم الداخلي وإجراء انتخابات رئاسية أو إظهار سلاسة في التشكيلات الحكومية منذ أن خرجت سورية، رغم السعي لتثبيت «النأي بالنفس» عنها والتوجه نحو المزيد من الاستقلالية، ليكتشفوا استحالة فصل المصير والمسار بعدما اجتاحتها القوى التكفيرية والجهادية التي وصلت الى لبنان عبرها والتي لا تزال قابعة في جروده حتى أجل غير مسمّى.

لم يظهر اللبنانيون أيضاً قدرة على البتّ في مسألة الاتفاق على ضرورة إجراء تغيير في تمثيل السلطة في لبنان والتخفيف من وطأة الضغط التي يعيشها الشارع والتي سبق واشتبكت معه القوى كلها من دون استثناء في لحظة مصيرية كانت كفيلة بأخذ لبنان نحو مجهول ساق دول الجوار اليه بفوضى الشارع.

الحديث عن قانون جديد للانتخابات النيابية وحده كفيل بإحداث فارق جديد، وهو الأمر الذي يكشف عمق الأزمة بين التخلص من وصاية و«عودة إليها» بطريقة او بأخرى. فهناك أصوات ارتفعت محاولة الإبقاء على قانون الستين، اضافة لتعقيدات حكومية انتخابية تسعى لتثبيت هذه الفرضية كأمر واقع يأخذ البلاد نحو انتخابات لاعتبارات الضرورة القصوى: انتخابات بقانون الستين أفضل من «لا» انتخابات.

العودة الى ما يفترض أن يكون قد أصبح بحكم «المنتهي الصلاحية» في عهد التغيير والإصلاح يشكل سقطة كبرى تهدّد العهد الساعي للإصلاح والداعي للقانون النسبي في مرحلة سابقة مع دعوات ومخارج بينها تمديد تقني يضمن التوصل الى قانون انتخابات جديد ليبقى الاختبار الذي ينتظر الرئيس عون متمثلاً بقدرته على التمسك بالتغيير في البلاد. وهو أبرز ما يراقبه الداعون لإحداث فارق من خلال هذا العهد الذي لن يختلف عن سابقاته بحال الإبقاء على طرق ممارسة العمل السياسي نفسها أو ما كان يعمل فيه بالسنوات الماضية «قانوناً» و«ممارسة».

هذا الحديث الذي يدور في كواليس السياسة اللبنانية ويتداوله الشارع اللبناني كخيارات وآمال مع كلّ عهد جديد ربما يعتبر عادياً في أسس الحراك السياسي والدورة الجديدة التي دخلت فيها البلاد بعد الركود الذي طال، لكن ما لا يُعتبر عادياً حسب مصادر سياسية بارزة لـ«البناء» هو أن ينتهي الشهر الأول للعهد ويكون قد تراكمت من حوله انتقادات واعتراضات فاقت إبداء الرأي أو التوقعات تصبّ في خانة ضمن التصويب والاعتراض تارة والخلاف تارة أخرى. وهي ما يُخشى أن تؤسّس لفجوات تكبر مع تقدّم الوقت، ويتابع المصدر: «إنها المرة الأولى التي يتعرض فيها عهد للانتقادات قبل أن يُكمل شهره الأول في قصر بعبدا في «سابقة» من نوعها، فهذا الأمر الذي لم يكن مألوفاً في عهود سابقة التي كانت تترافق مع تسلّم الرئيس مهامه، حيث كان يُعطى مجال أوسع من الوقت لمراقبة عناوينه العريضة، وهي فترة وصل بعضها لستة أشهر تقريباً يعيش اللبنانيون على أساسها هالة الحدث والرئيس. أما اليوم فيتعرّض الرئيس وفريق عمله لشتى أنواع الانتقادات، وقد شهدنا مؤخراً انتقادات صحافية وسياسية حادّة كلها تؤشر إلى أنّ العهد يترقب العديد من المطبات وبأنه موضوع عند أكثر من مجهر ومشرحة».

قد لا تبدو مسألة المسارعة في توجيه الانتقادات للرئيس عون وفريق عمله عادية بالمقارنة مع محطات رئاسية سابقة اعتاد اللبنانيون على إعطائها زخماً أكبر والإحاطة بهالة الرئاسة وعدم المساس بها قبل وقت وافر تتكشف فيها الخطوط العريضة للعهد، لكنها تبدو ظاهرة طبيعية بالنظر الى تجربة العماد عون «الفريدة» من نوعها التي لم يسبق أن عاشتها الأروقة السياسية في لبنان. فالعماد عون هو رئيس حزب سياسي بنهاية المطاف، ولهذا الحزب حساباته وخصومه السياسيون، وعلى هذا الأساس فإنّ التعاطي مع عهد من هذا النوع هو اختبار فرصة نجاح الرئيس القوي الذي يتحدث عنه اللبنانيون والذي سوّق له ربطاً بعون.

الرئيس الوسطي في لبنان فرض سابقاً توازنات مغايرة لتلك التي تفرضها تجربة العماد عون في قصر بعبدا اتسمت حينها بسياسات تبتعد عن الاستفزاز، خصوصاً أنّ معظم الرؤساء أتوا إلى لبنان بعد معضلة تعطيل كبرى ودخول عوامل شديدة التعقيد، فما كان على رئيس الجمهورية «المعيّن» الا الابتعاد عن كلّ ما يجعله طرفاً سياسياً يتطلع لفرض توازن جديد في البلاد يؤثر على تمثيل القوى في البلاد، وهو عكس ما يسعى إليه العماد عون الساعي لفرض حضور وقوة رئيس الجمهورية…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى