مختصر مفيد تحرير حلب يغيّر مجرى الحرب
لم تكن الحرب في سورية لتتخذ طابعاً وجودياً واستراتيجياً بالنسبة لسورية لو كان إطارها محصورا بسيطرة تنظيمات إرهابية على جزء مهما كبر من الجغرافيا السورية، فالأمر سيرتبط بخطورته بنوع وحجم المناطق التي تنجح التنظيمات الإرهابية بجعلها تحت سيطرتها. ومعلوم أن الجزائر تتعايش منذ عشرين عاماً مع بقاء مناطق الجبال تحت سيطرة جماعات مسلحة إرهابية تدور معها حرب مفتوحة، لكن ذلك لم يكن يوماً تحدياً وجودياً للدولة الجزائرية منذ صارت المدن الكبرى خارج نطاق الحرب، وكذلك مصر التي تخوض في سيناء وعلى مساحة تعادل أضعاف مساحة لبنان حرب كرّ وفرّ منذ ثلاث سنوات، وتتعرّض لحرب عصابات في القاهرة وسواها، لا تصيبها الأسئلة الوجودية والاستراتيجية التي طرحتها الحرب على سورية وفيها.
أهمية الحرب لتحرير حلب أنها تلغي النسبة الأهم من هذا البعد الوجودي والاستراتيجي من الحرب، وتجعلها رغم خطورتها في ما تبقى، حرباً صافية ضد الإرهاب، فتفك النسبة الكبرى من الارتباط الأكبر بين هذا النوع من الحرب وبين الحرب التي خاضتها واشنطن ومعها أنقرة والرياض وتل أبيب وباريس لإسقاط الدولة في سورية، والاستعداد لتفكيك الجغرافيا والكيان السوريين، إذا كانت السيطرة على الدولة مستحيلة، وكذلك تحرير حلب يفك الارتباط بين الحرب على الإرهاب وما عرف بالأزمة السورية والمقصود هو العنوان المثار من أطراف داخلية وخارجية حول عنوان الإصلاح السياسي وشكل الدولة ومؤسساتها، واعتباره أساساً لمعادلة صراع بين نظام ومعارضة .
بعد تحرير حلب لن يكون بمستطاع أحد التحدّث عن تداخل بين الحرب على الإرهاب وما يصير المتورطون بالحرب على سورية بفصائل معارضة مسلحة لم يعد لها وجود إلا كظل لجبهة النصرة خارج حلب. كما لم يعد للغرب وحلفائه الذين تورطوا في الحرب على سورية ما يدّخرونه للمواجهة المقبلة وهم مَن وصف حرب حلب بالمفصل الحاسم في كل حرب سورية. فكل ما يمكن فعله هو ما فعل للفوز بحرب حلب، وما لم يفعل للفوز بحلب فلن يفعل لحماية النصرة في إدلب أو الدفاع عن داعش في الرقة.
حلب بوابة المداخلة التركية العدوانية على سورية وما تخفيه من أطماع عثمانية، لكن بفعل الدور المحوري لتركيا في معادلتي الحرب الخارجية والحرب التي يخوضها الإرهاب وبصفتها المرجع للتشكيلات والشخصيات المسماة بالمعارضة، وما يعنيه استنفاد ما تملكه تركيا مع تحرير حلب، مهما كانت اسباب هذا الاتنفاد سياسية أم موضوعية، فهذا يعني أن النصر الذي بدا ممكناً في حلب سيكون ممكناً أكثر خارجها.
تجمّعت في حلب أعلى سقوف الحرب، وتحريرها يعني سقوط سقف الحرب على سورية فوق رؤوس أصحاب قرار الحرب بثلاثيتها المحلية والخارجية ومعهما الإرهاب…
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.