انهيار المسلّحين في شرق حلب وريف دمشق… واقتراب سورية من لحظة النصر
حسن حردان
من يتابع التطوّرات الميدانية والسياسية بما خصّ الأحداث في سورية، يلحظ بشكل لا لبس فيه التحوّلات الحاصلة في مصلحة محور المقاومة، وأنّ سورية باتت تقترب شيئاً فشيئاً من لحظة تحقيق النصر على القوى الإرهابية والدول الداعمة لها. فالتطورات الميدانية في شرق حلب وريف القنيطرة تؤشّر إلى أنّ معنويات الجماعات المسلّحة أصبحت في حالة انهيار بعد التقدّم الكبير الذي حقّقه الجيش السوري وحلفاؤه بتحرير أكثر من نصف أحياء حلب الشرقية، وإجبار المسلّحين في مدينة خان الشيح والقرى المحيطة بها، في الريف الغربي للعاصمة دمشق، على تسليم أسلحتهم والمغادرة إلى محافظة إدلب، التي تحوّلت إلى ما يشبه المستوعب لكلّ المسلحين المهزومين الذين رفضوا تسوية أوضاعهم وتنتظرهم معركة نهائية وفاصلة ستواجههم بعد أن ينتهي الجيش السوري وحلفاؤه من مهمّة تطهير ما تبقّى من أحياء حلب الشرقية.
على أنّ هذا الانهيار في مناطق سيطرة المسلحين يترافق مع فقدانهم القدرة على تعويض خسائرهم، والحصول على الدعم والإسناد اللذين كانا في السابق يمكّنانهم من الصمود والاستمرار. والسبب في فقدان هذا المصل الذي كان يغذّيهم بالمقاتلين والسلاح عبر الأراضي التركية، فشل كلّ الهجمات لفكّ الحصار عن شرق حلب، وكذلك إخفاق محاولات المبعوث الدولي دي ميستورا، بتوجيه أميركي، تمرير حلوله المشبوهة لإنقاذهم وتضمن لهم البقاء تحت مسمّى إدارة ذاتية، أو عبر تأمين وصول المساعدات لهم وفي باطنها السلاح والذخيرة.
كما أنّ هذا الانهيار يتزامن أيضاً مع تراجع الدعم السياسي الذي كان يقوّي من معنويات المسلّحين. فأميركا الدولة القائدة للحرب الإرهابية على سورية تعيش مرحلة انتقالية بين إدارة الرئيس أوباما المشرفة على مغادرة البيت الأبيض، وبين إدارة يجري إعدادها من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتولّي السلطة، وهي بشّرت المسلّحين مسبقاً بأنّ أولويّتها التعاون مع روسيا في محاربة «داعش»، وليس العمل على إسقاط الرئيس الأسد، أمّا ادارة الرئيس التركي رجب أردوغان فإنّها مأزومة ومربَكة وباتت غير قادرة على التأثير في مجرى الأحداث الميدانية في سورية بعد الإنذار الروسي السوري الإيراني بالنار والسياسة بعدم السماح للجيش التركي تجاوز الخطوط الحمراء بمحاولة الدخول إلى مدينة الباب الاستراتيجية في شمال حلب لاتّخاذها موطئ قدم له لمواصلة دعم الإرهابيّين ومنع انهيارهم، وفرض حضوره في تسوية الأزمة السورية. وكان لافتاً اضطرار أردوغان صاغراً إلى التراجع عن تصريحاته التصعيدية الأخيرة والامتناع عن التوجّه إلى مدينة الباب، في أعقاب الردّ السوري والروسي الحازم على عودته إلى لغة التهجّم على سورية ورئيسها، والذي اعتبرته موسكو نقضاً للاتفاق معها.
على أنّ هذه التطوّرات الميدانية والسياسية كشفت عن حجم التحوّلات في موازين القوى لمصلحة محور المقاومة وحلفائه، وهو ما وضع المسلّحين الإرهابيّين في كلّ المناطق التي يتواجدون فيها أمام خيار من اثنين:
الخيار الأول: القتال حتى الموت أو الوقوع في أسر الجيش السوري، وبالتالي فقدان فرصة الاستفادة من التسوية أو الخروج من دون قتال.
الخيار الثاني: القبول بالدخول في التسوية المعروضة عليهم من قبل الدولة السورية، والتي تتضمّن البنود التالية:
1ـ الدخول في المصالحة وتسوية المسلّحين السوريين لأوضاعهم في إطار العودة إلى كنف الدولة.
2ـ تأمين خروج المسلّحين الذين يرفضون الدخول في التسوية ونقلهم في باصات إلى محافظة إدلب، بعد أن يتمّ تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسّطة للجيش العربي السوري.
ويبدو أنّ هذه الصيغة التي تعرضها الدولة السورية في إطار المصالحة لتسريع الخروج من الأزمة، وتجنيب البلاد المزيد من الخسائر المادية والبشرية قد نجحت في الكثير من المناطق في ريف دمشق وقبل ذلك في أحياء حمص القديمة، ولأنّ الطريق بات مسدوداً أمام المسلّحين فقد سارع الكثير منهم مؤخراً إلى الاستفادة من هذا العرض، وفي هذا السياق أنجزت عملية التسوية وخروج المسلحين من مدينة خان الشيح ومخيّمها وبعض القرى القريبة، وبدأت عملية مماثلة في مدينة التل، فيما سارعت بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم في جنوب العاصمة إلى الدخول في التسوية.
وفي شرق حلب، يبدو أنّ هناك احتمالاً بأن يشرع المسلّحون في التفاوض لتأمين مغادرتهم الأحياء التي لا زالوا يتواجدون فيها، بعد أن أدركوا أنّ معركتهم أصبحت خاسرة مئة في المئة، ولا مفرّ أمامهم إلّا الخروج، وفي هذا السياق أفادت المعلومات عن بدء عملية التفاوض في تركيا بين وفد روسي وممثّلين عن المسلحين للتفاهم معهم حول سُبُل خروجهم.
ولهذا يكمن القول، إنّ هذه التطوّرات ستكون لها تداعيات دراماتيكية على المناطق الأخرى، ولا سيّما في الغوطة الشرقية، بتسريع دخولها في عملية التسوية والتوقّف عن مواصلة القتال غير المجدي والذي لا أفق له، ما يؤشّر إلى أنّ سورية أمام مرحلة جديدة تتسارع فيها التطوّرات والأحداث التي تسرّع عملية تطهير سورية من قوى الإرهاب والخروج من الأزمة، وبالتالي الاقتراب من لحظة إعلان انتصار محور المقاومة على أعتى وأشرس حرب إرهابية عالمية بقيادة أميركا تتعرّض لها دولة في العالم.