أبناء العقيدة ينتصرون…
سماح مهدي
قد يأخذ علينا بعض أبناء أمتنا أنّ حزبنا بلغ من العمر عتياً، فأربعة وثمانون عاماً تجعل منا، في نظرهم، حزباً هرماً . إلا أننا نؤمن بأنّ أربعة وثمانين عاماً من عمر الأمة السورية تجعلنا في عزّ الصبا، خاصة مع ذلك الإقبال المتنامي للشباب بهدف الانتماء إلى صفوف الحزب .
وبما أنني من بلدة مشغرة، التي لها في أدبيات الحزب وتاريخه مكان مميّز، فإنّ ذلك يعني لي الكثير، خصوصاً أنّ مؤسّس الحزب أنطون سعاده جاء على ذكرها مرتين في كتابه المرجع «نشوء الأمم»، وهو الذي زارها غير مرة ليجتمع بالرفقاء في منزل الرفيق محمد أمين منصور حيث لا تزال غرفة الاجتماعات تسمّى حتى يومنا هذا بـ«غرفة الزعيم» .
فما بين مشغرة والحزب السوري القومي الاجتماعي تاريخ ابتدأ مع التأسيس، فالتصق اسمها باسم الحزب إلى درجة الوحدة، وقد لحّن ابن البلدة الرفيق الموسيقار زكي ناصيف نشيد الحزب الرسمي، وقد انتمى إلى صفوف الحزب بعد أن سبقه إليه شقيقه الأمين شفيق ناصيف .
لم تكتف مشغرة بأن تحتضن الحزب وحسب، بل ساهمت في رفده بخيرة أبنائها الذين وصلوا إلى مراتب عليا، فتحمّلوا مسؤوليات جساماً على مستوى الحزب والوطن .ولنا في الأمين عبد الله محسن الذي تولى رئاسة الحزب، وفي الرفيق حسين منصور الذي انتخب نائباً مرات عدة وعُيّن وزيراً في الحكومة اللبنانية، خير مثال على ذلك.
ولأننا حزب الفداء، نؤمن بأنّ من واجبنا أن نذكر لمشغرة أنّ أرضها شهدت واحدة من أهمّ معارك الثورة القومية الاجتماعية الأولى في شهر تموز من العام 1949 ، حيث ارتقى منها شهيداً الرفيق القائد الصدر عساف كرم .
عقيدة عظيمة استثنائية جمعت كلّ هؤلاء، وغيرهم الكثير من أبناء الأمة السورية الذين أراد أنطون سعاده أن تجمعهم وحدة الحياة لا العيش المشترك، وبين العيش والحياة بون شاسع. فالأول لا يتجاوز المتطلبات الضرورية من مشرب ومأكل ونوم وسواها، أما الثانية ففيها الحضارة والإبداع والتطور والإنتاج: صناعة وغلالاً وفكراً وثقافة .
ومن الرفقاء المنتجين اختارت مديرية مشغرة أن تكرّم منذ أيام وفي أجواء عيد تأسيس الحزب واحداً من سنديانات النهضة القومية الاجتماعية، عنيتُ الأمين محمود غزالة الذي انتمى إلى صفوف الحزب مؤمناً بأنّ كلّ ما فيه هو للأمة. تدرّج في تولي المسؤوليات الحزبية بدءاً من المديرية إلى المنفذية، وصولاً إلى مسؤولية عميد .
حمل الأمانة رتبة ومسؤولية. جعل من القلم سلاحاً يكاد يساوي رصاصات الشهيد خالد علوان، فكان كتابه «على رصيف الويمبي» الذي وقّعه في مكان تلك العملية البطولية تأكيداً لانتهاجه خط المقاومة بكلّ أشكالها.
لم تكن «البناء»، التي تولّى رئاسة تحريرها، بالنسبة إلى غزالة مجرد صحيفة أو مجلة ناطقة باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، بل كانت فعل إيمان أراده ليوصل عقيدته إلى كلّ أبناء الوطن، محذراً إياهم من خطر داهم شرح تفاصيله في كتابه «كهنة أم جواسيس»؟
الأمين محمود غزالة… نحن نفتخر بأنك رفيق لنا، وبأننا تلامذة تعلمنا في مدرسة سعاده على يديك… سعاده القائد والقدوة الذي كان يحوّل المناسبات إلى فرصة يستعرض فيها أوضاع الأمة السورية وأحوالها والمصاعب التي تعانيها والأخطار التي تحيط بها. وكان يحرص في مثل هذا العيد على إظهار جهاد القوميين الاجتماعيين وإبراز الأعمال والانتصارات التي حققوها .
أيها الرفيق الأمين… كنت وستبقى لنا قدوة في الجهاد، وبوصلة لتحديد الموقف الصحيح، وقبل كلّ هذا وذاك أميناً مؤتمناً على الحزب والعقيدة، في مواجهة المحن والمصاعب والأخطار التي تتحدّى وجودنا وحقنا وحريتنا ونهضتنا وعزتنا وكبرياءنا من كلّ حدب وصوب. فلا يزال في أرضنا الجنوبية ـ فلسطين احتلال يهودي تؤازره قوى دولية كبرى في اغتصابه وأطماعه وجرائمه الموصوفة وعدوانيته البربرية على مقوّمات وجودنا وحياتنا وعلى حضارتنا وثقافتنا ومقدّساتنا. كما تواجه أمتنا في هذه الفترة عدواناً من نوع آخر يتمثل في الهجمة الشرسة لقوى الإرهاب والتكفير على لبنان والشام والعراق .
لقد تعلّمنا من سعاده أنّ الردّ على ذلك الاحتلال لا يكون إلا بالمقاومة التي تشكل مجموعات الفداء القومي التابعة لمنفذية جنوب فلسطين في الحزب جزءاً من تشكيلاتها. أما الردّ على العدوان الجديد فيبدأ بمكافحة كلّ عوامل التفرقة الطائفية والمذهبية والعرقية وكلّ عوامل التناحر والتنابذ والظلم في المجتمع والدولة ومؤسّساتهما، ويستمرّ بالعمل لوحدة المجتمع، لتكون قوة لصفوف العزّ وللمقاومين في صراعهم مع العدو اليهودي وحلفائه التكفيريين.
فالأمة تعلّمت من تجاربها السابقة أنّ خير معين لها على المخاطر المحدقة بها هو في الاعتماد على نفسها وعلى قدراتها ورسوخ عزيمتها واستعدادها لبذل الجهد والمال والدم لردع المعتدين وإنقاذ الحقوق القومية وارتقاء النصر والمجد، وها هم أبناء العقيدة ينتصرون.
وعليه، وفي هذا اليوم بالذات، نوجّه تحية إكبار للجيش اللبناني ولنسور قاسيون ـ جيشنا القومي في الشام، ولأسود الرافدين ـ الجيش العراقي الفذّ، الذين يخوضون معركة المصير ـ معركة الحياة ضدّ قوى الظلام والرجعية المدعومة من يهود الداخل والخارج وحلفائهم .
نرفع أيادينا اليمنى زوايا قائمة تحية لدماء الشهداء الذين يرتقون وهم يمارسون فعل الجهاد الحقيقي دفاعاً عن الأمة والشعب، سواء كانوا من الجيش أو من رفقائنا، أبناء سعاده العظيم نسور الزوبعة الحمراء، أو من رفقاء السلاح في كلّ فصائل المقاومة .