عن تركيا بين الحلف الاطلسي وروسيا
د. هدى رزق
أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في يوم 29 تشرين الثاني الماضي، حول اسباب قيام تركيا بعملية «درع الفرات» في سورية، غضبا وعدم ارتياح في موسكو، حيث اكد أردوغان أن العملية حصلت «لإنهاء حكم الطاغية الأسد الذي يمارس ارهاب الدولة «.
انتقد كبار المسؤولين الروس علنا الحكومة التركية وطالبوا بتفسير لمغزى هذه التصريحات. كما اثارت هذه التصريحات، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ناقش الموضوع، على الهاتف، مع أردوغان يوم 30 الفائت، في حين كان الأخير يترأس اجتماع مجلس الأمن القومي. لكن تركيا كانت قد صرحت مرات عدة، أن هدفها من عملية «درع الفرات» ضرب «داعش» المتمركزة على حدودها. كذلك، منع وحدات الحماية الكردية من ربط كانتوناتها في شمال سورية.
في اليوم التالي وعلى النقيض من هذا التصريح، عاد أردوغان وصرح أن العملية العسكرية التركية في سورية ليست ضدّ أيّ بلد، أو شخص، لكنها ضدّ الجماعات الإرهابية. وإنّ الهدف من العملية لا يتعلق بأيّ بلد أو شخص، لكن يتعلق بمحاربة المنظمات الإرهابية فقط. وأكد انه ليس لدى تركيا أية مطامع في سورية أو العراق.
هذه التصريحات المتضاربة، الصادرة عن الرئيس التركي حول سياسته في سورية، عطلت محادثات سرية بين المعارضة السورية وروسيا، كانت تتمّ بوساطة حكومة انقرة. لذلك، سافر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى منتجع آلانيا في انطاليا، يوم 30 تشرين الثاني لإجراء محادثات حول سورية وغيرها من الأمور الثنائية، مع نظيره التركي جاويش اوغلو. وفي مؤتمر صحافي عقب محادثاتهما، قال إنه ولافروف، اتفقا على وقف إطلاق النار في حلب، لكن لا يزال موقف تركيا من الأسد دون تغيير.
كانت تركيا قد أبدت استعدادها، في أعقاب المصالحة الروسية التركية، لكبح جماح «جبهة النصرة»، التي تدعو نفسها الآن «فتح الشام.» لكن قوى معارضة انتقدت موقف أردوغان، بعد نجاح الجيش في دحر المسلحين في معركة شرقي حلب، ما أدّى الى تصاعد إحباط المعارضة المسلحة من الحكومة التركية. لذلك، كان على أردوغان استرضاء قاعدته الإسلامية لصدّ اتهامات له بالانعطافة. كما تزايد غضب هذه المعارضة، من صمت المجتمع الدولي في مواجهة قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران. وفيما تكثر التساؤلات الجدية حول ما اذا كانت تركيا على وشك الانفصال عن الغرب، بعد أن صرح أردوغان عن نيته الانفتاح على الشرق، بعد محاولة انقلاب 15 تموز، ليعكس خيار انقرة تمتين العلاقة مع موسكو، التي بدت وكانها أصبحت تحالف. أتى موقف أنقرة وكانه نتيجة تأخر كل من الولايات المتحدة واوروبا، بالوقوف باكرا الى جانب الحكومة التركية وتشكيكهما بجدية الانقلاب.
إلى أن العثور على أجوبة للتساؤلات حول التوجه نحو روسيا، يكمن في مؤشرات الأمن العسكري لتركيا والخيارات الاستراتيجية. فتصريح الرئيس التركي، مؤخرا، حول أخذ تركيا مكانها في منظمة شنغهاي للتعاون والحفاظ على استقلاليتها، زاد في التكهنات بأن تركيا قد تترك حلف «الناتو». لكن اوساطا روسية أكاديمية، تعتبر أن لتركيا دورا تجاه منظمة شانغهاى للتعاون، بيد أنه قبل انضمام أنقرة إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ينبغي عليها الشروع في عملية انهاء وضعها في حلف شمال الاطلسي. لن تقدم تركيا على هذا الامر، قبل التحقق من قرار الرئيس الاميركي المنتخب ترامب، الذي وصف منظمة حلف شمال الأطلسي بمؤسسة عفا عليها الزمن.
لكن تصريحات الأمين العام لحلف «الناتو» ينس شتولتنبرغ، الذي كان في اسطنبول في اجتماع «الناتو» مع البرلمانيين في 19 تشرين الثاني، الذي تطرق إلى قضايا مثل العلاقات بين الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي، في عهد ترامب ومستقبل التحالف ووضع الضباط الاتراك الذين يعملون في حلف شمال الاطلسي، الذين طلبوا اللجوء وتعيين تركيا ضباطا جدد لوظائف منظمة حلف شمال الأطلسي. كان واضحا، إذ أنه بدا واثقا من أن تركيا لن تفعل شيئا يمكن أن ينال من مفهوم الدفاع المشترك ووحدة حلف شمال الاطلسي.
ليس واضحا في الوقت الحاضر، إن كانت تركيا ستترك حلف شمال الاطلسي، فأردوغان يحاول جس نبض الاروربيين والاميركيين. وهو لا يريدهم ان يتدخلوا، بعد الآن، في شوؤن تركيا الداخلية. لذلك، تريحه العلاقة مع روسيا، كونها لا تحبذ التدخل في شؤون الدول. وهو يرى أن المشروع الغربي لتغيير الانظمة، قد باء بالفشل. وها هوالرئيس الاميركي ترامب، يلاقيه في هذا الموضوع. تناور تركيا مع الغرب، لا سيما في أعقاب محاولة انقلاب15 تموز. وتريد فرض شروطها عليه، في محاولة ابتزاز واضحة، قوامها الموقع الجيوسياسي المهم الذي يعول عليه الغرب الاوروبي والاميركي. لذلك، لم يفت الرئيس الاميركي الجديد الاشارة الى انه على واشنطن استعادة العلاقة مع تركيا، كما كانت، اي استعادة متانة العلاقة.
لن تصل العلاقات العسكرية التركية-الروسية إلى مستوى التحالف، في ظل عضوية تركيا في حلف شمال الاطلسي، لا سيما بعد ازمة أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم والاتهامات المتبادلة بين «الناتو» وروسيا. ربما يمكن لتركيا الاستفادة من تحسن العلاقة، للحصول على منظومة الدفاع االجوي الروسي S-400، بعد ما أعرضت الولايات المتحدة عن بيعها الطائرات من دون طيار وأنظمة جوية بعيدة المدى.
يرى بعض المراقبين السياسيين، أن روسيا يمكن أن تستفيد من علاقتها بتركيا، لا سيما أن بنية الدولة والحدود في الشرق الأوسط، لا بد أن تتغير. وهي تمر بفترة مضطربة، يتم خلالها إعادة تصميم التحالفات الأمنية في المستقبل القريب. وهذا يفسر نية روسيا فتح مجالات جديدة للنفوذ في المنطقة. وهي تأمل أن تتخذ الإدارة القادمة مع ترامب، قرار الانسحاب من حلف شمال الاطلسي. في هذه الحالة، فقط ستكون روسيا بحاجة إلى تركيا، أي بعد تركها للحلف الاطلسي. يمكن عندها، فقط، الحديث عن تحالف عسكري وامني.